"إذا فقد الاتصال مع طواقم أسطول الحرية، رفاقنا، ولو لمدة 20 دقيقة، فسوف نمضي في منع أوروبا. لن يغادر مسمار واحد إلى إسرائيل."
بهذه الكلمات الحديدية، التي هزت وسائل الإعلام العالمية، أعلن قائد عمالي في ميناء جنوة الإيطالي العريق امام الجماهير الحاضرة لانطلاقَ قافلة الصمود. من ذات المدينة، حيث ابحر ذات يوم كريستوف كولومبوس المكتشف لعوالم جديدة، يكتب عمال الميناء اليوم – أعضاء نقابة UIL Transporti و CALP – فصلا جديدا من فصول النضال الأممي، محولين أرصفة الميناء إلى جبهة للصراع.
التاريخ لا يعيد نفسه حرفيا، لكن روح الصراع الطبقي الخالدة تتجسد بأشكال جديدة. روح التضامن الأممي التي تسري في أوصال الطبقة العاملة هي نهر جارف لا يجف، يثور ويعلو عندما تشتد الحاجة إليه، ليجرف في طريقه كل محاولات التطبيع والصفقات الخسيسة.
كلمات القائد العمالي ليست منة أو استثناء، بل هي الاستمرار الطبيعي لتقليد ثوري أصيل. فهي تذكرنا ببطولة عمال ميناء أوكلاند الأمريكي (1934)، الذين رفضوا تحميل ذخائر سفينة تدعم فاشية موسوليني في إثيوبيا، قائلين: "نحن لا نحمّل أسلحة للقتل". اليوم، من جنوة، تعطى الإجابة ذاتها: "نحن لا نحمل أسلحة للقتل في غزة".
ميناء جنوة هو شريان الحياة الرأسمالي لأوروبا الجنوبية. وفقا لإفادات العمال أنفسهم، يمر عبر هذا الميناء ما بين 13,000 إلى 14,000 حاوية سنويًا متجهة إلى كيان الاحتلال. لذلك، فإن تهديدهم بـ "لا مسمار واحد" ليس شعارا أجوف، بل هو سلاح الطبقة العاملة الأقدر على هز عروش المستغلين: الإضراب السياسي. إنها القدرة على شل حركة السلع وقطع شرايين الأرباح عن النظام الإمبريالي الذي يمول الحرب والاحتلال.
بهذا الفعل البطولي، يرفع عمال جنوة رأسمالهم النضالي ليكتبوا أسماءهم إلى جانب أبطال النضال الأممي:
· عام 1963: عمال الموانئ في السويد والدنمارك وهولندا يرفضون تفريغ سفن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
· عام 1973: عمال ميناء أوكلاند النيوزيلندي يمتنعون عن تحميل سفينة أمريكية احتجاجا على جرائم الحرب في فيتنام.
· عام 2010: إضراب عمال موانئ اوكلاند بكاليفورنيا الأمريكي تضامنًا مع ضحايا مجزرة أسطول الحرية، رافضين تفريغ سفن الكيان الصهيوني، وفي 2014 احتجاج على العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وفي 2021 خلال اسبوع تضامني مع فلسطين اعلنه تحالف ناشطون امريكيون ونقابات عمالية.
واليوم، يحمل عمال جنوة المشعل. إنهم لا يدافعون عن سفن الإغاثة فحسب، بل يعيدون تعريف دور الطبقة العاملة: من مجرد عبيد في آلة الاستغلال الرأسمالي إلى حراس للضمير الإنساني العالمي. إنهم يذكرون العالم أن البضائع التي يتحكمون بها هي نتاج عرق وجهد أمثالهم من العمال الفلسطينيين والعرب والعالم، ويجب أن تخدم الحياة وليس الموت.
كلمتهم رسالة ودرس موجهة إلى:
اولا: انظمتهم التي تتشدق بحقوق الإنسان وتتصافح بأيدي ملطخة بدماء الفلسطينيين.
ثانيا: أرباب العمل الذين يقدمون الربح على دماء الأطفال.
ثالثا: الطبقة العاملة العالمية بأن التضامن هو أقوى سلاح، وهو الطريق للتحرر.
رابعا: كل مناضل حقيقي لتعزيز كل أشكال النضال وجعلها تصب في خدمة الاستراتيجية الثورية، من موقع طبقي واضح، كي لا تترك الساحة للانتهازيين والظلاميين.
صوت عمال جنوة هو صدى للأصوات الثورية عبر التاريخ، وهو نذير بغد مشرق. إنه يعلن أن خطوط المعركة الحقيقية ليست بين أديان أو أجناس، بل بين قوى الحياة: الطبقة العاملة والفقراء والمضطهدين في كل مكان، وبين قوى الموت والاستغلال: الرأسمالية والإمبريالية ومؤيديهم.
فهزيمة الإمبريالية حتمية، ويوم يقف العمال أمميا كجسد واحد، ستسقط عروش الرأسمال، وتتحرر الإنسانية.