تزخر الأراضي التابعة جغرافيا لمنطقة
إمضير (عدد السكان حوالي 5000، خمسة آلاف، نسمة حسب الإحصاء الرسمي لسنة 2004) بثروة
باطنية كبيرة من المعادن خصوصا معدن الفضة، بحيث تحتوي هذه الأراضي على احتياطي يقدر
بملايين (وربما ملايير) الأطنان من هذا المعدن النفيس.
إلا أن أهالي وسكان المنطقة، الذين
يتوزعون على سبع دواوير (ايت امحند، ايت براهيم، ايت ايغير، انونيزم، ايزومڭن، تابولخيرت
وإيكيس) لا يستفيدون من هذه الخيرات ويعيشون حياة الفقر المدقع والتهميش والإقصاء.
ويعاني شبابهم البطالة، والمتمدرسون منهم من غياب البنية التحتية ومدارس في المستوى...
ويرجع سبب هذه المعاناة إلى استغلال هذه الثروة الباطنية واستحواذ واستيلاء شركة معادن
إميضر (SMI) التابعة لمجموعة
"مناجم" التابعة بدورها للهولدينغ الملكي" على عملية استخراج واستنزاف
الفضة من المنجم الموجود وسط هذه الدواوير وعلى الأراضي التابعة للجماعة السلالية إميضر.
هذا المنجم يعتبر من أكبر مناجم إفريقيا المتخصصة في استخراج الفضة.
وقد انتفض السكان عدة مرات على الاستغلال
الفاحش والاستنزاف لخيراتهم والإقصاء الممنهج. فتاريخ الانطلاقة الرسمية لعملية استخراج
الفضة من هذا المنجم يعود الى سنة 1969، وبعد توالي السنوات واستمرار عملية الاستخراج
بوتيرة متصاعدة، بدأت الساكنة وبشكل تدريجي تدرك هذا الظلم والحيف الذي طالها من طرف
الشركة لدرجة أن النظام القائم والحامي لمصالح الشركة أنجز مشروع الطريق الوطنية (الرابطة
بين ورزازات وتنغير) من أجل نقل ما يتم استخراجه من معادن الى المراكز، حيث تتم عملية
التصنيع والتسويق، بينما مجمل مناحي الحياة الأخرى والبنيات التحتية الأساسية ظلت مغيبة
نهائيا (رغم بعض الرتوشات هنا وهناك)، هذا الواقع المزري دفع سكان الدواوير السبعة
إلى الانتفاض ضد الشركة لأول مرة سنة 1986، وقد كان هذا التمرد بمثابة الشرارة الأولى
لانطلاق المعركة النضالية، وقد تعاطى معها النظام آنذاك، بقمع شرس، حيث تم استقدام
قوات القمع (درك، مخازنية...) من مدينة تنغير وورزازات، وكانت الحصيلة إخماد الانتفاضة
ومحاصرة الدواوير وحملة من الاعتقالات في صفوف المناضلين تم الاحتفاظ بستة منهم حوكموا
بالسجن النافذ.
لكن ورغم حدة القمع الدموي التي أخمدت
انتفاضات الساكنة سنة 1986، وبعد أن لملمت جراحها ستعود ٍ يوم 26 يناير 1996، لتفجر
معركة أخرى انطلقت بالاعتصام، وقد كان الدافع أو المفجر هذه المرة بالإضافة الى العوامل
سالفة الذكر، هو تضرر الفلاحين الفقراء من عملية استغلال الثروة المائية واستعمالها
في استخراج الفضة من طرف الشركة المعنية بكميات خيالية، مما أدى إلى تضرر المحاصيل
الفلاحية وتراجع الثروة الحيوانية، نظرا للتلوث المتفاقم للمياه المستعملة في عملية
الري وشرب الماشية...، بالإضافة إلى ندرة مياه العيون و"الخطارات"، نظرا
لإقدام الشركة على إحداث ثقوب لاستخراج المياه على مستوى المنابع الرئيسية التي تزود
الساكنة بمياه الشرب والري.
ورغم أن الشركة قد التزمت مع السكان
(بعد أن أجري الحوار في نفس السنة) بالاستجابة لمطالبهم (خلق بنيات تحتية من مدارس
وتعبيد الطرق وبناء المستشفيات والمرافق الضرورية وتشغيل الشباب (عمال، تقنيين، مهندسين...الخ)
ورغم وجود عدد كبير من شباب المنطقة المؤهلين للعمل في مختلف المناصب في الشركة وتوفرهم
على الشهدات الجامعية العليا (إجازة، دكتوراه، مهندسي دولة...)، إلا أن الشركة تعمل
على جلب معظم العمال والتقنيين والمهندسين من مناطق أخرى حتى تضمن عملية الاستغلال
للعمال والموظفين بأقل الأثمان ودون إضرابات أو احتجاجات أو ما شابه ذلك...
وبعد تفجر معركة 1996 وقيام سكان إمضير
بإغلاق أحد الآبار الذي يزود المنجم بالمياه والاعتصام لمدة شهر أمام إدارة المنجم،
قامت قوات القمع بهجوم وحشي على المعتصمين يوم الاحد 10 مارس 1996 ونكلت بهم أشد تنكيل
واعتقلت ثلاثة وعشرون (23) فردا من ساكنة الجماعة من بينهم امرأتين وعدد من المناضلين
القائدين للمعركة والمؤطرين لها. وقد حوكم المعتقلون بتهم تخص: التمرد، العصيان المدني،
عرقلة عمل مؤسسة عمومية (المنجم)... وكان من بين المعتقلين الشهيد لحســــن اورحما
(اوسبضـــان)، تم الحكم عليه بسنتين سجنا نافذة، وقبل إطلاق سراحه بحوالي أسبوع، استشهد
على أيدي الجلادين بسجن ورزازات، حيث كان يتم تعذيبه وحبسه في زنازين انفرادية وكذا
حقنه وباستمرار بمواد مخدرة وسامة حسب شهادات من عين المكان، وهو ما تسبب في إصابته
بمرض خطير في الرأس والجهاز العصبي. هذا الملف عرف تعتيما كبيرا، ولم تكشف الحقيقة
بشأنه لحدود الساعة. وقد اغتيل لحسن اورحما، عضو في اللجنة الحوارية الممثلة لساكنة
الجماعة (ودائما حسب شهادات من عين المكان)، نظرا للدور البارز الذي اضطلع به في تعبئة
وتأطير السكان لخوض المعركة ضد الشركة والمتحالفين معها (رئيس الجماعة، عامل الإقليم،
والي تنغير...). وبفعل حدة القمع والانزال الرهيب لجحافله بكل تلاوينها، وحصار المنطقة
لعدة أسابيع، تمكن النظام من إخماد فتيل الاحتجاجات وفرض السكون والهدوء النسبي بقوة
الحديد والنار.
لكن جماهير إمضير ظلت وفية للقضية
ومتشبثة بحقها في التوزيع العادل للثروات وتنشئة المنطقة... وهو ما دفعها إلى إعادة
الكرة من جديد سنة 2011، خصوصا بعد تفاقم حدة استغلال الشركة المعنية لكل الخيرات والثروات
الطبيعية. ففي سنة 2004 قامت الشركة (باتفاق مع ممثلي السكان) بحفر ثلاث آبار في إطار
عقدة تمتد لمدة خمس سنوات من 2004 إلى 2009 مع تقنين استغلال هذه المادة الحيوية بصبيب
لا يفوق 34 متر مكعب في الثانية مع وضع عدادات لمراقبة الحجم المستخرج، بالإضافة إلى
التزام الشركة بتوظيف كل شباب المنطقة وإقامة مدينة منجمية وتوفير البنية التحتية
(مدارس، طرق، مستشفيات، قناطر...)، إلا أن الشركة لم تلتزم بالوعود المقدمة سنة
2004 بشكل نهائي، والأكثر من ذلك استمرت في استغلال المياه رغم انتهاء مدة العقدة سنة
2009 دون تجديدها. وقد أدى الاستغلال المفرط للمياه إلى إصابة الفرشة المائية التي
تغذي الدواوير بالماء الصالح للشرب بالجفاف ومن جهة أخرى استعمال المواد الكيميائية
السامة (خصوصا مادتي الزئبق والسيانور) في عملية استخراج الفضة والتخلص من المياه الملوثة
المستعملة في ذلك في الوديان والمجاري السطحية، مما أدى إلى تلوث الفرشة المائية المستعملة
في الزراعة وتربية الماشية وكذلك تلوث مياه الشرب، وهو ما أدى حسب شهادات الساكنة ومن
خلال الزيارة الميدانية، إلى نفوق المئات من رؤوس الماشية واختلال التنوع البيولوجي
والقضاء على الأشجار المثمرة والضيعات الفلاحية الصغيرة في ملكية الفلاحين الصغار،
والأخطر من ذلك أدى تلوث مياه الشرب إلى إصابة الساكنة خصوصا الأطفال الصغار والشيوخ
بأمراض مزمنة وقاتلة: مرض السل وضيق التنفس، أمراض الجلد، تشوهات خلقية، الموت المبكر...الخ.
وبعد أن أصبحت الساكنة تعيش وضعية مزرية وفقرا مدقعا واستهتارا من طرف مصاصي الدماء
من مسيري ومالكي الشركة، وبعد أن اتضح التواطؤ والتحالف الكبير من طرف "رئيس جماعة
إمضير" و"عامل الإقليم" وأحد البرلمانيين بالمنطقة (...) مع الشركة
وتسترهم على جرائمها في حق السكان، والأكثر من ذلك قيامهم بتسهيل عملية السلب والنهب
والاستغلال على اعتبارهم مستفيدين من تلك الخيرات، قامت جماهير امضير بدواويرها السبعة،
بإعلانها انتفاضة ومعركة في وجه هؤلاء اللصوص الناهبين السالبين لخيراتها، وقد انطلقت
المعركة البطولية يوم 20 غشت 2011، وذلك بالاعتصام على قمة جبل "ألبان" (ALIBBAN) وقطع إمداد
الصهريج الرئيسي المزود للمنجم بالماء الموجود على قمة الجبل لمدة يومين، وهو ما أدى
إلى اعتقال خمسة أفراد من الساكنة من طرف رجال "الدرك" لتنطلق مسيرة بالآلاف
نحو مقر الدرك بإمضير، توجت بإطلاق سراح 4 معتقلين فيما تم الاحتفاظ بواحد وهو المعتقل
السياسي مصطفى أسطوبان والحكم عليه بأربع سنوات سجنا نافذا والزج به في السجن المحلي
بورزازات.
الساكنة لا زالت معتصمة على قمة جبل
"ألبان" لأزيد من 14 شهرا وصامدة رغم قساوة الطقس في الصيف والشتاء في ظل
غياب أبسط شروط الحياة الكريمة والتهميش والإقصاء الممنهج .أما التلاميذ فقاطعوا الدراسة
وأعلنوها سنة بيضاء موسم 2011/2012 نظرا لغياب أدنى شروط الدراسة (نقص مهول في المعلمين
والأطر التربوية، بنية تحتية لا تستوعب أعداد التلاميذ المتزايدة، غياب المعدات والتجهيزات
الأولية والضرورية للتدريس...)، دون الحديث عن غياب التطبيب، بحيث تحتوي الدواوير السبعة
على مستوصف صغير لم يتم فتحه رغم بنائه منذ عدة سنوات، ويضطر السكان إلى السفر الى
مدينة تنغير لتلقي العلاج...
هي معاناة حقيقية تختزل الواقع الذي
تعيشه جماهير شعبنا الكادح على طول خارطة هذا الوطن الجريح والاستغلال البشع والوحشي
لكل طاقاتها وخيراتها من طرف البرجوازية المتعفنة بزعامة الكومبرادور ومحيطه، لكن ما
يزيد من معاناة الجماهير وعذابها، هو استرزاق مجموعة من الأطراف السياسية والقوى المتخفية
في عدة جلابيب على هذه التضحيات.
هاته القوى التي تعمل عن بعد، تقوم
بطمس حقيقة وطبيعة الاستغلال والتهميش الذي تتعرض له الجماهير الشعبية. ومن خلال الزيارة
الميدانية للاعتصام، فإن أول ما يتم ملاحظته هو التنظيم الصارم ومنع التحدث إلى الساكنة
ما عدا المسموح لهم من اللجنة المنظمة للاعتصام الموجهين بشكل مضبوط. فطبيعة الشعارات
المرفوعة (معركة سلمية، تطبيق القانون، تحقيق الحد الأدنى من المطالب...) وادعاء أن
المعركة ذات بعد حقوقي اجتماعي، يدل على أن هناك قوى سياسية تحاول وضع سقف محدود للمعركة
بشعارات لا ترقى إلى حجم المعركة البطولية والتضحيات الجسام المقدمة بالإضافة إلى طمس
طبيعة الشركة التابعة لمجموعة "أونا"، وبالتالي حصر الصراع مع إدارة الشركة
و"السلطات المحلية" ومطالبتها بتطبيق "القانون" والالتزام ب"روح
الدستور" الذي يكفل كذا وكذا... وهو ما يعني استعمال الجماهير وتضحياتها من أجل
تحقيق مصالح ضيقة وانانية (فئة من البرجوازية تحاول تحسين موقعها الطبقي بالمنطقة.
لنا عودة للموضوع
مناضل زار إمضير في إطار قافلة
9/10 نونبر 2012
شارك هذا الموضوع على: ↓