قصف غزة من طرف الكيان الصهيوني عملية جبانة، ومدانة
من لدن كل الضمائر الحية. هي عملية غصب بدأت منذ بدأ الإحتلال لأرض فلسطين ولن تنتهي
إلا بإنتهائه.
لكن كيف له أن ينتهي!؟
إن الإحتلال هو مؤطر بأفكار ونظرية
عنصرية هدفها تحقيق خرافة توراتية قديمة. تبلورت في القرن التاسع عشر وأخرجت لحيز التطبيق
منذ 1948 بعدما لعبت على الوتر الديني الحساس لليهود من خلال دغدغة هذا الشعور وتهييجه.
وطبعا وجدت الطريق مفروشة لها أولا من طرف الإمبريالية الانجليزية والفرنسية ثم الأمريكية
فيما بعد، من خلال الدعم الذي حظي به الكيان الاستيطاني منذ إنباته وتتبيته وإلى حدود
الآن. وثانيا من طرف الأنظمة الرجعية العربية، بدون إستثناء، المتعاقبة على الحكم والتي
خذلت شعوبها وشعب تلك المنطقة من خلال نهج سياسة المهادنة والتعامل مع هذا الكيان الجديد
بل وحمايته ولو بالتجسس لصالحه...هذا الثالوث الذي يحمي بعضه البعض على حساب القضية!!!
إذن لفهم ما يحدث الآن يجب وضع الإشكال في سياقه
التاريخي حتى نكون على بينة مما يقع...ونعرف من هم الأعداء ومن هم الأصدقاء! منذ البدأ
اختار الشعب الفلسطيني، عن وعي، طريق المقاومة واعتبرها الطريق الوحيد الأنجع للدفاع
عن نفسه وإسترجاع أرضه. وفي سبيل إختياره هذا قدم ولا زال التضحيات الجسام. كما أعطته
تلك المقاومة في المقابل شرعية الوجود والتواجد برغم أنف كل التكالبات المحاكة ضده.
سيما وأنه بلور فكر مقاوم مرن ومبدع، ينزاح فيه كلية إلى جانب كل مطالب الشعب المقهور
ورابطا تحرره بثورة شاملة تزيل كل القديم المتآكل وتخلق المجتمع الجديد المتحرر...مانحا
بتجربته هاته الدروس لأعتى مدارس التحرر والنضال عبر العالم. لكن بعدما إختلت موازين
القوى في طاحونة الصراع، وتم التراجع والتخاذل في كل مواقع حركات التحرر العالمي بشكل
عام وحركة التحرير الفلسطينية بشكل خاص، وكذا بعدما تم زرع واستنبات عنصر جديد/ دخيل
على الخط، بالمال والإعلام ومؤسسات الدعاية والتخطيط والتجسس، والذي كان الهدف منه
هو لجم ما تبقى من فكر المقاومة والتسويق لسياقات مخالفة للمسار التاريخي التحرري في
إطار مخطط أمبريالي رجعي لإطفاء بؤر التوتر وتحويلها لصالح القوى الموالية لها(للرجعية
والإمبريالية) بعد أنهيار أنظمة المعسكر الشرقي. إنحصر موقف الفكر المقاوم، أمام ضجة
إعلامية ضخمة، والتسويق والصناعة السياسية المخدومة، وتضببت الرؤية لتحديد العدو؛ وتم
قلب معادلة الصراع من شعب يريد الإنعتاق والتحرر من خلال دك أركان التالوث المتآمر
عليه، وبناء نظام وطني ومجتمع متكافئ الفرص، حر وطليق...إلى صراع ديني ينزوي تحت ثنائية
مسلم/ يهودي "الميتافيزيقية"!!! فاختصرت المقاومة وقزمت إلى إجترار الخوض
في إشكالات أسطورية، لاتاريخية قاموسها ومحركها هو "الثرات"والأفكار البالية،
لا منطق الصراع والتاريخ...وجاهدوا بالمال والإعلام لإزاحت المقاومة ضد كيان صهيوني
غاشم واستنبات وتثبيت "جهاد" ديني يصارع على أرضية خرافية تستمد فعاليتها
من العصور الغابرة ما بين خيبر وبني قريضة من جهة، وقريش من جهة أخرى! فكان هذا الإنزياح
المخدوم إيذانا بضياع الأرض وتشويه القضية وتدجين الثورة!!! إنزياح تسبب، كما قلنا،
في عدم فهم واضح لطبيعة الصراع في تلك المنطقة. وهو ما تعكسه حملات التضامن ضد العدوان
على الشعب الفلسطيني. من خلال الصلوات والأدعية، وكذلك من خلال نشر صورا "وستاتوهات"
على المواقع الإجتماعية تستنكر ما يقع، وأخرى تطالب بتغيير"البروفايل" كرد
فعل مقاوم...ومعتبرين أن مايقع في غزة هو موجه للإسلام من طرف اليهود!!!
وللإشارة فكل هذا التعاطف لم يعرفه ما يقع في سوريا
والعراق والذي يتم فيهما تقتيل وذبح آلاف الأشخاص. فذلك لا جناح عليه لأنه يقع ما بين
المسلمين!!!؟؟؟. فنجحت مؤقتا رجعيات المنطقة في تجنيب نفسها من غضب شعوبها في تضامنها
مع القضية الفلسطينية...نعلن جيدا أن الإجابة الحقيقية لا تكمن في التضامن الفيسبوكي
وإن كانت ضرورية للتشهير بما يقع. وإنما في النضال الطويل واليومي ضد الإستبداد والتسلط
والإضطهاد والخرافة المتمثلة في كل الأنظمة الرجعية القائمة في أفق إستراتيجي، والمتمثل
في دحرها. إذ ومن خلال ذلك فقط، نعمل على وضع المسمار في نعش الصهيونية، نظرا لارتباطها
العضوي والمتلازم بهاته الأنظمة! وبذلك يشتد الإختناق...وينتهي الإحتلال!
14 يوليوز 2014
شارك هذا الموضوع على: ↓