هناك
عدة أشكال وأساليب نضالية للتضامن مع المعتقلين السياسيين ومع عائلاتهم.
وأجمل وأرقى
هذه الأشكال والأساليب هي تلك التي لا تلتقطها عدسات الكاميرات وآلات التصوير، وهي
تلك التي لا تلوكها الألسن ولا تنشرها الجرائد المملوكة والمواقع الالكترونية المحروسة.
ببساطة،
لأنها أشكال وأساليب عملية وصادقة ومبدئية وغير محكومة بخلفية إبراز الذات (حب الظهور)
أو بغاية التوظيف السياسي البغيض.. والمعتقلون السياسيون، في الماضي والحاضر، ومن موقع
الصمود والتضحية والمعاناة الفعلية، يشهدون أن أروع صور التضامن معهم هي تلك التي يبدعها
جنود الخفاء في صفوف العائلات والرفاق والأصدقاء وعموم أبناء شعبنا.. والعائلات تشهد
هي الأخرى بفعالية وأهمية أدوار جنود الخفاء، جنود القضية..
إن
المعتقلين السياسيين، وكذلك عائلاتهم، لا ينخدعون ببهرجة "الطبل والغيطة"،
من مثل الخرجات الممسرحة والبئيسة لحزب الأصالة والمعاصرة (البام) أو القفزات البهلوانية
(حد التمييع) لمحترفي "التضامن" ولمختلف الدكاكين/البوتيكات السياسية والنقابية
والجمعوية.
لقد
أثبتت التجربة أن التضامن الذي يصنع الفارق ويقوي المعارك البطولية هو الفعل النضالي
من داخل الموقع الذي يحتله (يشتغل فيه) المناضل. فأن أتضامن من موقعي كمناضل نقابي
في إطار نقابتي أفيد من أن أشارك في فعل تضامني فقط بصفتي كفرد نقابي أو كمناضل. إن
تضامن نقابتي أو تضامن مناضلين من نقابتي أفيد سياسيا وعمليا من تضامني كنقابي فرد
أو ك"مناضل" متسكع. ونفس الشيء بالنسبة للجمعيات والأحزاب والتيارات السياسية.
إن حضور الإطار، نقابة كان أو حزبا أو جمعية، وبالكيفية التي تمثل الإطار حقيقة (شكلا
ومضمونا) يعطي معنى قويا للتضامن. والحضور المطلوب هو الحضور الفعلي والوازن، وليس
الحضور الشكلي أو الرمزي.. قد نتفهم الحضور الرمزي (التمثيلية) إبان الاجتماعات التنسيقية
مثلا أو إبان الندوات والمهرجانات الخطابية، رغم كونها مملة ومعزولة في كثير من الأحيان،
ورغم ما لذلك من أثر على اتخاذ المواقف وصياغة المبادرات ورسم الآفاق. لكن الأشكال
النضالية التضامنية، من مثل الاعتصامات والوقفات والمسيرات بالخصوص، تتطلب الحضور الفعلي
والوازن والتعبير من خلال الشعار المنسجم الذي يخدم القضية المعنية. وهو ما يجسد مبدئية
التضامن والاقتناع بالتضامن رغم طبيعة وحدود الاختلاف الحاصل..
إنه
من غير المقبول إعلان أو ادعاء التضامن مع قضية معينة وفي نفس الوقت إعلان التضامن
مع نقيضها ورفع شعارات مناوئة لها والطعن في أصحابها وبالتالي امتطائها في إطار تصفية
حسابات سياسوية صغيرة، لا تخدم في آخر المطاف غير النظام القائم.. فمحترفو التضامن
كالقناصين الفاشلين، ينتظرون معركة هنا أو معركة هناك، ليتربصوا بها، بحثا عن مجد مفقود
أو انتصار وهمي.. إن الزعيق، سواء بالوجه المكشوف أو المستعار، ليس تضامنا!!
إن
المعتقلين السياسيين، عندما يضربون عن الطعام، فإنهم يعلنون استمرارهم في طريق النضال
الذي يؤجج حركية الصراع الطبقي ويعملون على فضح إجرام النظام وزبانيته ويكشفون تواطؤ
المتسترين والمندسين ويسعون الى دعم جهود ونضالات رفاقهم وعموم جماهير شعبهم..
إن
المعتقلين السياسيين وكباقي المناضلين داخل السجن الكبير يعرفون رفاقهم الحقيقيين.
وعائلات المعتقلين السياسيين وعائلات الشهداء تعرف رفاق أبنائها الحقيقيين..
ولا
أخفي إحساسي بالتقصير، بل والخجل، عندما خاطبتني أخت الشهيد بوبكر الدريدي، المناضلة
الكبيرة فاطمة، في أجواء الذكرى الثلاثين (غشت 2014) لاستشهاد رفيقينا الدريدي وبلهواري،
قائلة: "إن تجربتنا كعائلات مناضلة في إطار مجموعة مراكش 1984 لم تجد بعد ذاتها
في الكتابات التوثيقية، رغم إسهامنا الكبير في صنع انتصار معاركها.. لقد رحل في صفوفنا
من رحل، ونحن أقرب الى الرحيل".
لقد
صدقت، أنت الصوت الجهوري المعبر عن كل عائلات المعتقلين السياسيين والشهداء.. إننا
معنيون حقا، بالعديد من التجارب القديمة والحديثة.. إننا معنيون بالعديد من تضحيات
الأمس واليوم والغد..
فليلتفت
المتضامنون، وحتى أشباه المتضامنين، الى التاريخ.. إنه مليء بالدروس والعبر.. فلننجز
مهام اليوم والغد ودون أن ننسى مهام الأمس.. نعم للتراكم وللاستمرارية وللصدق النضالي،
ولا مجال للفراغ أو التيه.. كما لا مجال للتهافت من أجل التهافت..
إضافة:
كل
التضامن، الفعلي والمبدئي، مع المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام (فاس ومكناس)
ومع عائلاتهم.. إننا نعلنها قولا وفعلا..
شارك هذا الموضوع على: ↓