2014/09/11

أحمد بيان: تكتيك يسار أصفر مُغرّب (على وزن المغربة).


"إن الوعي الثوري ليس وعيا استهلاكيا ولا ترخيصا سياسيا، بل امتداد وعمق وإحاطة تضرب الجذور في مسافات تمكنها من فهم طبيعة وطرق ومنعطفات تطور الصراع الطبقي واستشراف آفاقه"

من خلال التتبع والاستقراء للمعطيات والأعمال المكتوبة والإعجاب ومواقع المعجبين، في واقعنا المغربي اليومي يتضح أن فرط الظروف والوقائع وإرباكها للاستقرار بيسار النظام لتلافي أشكال عديدة وتواجدات متنافرة، تبرز وتلمع الوجوه المتسخة للمرتدين وتوشح برمزية "المنظرين اليساريين" نموذج من أدخله الجرار لقاعة جامعة مكناس لينبعث، لا بفعل شروط الصراع كجواب من موقع اليساري الفعلي على التناقضات القائمة، بل بمنحه إمكانيات من الأعلى، وتجهيز جراره ليناسب الفصول السياسية، وهو لا يمتلك سوى الوصف السطحي منزوعا عن جذوره وتحليل فوقي للتناقضات مستهدفا الترويج والاستدراج لطريقة التجاوز للصراع الطبقي وإخماد التناقضات في وعي الشعب وحاشدا لهذه المهمة رزمة من الاقتباسات لرواد الردة مرشوشة بمنوعات ل"صادقين" يثبت بها الثقة في الوعي المهزوز عند العناصر المؤهلة للميل نحو اليمين. في حين أن أمثاله، قناصة المناسبات، المصطفون خلف خطوط العدو، يفصلون، في مسافة، ومن الخلف، تجربة شعبنا وتاريخه طبقا لمقاس حساباتهم الخاصة، وكأن حساباتهم هي المطلق الذي جئنا بوقائعنا التجريبية، واقع شعبنا البئيس والمنهوك بفرط الاستغلال والاضطهاد والنهب عبر مسار طبعته الخيانة والعمالة والغدر، لتأييدها وإثباتها. وتسخر لهم كل الإمكانيات وفي المقدمة فضاء الإعلام الحديث وخصيصا المدعو "مستقلا" في وضع لا يحتمل التستر خلف لعبة الحياد (وهي تكتيك لا يخدم في اللحظة سوى العدو، إما الى جانب الشعب أو الى جانب العدو)، وناهيك عن الفضاءات المريحة لندواتهم/حفلات الفذلكة الكلامية والتحليلات الديماغوجية المضببة. ولا يفرض عليهم الانزواء والانكماش والسحب للخلف لأذيال معلوماتهم المغرضة سوى المعارك والمواجهات الثورية الحقيقية. وكم هم من يلتحقون عبر بوابة مطالب العدالة والكرامة والحرية وغيرها من الشعارات الجميلة والنبيلة في تجريدها، وهي لا تستنبت في تربتهم ولا يؤمنون بها كأسلوب للحياة اليومية؟! وكذلك انتقال كم خائن أو مرتد الى جهة الأسياد وضغطه على القاموس المهرب وتجميله لمؤخرة الجمل في أسلوب حكاية تليق بالصبيان ويتحرك للاستثمار الذكي في رصيد العلاقات الاجتماعية في أسواق الكلام وما يحتاجه من خبرة وشطارة لغوية من بعدما صنعت لهم الشهرة وأثثت مكانتهم في الأعالي المطلة على أسيادهم. وللأسف كان الإعجاب ليس من موقع ذوي النفوذ بل من موقع ذوي الانتماء اليساري، إما بطاقة ورقية أو ثرثرة كلامية، وكل ما هم عليه هو الترويج للاستقرار ولفلسفة تؤمن للنظام البقاء والاستقرار مسترشدين بدروس الخيانة بعد تجميلها وتحسينها في صياغة لفظية تبدو راقية ومقدمة على أطباق شهوانية للمترددين ودروسا للمندسين وسط المناضلين المبدئيين والعمليين. إن الصراع الى جانب شعبنا يتطلب التهييء الجماهيري وعلى جميع المستويات من أجل معركة مصيرية وعنيفة ضد أعداء يمتصون الدماء البشرية وخيرات السماء والأرض والبحر، أعداء مسلحين بكل وسائل الفتك والدمار الحديثة ومنظمين على هذا الأساس؛ من أجل بناء مجتمع محرر من قبضتهم ومبني على بديل حقيقي ينعدم فيه الاستغلال والاضطهاد ويضمن الحياة الحرة والكريمة والمساواة على أرض شعبنا. يجب أن لا نسمح لمثل هؤلاء أن يكونوا أساطين الفكر اليساري ومنظريه. كما أن في هذه الأجواء واللحظات الحية، من الصراع والمجابهة والتأهب لصد تكتيكات العدو، يتقدم "المثقف السياسي" المحفظ باسمه التنظير الإيديولوجي فارس خياله مكسرا الحدود ومنتقلا كلاميا الى الجهة المناهضة محتفظا بخط الانشطار بين المذهبية والممارسة بين الإطناب في الكلام عن أعوص الإشكالات وعن تجارب حرب التحرير الشعبية والإستراتيجية والتكتيك وتسويق الذات على صورة أفضل مقدم لأعمال الفكر الثوري مع التزام الحدود "النظرية "/الكلامية واستنساخ الكلام والرقص على إيقاع اليسار الإصلاحي عمليا في هبوط الى ما دون المطلوب والعيش في ازدواجية تنزح كلاميا الى الثورية وعمليا وتكتيكيا ملتصقة بذيل الإصلاحيين الجدد. ودرجة الخطورة فيه هو تنامي البيروقراطية واستقواؤها بالعنترية اللغوية والتمرن على تكتيكات وأساليب محترفيها داخل الإطارات الجماهيرية الى حد التكيف معها، وهي السلاح الفتاك الموجه ضد المناضلين المبدئيين والمخلصين، والاستقواء بإرث فكري على صيغة مقولات معينة ومحدودة تستعمل كوصفات لكل اللحظات وبشكل دوغمائي حاد وكل ما هو خارج حكمته تافه.. وكثيرا ما يرمي للخلف وفي لحظات حرجة، بالأخطار المحدقة بالفعل والنضال وقضايا الشعب، في ظل هجوم العدو، ويحتفظ بها لفظيا كتناقض رئيسي، ويبرز عمليا التناقض الثانوي ويقدمه كتناقض حاد مغيرا طابع المعركة الى حالة توتر داخلي يستغله العدو بالنفخ فيه بطرق مختلفة، المدسوسة والمكشوفة، مغلفا ذلك بوجهات النظر منقولة ومستنسخة دون أي فهم صادق وجدي لطبيعة التجاذبات ودرجتها في موطنها، محولا الفكر الثوري العالمي من مرشد عملي خلاق الى تسطيحات مقلوبة ومقتبسة لتبرير الصبيانية وستر الخيوط والنزوع اليميني. بالإضافة الى استغلال موجات الارتداد للهجوم على المناضلين، وبالتالي "البرهنة" على طهرانية خط انتهازي انطلاقا من حساب التفاوت في نسبة الارتداد.. إن الارتدادات كانت بشكل كبير ملازمة لمن يسير في مقدمة الصراع، وهذا ما خول للبعض الرجوع والتراجع.. أما من يسير في المؤخرة وذيل الجماهير.. فلا حاجة له بالارتداد لأنه في المؤخرة سلفا...

إن الوعي الثوري ليس وعيا استهلاكيا ولا ترخيصا سياسيا، بل امتداد وعمق وإحاطة تضرب الجذور في مسافات تمكنها من فهم طبيعة وطرق ومنعطفات تطور الصراع الطبقي واستشراف آفاقه. والثورية نفسها ليست عروضا لقضايا الثورة ولأفكار الثوار وأقوالهم، فبدون عمل دؤوب مبدئي قاعدي ووسط معمعان نضالات الجماهير لن يحالف أفكارنا الصدق ولن تكون لنا نظرية ثورية حقيقية، وهذا ما استخلصه القادة الثوريون التاريخيون، وجعلوا من الفهم اللينيني نبراسا في توجيه عملية بناء الجدل بين النظرية والممارسة تاركين جانبا الوصفات المبطنة بالشعارات الثورية البعيدة عن الممارسة. فلم يرغبوا في أن يكونوا نموذجا لضعف أو انعدام الفعالية بالغياب عن الصراع من موقع واضح وجهوري، لأن الثوري هو صاحب الصيحة والممارسة الثوريتين وليس مقلدهما.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق