2015/01/21

سعيدة العزوزي// 20 يناير 1988 يوم مشهود وشاهد على التحدي..

بعد اجتياح وحصار بيروت ورحيل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس بتواطؤ وتآمر الأنظمة الرجعية بكامل المنطلقة، ومحصارة معارك
الكفاح المسلح وحرب التحرير من الخارج بفقدان مساحات الحدود المجاورة للأراضي الفلسطينية، أحكم الكيان الصهيوني قبضته على فلسطين، وكرس أسطورة الجيش الذي لا يقهر في المنطقة، وحول فلسطين إلى معسكر قمعي مطوق من كل جانب، يجر خلفه التأييد والدعم الإمبريالي والرجعي، المنسجم مع أهداف الاتفاقية المشؤومة "كامب ديفد"، وظهرت للعلن العلاقات التي كانت في السر ونشطت الزيارات المباشرة والرسمية دون حرج وانكشفت خيوط عدة كانت منسوجة في الخفاء، وبرز النظام القائم كعبقري في مجال المؤامرات والدسائس والعمالة.. ولم يكن يقلق الكيان الصهيوني سوى العمليات الفدائية التي كانت تقف خلفها المنظمات الفلسطينية المسلحة والمكافحة من الفينة إلى أخرى داخل فلسطين وخارجها. وأمام ذلك الحصار لم يكن أمام الشعب الفلسطيني غير خيار استمرار المقاومة وتفجير المعارك ضد الكيان الصهيوني بأسلوب ورهان جديدين بالاعتماد على الداخل وعلى سلاح الحجارة وجيل الغضب الصاعد داخل فلسطين. وهكذا انطلقت شرارة انتفاضة الحجارة في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة في الثامن من ديسمبر 1987 وبطموح تحرري فعلي، وكانت مثالا يوميا محرجا لمواقف الأحزاب والأنظمة التي تدعي الانتساب لحركة التحرر ولحزام الممانعة والتصدي والصمود. وكان بروزها عبارة عن كبسولة قابلة ومؤهلة لتفجير لغم قوي وفعال في منطقة ملتهبة بجملة من التناقضات القاتلة للأعداء والقابلة للاشتعال، وهو ما عبرت عنه المعارك البطولية لشعوب المنطقة في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات (عبر انتفاضات جماهيرية في كل من المغرب وتونس ومصر والأردن..). وصار الظرف يستدعي من قوى التحرر في المنطقتين العربية والمغاربية الشروع في وضع وتنفيذ مهمات في مستوى ما تتطلبه القضية الفلسطينية. لكن غياب أداة في مستوى المتطلبات لتطوير وتوسيع النضال التحرري في المنطقتين جعل القوى الإصلاحية الانتهازية والتحريفية المنبهرة ب"البيريسترويكا" لصاحبها غورباتشوف الرئيس السوفياتي آنذك، تمتطي تلك الدينامية وتحولها لورقة توت لستر جزء من العري والعجز، الذي أصابها أمام الجماهير الشعبية المتدمرة من جرائم الكيان الصهيوني وما مارسه من مذابح في حق العزل من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين، ومن العمالة والتآمر للأنظمة القائمة في بلدانها، وكبوابة للانتساب اللفظي لصفوف قوى التحرر دون ربط نفسها بالتزام نضالي في مستوى حجم القضية لتقويض الاحتلال وكل أذرعه الممتدة على جميع المستويات.
إن انتفاضة "أطفال الحجارة" كانت بالفعل وعن حق علامة من علامات عظمة الشعوب في مقاومتها لأعدائها وقيمة نضالية في مستوى المسؤولية التاريخية لترجيح ميزان القوى المختل لمصلحة القوى المقربة من الجماهير الشعبية في المنطقة العربية والمغاربية برمتها، وهذا ما لم تستسغه الأنظمة الرجعية والإمبريالية والصهيونية، ليصابوا بالذعر والفزع والجنون، وما كان عليهم سوى استنفار كل قواهم لمنع أقصى ما يمكن من عون ودعم وتوسع، وخنق وإجهاض كل الإمكانيات القابلة للانفجار والتطور في المهد وبكل الوسائل بما في ذلك الحديد والنار. ولهذا اتخذت الأنظمة العميلة من الانتفاضة الفلسطينية لأطفال الحجارة العدو الخطير الذي كان يهدد المنطقة بكاملها بأسلوبه وبالنموذج اليومي المقدم للجماهير الشعبية التي تعاني من الثلاثي العدواني الامبريالية والصهيونية والرجعية.
وكانت مناسبة استقبال محمد عبد العزيز من قبل المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر بمثابة فرصة ماكرة بالنسبة للنظام القائم بالمغرب ليكشر عن أنيابه وليطلق العنان لخطاب الدم دون حرج وبهستيرية كمن يتربص الفرصة لتغيير لهجة الخطاب بكل وقاحة. وهكذا أطلق الحسن الثاني صيحة مسعورة معادية للانتفاضة الفلسطينية البطلة عبر خطاب أعلن فيه أن التضامن مع الشعب الفلسطيني ستكون ضريبته الدم في خطاب واضح لا يلفه أي إبهام بقوله إنه "غادي نلطخ باب دارو كيفما كانوا الناس كايديرو بداك الشي للي ما كيتسماش" في إعلان عن حرب استباقية في وجه الشعب بشكل عام وضد البقعة المتوترة التي استعصت على "الإجماع الوطني" بشكل خاص والتي لم تكن سوى الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وفي نفس الوقت للمقامرة والمزايدة على المواقع والمصالح الأنانية للكمبرادور في حروب الرجعية والاستعمار والعنصرية ضد قوى التحرر العالمية، وكان لابد لذلك من جريمة ومجزرة على أول بقعة متمردة.. ليجعل وكما العادة كل حملاته المسعورة وكل مجازره منشورة على سخافة المؤامرات الخارجية والمقدسات الوطنية.. والتي لا تصمد طويلا وتنكشف مثل انكشاف بضائعه السياسية الرديئة في شعارات "السلم الاجتماعي" و"الإجماع الوطني" و"المسلسل الديموقراطي".. فكان على الحركة الطلابية، الصوت النشاز بالنسبة للنظام، في المواقع المناضلة والمتوترة، إما أن تستكين وتلتزم الصمت أمام الإجرام الصهيوني الرجعي الإمبريالي بفلسطين وفي حق شعبها المنتفض نزولا عند أول تهديد مهين للقوى التحررية وللشعب المغربي وإما قبول التحدي وإعلان الانتماء للقضية الفلسطينية كقضية وطنية ولجبهة الصراع ضد الثالوث الإمبريالي الصهيوني الرجعي، وهي التي لم تخرج بعد من ثقل الاعتقالات التي كرسها واقع الحظر العملي منذ سنة 1984، وكان موقفها هو خيار المجابهة وبالصدور العارية على الطريقة التي أبدعها أطفال الحجارة لمقاومة الأسلحة النارية للعدو دون تردد أو تخاذل أو تخلف أو تراجع بل كان لها إيمان قوي بتمثيل شعب بكامله والوقوف ضد الولاء سيرا على نهج شهدائها.. إن الجماهير الطلابية في قرارها كانت تقول بجهر إن التخلي عن دعم الشعب الفلسطيني هو سكوت على الإجرام الصهيوني وانسياق خلف الأنظمة العميلة وكل خدام الصهاينة والمستعمرين والمغتصبين لحقوق الشعوب وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني.. هو سكوت عن الاحتلال.. وهذا ما جعلها تتصدر قائمة أعداء النظام وقائمة مناهضي "الإجماع الوطني" و"السلم الاجتماعي" و"المسلسل الديموقراطي". وما كان على النظام الديكتاتوري سوى أن يجعل نيران أجهزته الفتاكة في جهوزية ليتقبل التهاني من أسياده في "تل أبيب" وواشنطن وباقي العواصم الغربية وفخامات الخنازير الخليجية. ومع جدية التهديد أصرت الحركة الطلابية على المضي في العمل النضالي النشيط لتوفير شروط التحدي وكانت التعبئة هي العمل اليومي والدؤوب مع الجهد في رفع المعنويات لدى الجماهير وأخذ الدرس الفلسطيني في شخص انتفاضته بعين الاعتبار.. وعلى هذه الأرضية خرجت الجماهير الطلابية يوم 20 يناير 1988 في تظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني برحاب جامعة ظهر المهراز بفاس، ليستنفر النظام قواه العسكرية وبأسلحتها النارية وشاحناتها المصفحة ليرتكب جريمة في حق حاملي الأقلام العزل، لتسقط زبيدة خليفة وعادل الأجراوي شهيدين وامتزجت دماؤهما بدماء أطفال الانتفاضة الفلسطينية البطلة، إضافة لمجموعة من الجرحى والمعتقلين ولوائح من المتابعين والمطرودين. ولازالت ساحة 20 يناير بفاس ظهر المهراز حيث مكان المجزرة والقتل شاهدة إلى اليوم على جنون الرصاص وبالدماء الباردة في حق الشباب العزل الحاملين للأقلام. فكانت 20 يناير 1988 ليس اغتيالا للشهيد زبيدة خليفة وعادل الأجراوي وفقط، بل إعلان حرب صريحة ضد التحرر والانعتاق، وتمتين جسور العمالة مع أعداء الإنسانية والمستعمرين وكيانهم العنصري المصطنع ومع الذين شاركوهم في الجريمة.. فكانت الجريمة شهادة حية من وسط عواصف الصراع الجاري والمشهود بين من يقفون في صف الشعوب ومن يقفون الى جانب أنظمة ثبت أنها حقا مع المستعمرين.. وكانت محطة أخرى أظهر النظام من خلالها إلى أي مدى من القسوة المجنونة والمسعورة ينتقم من الجماهير حين تجرؤ على الوقوف في وجه ديكتاتوريته ومصالحه الأنانية ومؤامراته بكل شجاعة ووضوح..

كانت الجريمة ثابتة، كما كان الصمت والتواطؤ.. إلا أن ذاكرة التاريخ حية، وأن أبناء شعبنا مصرون على مواصلة معركة التحدي بكل التضحيات المطلوبة..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق