2015/01/21

أحمد بيان // -أسطرة- جرائم النظام: خطابات الحسن الثاني ، نموذجا..

يخطب الدكتاتور...
يلوح الأمل، يُنظم الشعب، يثور الشعب... يفر الديكتاتور!

تمثل خطابات الملك في المغرب لحظات مفصلية أساسية يتم من خلالها تحديد وتصريف السياسة العامة للبلاد. كما أنها تعتبر بمثابة مصدر أساسي للتشريع غير الديمقراطي؛ يُطبّق ولا يُناقش، حتى وإن تعارض ذلك مع مصلحة الشعب المغربي الحيوية... لأن الذي يهم فيها أساسا هو مصلحة النظام وأزلامه من الأقزام الماسكين بدواليب السلطة. ونظرا لأهمية هذه الخطابات من هذه الناحية أولا، ولكشف ولفهم هالة الخوف و"الأسطرة" (من الأسطورة) التي تحاط بها داخل المخيال الشعبي ثانيا، أردنا أن نستغل ذكرى عشرين يناير لنلقي عن قرب نظرة فاحصة لشكل ومتن هذه الخطابات.
وفقد تم الاقتصار فقط على الخطابين اللذين جاءا بعد انتفاضة يناير الشعبية لسنة 1984 وقبل معركة عشرين يناير الطلابية لسنة 1988.
وكخطوة أولى لابد من التذكير بسياقات الخطابين:
جاء خطاب سنة 1984 بعد انتفاضة يناير الشعبية العارمة التي عرفتها مجموعة من المدن المغربية. انتفاضة كانت تتويجا نوعيا لتراكم تناقضات كمية بالجملة، عقب أزمة حادة في شرايين الاقتصاد المغرب. وضع أرغم النظام التبعي على المزيد من التبعية، وذلك بالارتباط أكثر وبشكل عضوي بالدوائر المالية الإمبريالية، عبر رهن مستقبل البلاد ومصير شعبها بأوامر وتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وذلك من خلال المزيد من الاقتراض وبشروط ستكتوي بنارها الجماهير الشعبية المضطهدة، وخاصة الطبقة العاملة، وبالتالي فرض إملاءاتها التقشفية المجحفة التي تضرب القدرة الشرائية في العمق، بعدما اتخذت إجراءات سهر النظام على تطبيقها باجتهاد التلميذ المجد، بحيث عرفت المواد الاستهلاكية الأساسية ارتفاعا صاروخيا فاق قدرات جيوبهم الفارغة أصلا، مع تخفيض الدعم المخصص لهذه المواد... وهو ما أدى الى المزيد من التذمر والسخط الشعبيين ثم الغليان..
فخرجت الجماهير الشعبية في انتفاضة عارمة ضد النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي وضد قراراته المجحفة وضد الضغوطات السياسية التي لا تخدم مصلحتها وضد الإملاءات التي تسلبها سيادتها.
خطاب يناير 1988 جاء كرد فعل عن حضور محمد عبد العزيز في المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد حينذاك بالجزائر والذي انتقد فيه استقبال "شيمون پيريز" بالمغرب وكفرصة لإعلان الموقف من الانتفاضة الفلسطينية.
وكتبرير لسياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، جاء هذا الخطاب معاديا لكل المواقف التي ساندت الانتفاضة الفلسطينية واعتبرت قضية فلسطين قضيتها الوطنية، لقد جاء الخطاب لكي يرغم شعبا بأكمله عن التخلي عن تضامنه اللامشروط مع الشعب الفلسطيني وتبني بالمقابل موقف خياني تجاه أم القضايا العادلة؛ وكأن العيب في الموقف المساند للكفاح الفلسطيني وليس في التطبيع مع الكيان الصهيوني. لكن وعيا منها كطليعة من الطلائع الثورية، خرجت الحركة الطلابية هي الأخرى ضدا على هذا الخطاب السادي والمتسلط، الذي ضرب عرض الحائط موقفها العلمي الذي نسجته عبر تاريخ نضالها الميداني والذي ترجمته من خلال مؤتمرها الثالث عشر باعتبار القضية الفلسطينية قضية وطنية..
شكلا:
ككل ديكتاتوريات العالم، يولى اهتمام كبير ودقيق للصورة التي يجب أن يظهر عليها صاحب الخطاب. وذلك بوعي تام لما للأمر من وقع على "قَوْلبة" ذهنية المتلقي ولا شعوره. والهدف هو تنميطه وجعله غير قادر على إدراك أبعاد هذه الحيل الإعلامية والسياسية التي تحاك ضده من جهة، وترسخ في مخياله هيبة السلطة وخشيتها من جهة أخرى، فتجعله مسالما ودودا حد الخنوع.
وهو ما يمكن ملاحظته عن الإخراج والطريقة التصويرية التي تدار بها جل الخطابات والخرجات الإعلامية أو الميدانية. ويرمي ذلك كله الى جعل المشاهد مخدرا ومستلبا وغير قادر على التشكيك في شرعية السلطة. وينضاف الى ذلك العديد من "الإكسسوارات"، من مثل "النشيد الرسمي" ولازمة "شعبي العزيز".. تأكيدا لعلاقة آمر بمأمور ومالك بمملوك وراع برعية، وترسيخا في ذهن شعب بأكمله بأنه لا حيلة له ولا قوة، ولا مناص من الخضوع والاستسلام والقبول بالأمر الواقع...
مضمونا:
من ناحية مضمون الخطابين، فإنه لا يمكن تسجيل أية نباهة تذكر أو دهاء سياسي خارق -على عكس ما يدعيه بعض السذج والمستلَبين- يمكنه أن يخرج المغرب من أزمته الخانقة!!. بل إنهما عكسا فقط الطبيعة المستبدة للنظام القائم والجنون السلطوي والحنكة القمعية التي مافتئ يذكر بها الحسن الثاني: "الناس ديال الشمال الذي يعرفون ولي العهد، ومن الأحسن ما يعرفوش الحسن الثاني في هذا الباب"، في اعتراف صريح بمسؤوليته المباشرة عن مجزرة الريف عقب انتفاضة 1959/1958، بهدف المزيد من إرهاب كل من سولت له نفسه كسر عصا الطاعة وراح ينشد الحرية متمردًا، منتفضًا...ضد الإجرام والظلم والاستغلال..
وكان المقصود من اعتماد خطاب عنيف بالدارجة هو اكتساح التهديد لكل الأذهان وكل المناطق النائية منها والقريبة، القروية والحضرية، وكل المتعلمين وغير المتعلمين.. متوعدا ومهددا، بعدما حاول ربط الانتفاضة بالمؤامرة الخارجية؛ إيران الخميني والمخابرات الصهيونية إضافة إلي الماركسيين اللينينيين (الى الأمام)، فهذه الأطراف بالرغم من التناقضات الصارخة القائمة فيما بينها إلا أنها بزعمه كانت تريد إفشال القمة الإسلامية التي انعقدت آنذاك بمدينة الدار البيضاء. لقد حاول ذر الرماد في الأعين لكي لا تنكشف الأسباب الحقيقية للانتفاضة والمتمثلة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي يرزح تحتها الشعب المغربي...
ولكي نفهم جيدا دكتاتورية الخطاب وعنفه غير المبرر لابد من التذكير ببعض ما جاء فيه: "...واش المغاربة رجعوا خفاف، رجعتو دراري...وصلنا لهاد الحد؟...وصلنا باش؟ إما بالأطفال أو الأوباش. الأوباش، الناظور الحسيمة تطوان القصر الكبير. الأوباش، العاطلين، لي عايشين بالتهريب وبالسرقة..." ثم استرسل في سرد حكاية كانت قد وقعت له مع والده محمد الخامس لكي يجعلها دلالة استعارية لتبرير بطشه. إذ أنه كان يعي جيدا ما للأمثال الشعبية والحكايات كمجالات خطابية من قدرة على تمرير المعنى بشكل سلس بالرغم من قساوته وعنفه. فعندما طرح عن أبيه السؤال: "ما رد فعلك لو اعترضك وأنت في طريقك للمسجد، حشد من الناس يقدر بالمليون. ثمان مائة ألف ستقول يحيا الملك ومائتا ألف غادي يصفروا؟ فكان جواب محمد الخامس: أخويا أنا منهبطش!...وما مفاده أنه سيكون ذلك ...في وقتك لا في وقتي! (أي في 1984). أما جواب الحسن الثاني عن نفس السؤال فكان هو أنه سيهبط والذين قالوا: يسقط، نخلي دار باباهم". ويتضح إذن من خلال هذه الأقصوصة هو إضفاء الشرعية على عمل إجرامي محض. فقد كان مستعدا -بحسب درويش- أن يختصر الناس... يضحي بالثلث المشاكس من أجل أن يهنأ بحاشية للسمر، لينة وطيعة... لأن الأغلبية متعِبة، متعَبة!
وهذا المنطق ذاته الذي ساد خطاب 1988 حينما جاء خطابه مزمجرا في وجه كل من حاول أن يتحدث عن القضية الفلسطينية: "أقول ولا أريد التهديد، لكن أنا ضمير المغاربة، إذا قام فلسطيني وبقي مغربي جالس، فإنه انتقاما لروح شهدائنا الذين مُثلوا بالصهاينة، غادي نلطخ باب دارو كيفما كانو الناس كيديرو بداك الشي اللي ما كيتسماش."
يموت الديكتاتور... يخلفه الديكتاتور!
يأمل الشعب... يخبو الأمل!
يتمرد الشعب... يُقَتّل الشعب!
يخطب الدكتاتور...
يلوح الأمل، يُنظم الشعب، يثور الشعب... يفر الديكتاتور!




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق