كان يوم أحد مشمس.. يوم أحد دافئ،
كانت الشمس تبعث أشعتها الدافئة لتلطيف جو بارد أثقلته أمطار السماء وقمع الأرض.. قمع
وحشي لانتفاضة شعبية ضد القهر والجوع والظلم والاستغلال الطبقي...
حينذاك
هاجم زوار الليل بيتي وعبثوا بأوراقي وأغراضي وأمطروني أسئلة، ليقودونني بعدها إلى
مخفر الشرطة..
كان
ذلك منذ إحدى وثلاثين سنة.. كان ذلك يوم الأحد
29 يناير 1984..
إنه
التاريخ الذي يشهد على الإجرام وعلى الخيانة والغدر.. إنه التاريخ الذي يزعج الطغاة
العمالقة والأقزام.. إنه التاريخ الذي يؤلم الأصدقاء والأعداء..
في
المخفر، اكتشفت أني لست وحدي.. كنت الى جانب مجموعة كبيرة من التلاميذ/ات والشباب/ات
والمعتقلين السياسيين السابقين ونساء معتقلات سياسيات.. كانت جريمتنا الكبرى هي حب
شعبنا الكادح ومعانقتنا لقضيته العادلة وعشقنا للحرية والحياة الكريمة...
مرت
أيامنا داخل هذه الزنازين المظلمة بين التعذيب والاكتظاظ والأوساخ والترهيب...
مرت محاكمتنا بالرباط
في جو رهيب، حيث امتلأت فضاءات المحكمة بجميع أنواع أجهزة القمع من البوليس السري والعلني..
ولم
تبخل حناجر الرفاق بالصدح بشعارات الحرية وإدانة إرهاب النظام. فكانت جل مداخلاتهم
تصب في محاكمة النظام واستنكار الإجرام الذي مارسه النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي
في حق أبناء الشعب المغربي.
كانت
الصحافة تقوم بتغطية المحاكمة.. لكنها في الواقع، كانت تلعب دور المزين لوجه النظام
أمام الرأي العام الخارجي فقط.. لقد سكتت عن
الأحكام الثقيلة والقاسية الصادرة في حق العديد من المناضلين والشباب بشمال المغرب
وجنوبه (تطوان، طنجة، الحسيمة، الناضور، بركان، القصر الكبير، العرائش ومراكش...)
...
وفي السر وتحت جنح
الظلام، دفن أو بالأحرى رمي رفات الأطفال والشباب الذين قتلوا غدرا برصاص أجهزة النظام
القمعية في مقابر جماعية بشمال المغرب..
وحتى
الآن، تغيب الحقيقة ويستمر الإجرام..
نعم،
اعتقلت يوم الأحد 29 يناير 1984، في أجواء الانتفاضة الشعبية المجيدة.. اعتقلت كمناضلة،
كامرأة، كإنسانة.. اعتقلت كقضية..
إن
اعتقال مناضلة أيها الرفاق والرفيقات، ليس هو اعتقال مناضل. ليس لأن المناضلة امرأة
والمناضل رجل.. لا، لا.. أبدا..
الاعتقال
واحد بالنسبة للمرأة والرجل معا.. كما الاغتيال/القتل والتعذيب والنفي والاغتصاب والتهديد
بالاغتصاب والتشويه والانتقام من العائلة والطرد من العمل والتشريد.. وكما المعاناة
قبل الاعتقال أو بعده.. وكما الإحساس بالظلم والاضطهاد.. إن الصراع الطبقي القائم على
تفاوت المصالح الطبقية، بل وتناقضها، لا يرحم الرجل ولا يرحم المرأة، كما لا يرحم الشيخ
ولا يرحم الطفل..
إن
اعتقال مناضلة أيها الرفاق والرفيقات، يعني تأكيد انخراط المرأة (الرفيقة) الى جانب
الرجل (الرفيق) في دينامية الثورة المغربية، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، كما
يعني انفتاح وتوسع آفاق وحدود الثورة من موقع طبقي واضح.. ويعني أيضا الدعوة الصريحة
والملحة لركوب نفس القارب في بحر الدم والقمع والقهر والاستغلال، لأن تحرر المرأة رهين
بتحرر المجتمع.. فلا تحرر للمرأة في مجتمع طبقي، حيث الاستغلال وكافة أشكال القهر،
بما في ذلك القهر الجنسي..
لا
ننكر واقع المرأة المقاومة وملاحمها في الماضي والحاضر، من المغرب الى فلسطين، ومن
هذه الأخيرة الى باقي أصقاع العالم..
لا
يمكن أن ننسى الشهيدة دلال (دلال سعيد المغربي) والشهيدة سعيدة ورفيقات سعيدة في الزنزانة..
ولا يمكن أن ننسى الشهيدة زبيدة أو الشهيدة نجية.. كما لا يمكن أن ننسى الأمهات والزوجات/الرفيقات
"الشهيدات"، أمهات وزوجات/رفيقات الشهداء والمعتقلين السياسيين والمختطفين
والمنفيين..
كما
لا يمكن أن ننسى المناضلة المصرية التي سقطت مؤخرا برصاص النظام المصري الجبان، الشهيدة
شيماء الصباغ، وكذلك العديد من الشهيدات والمناضلات في كوباني وفي مختلف بقاع العالم..
إن
اعتقال مناضلة أيها الرفاق والرفيقات، يعني حضور النضال الحقيقي، النضال الفعلي، النضال
الثوري..
إن
اعتقال مناضلة ليس صدفة أو عثرة، إنه عرقلة مسار ثوري قائم، بل ثورة قادمة..
أحدثكم
أيها الرفيقات والرفاق، من موقع التجربة والمحنة، وليس من موقع الادعاء والنجومية أو
المزايدة.. أحدثكم من عمق المعاناة ومن حقيقة الصمود والاستمرارية في النضال والكفاح
الميدانيين..
أحدثكم
أيها الرفاق والرفيقات، عن النضال الأسطوري من داخل السجون ومن خارجها.. أحدثكم عن
الصمود في أحلك الظروف.. أحدثكم عن الاقتناع الثابت والراسخ بالقضية.. أحدثكم عن الصلابة
في مواجهة الاستسلام والسقوط.. أحدثكم عن حقارة أشباه المناضلين والمتشبهين بالمناضلين..
أحدثكم عن "الفقاعات" الجبانة التي تفر في المنعطفات الحادة والمسالك المظلمة..
أحدثكم عن الخيانة والغدر، من القريب قبل البعيد، ومن الرفيق قبل العدو.. أحدثكم عن
الحربائية (تعدد الأسماء والمسمى واحد !!)
احذروا،
رفاقي ورفيقاتي، "البراميل" الفارغة (الانتهازية).. إنها أكثر ضجيجا.. لقد
انتشرت كالطحالب في كل مكان.. تطرد هنا وتعانق هناك.. يا للمسخ!!
أخبركم
رفاقي ورفيقاتي، عن حقيقتكم/حقيقتكن/حقيقتنا المرة.. لا مجال للتيه أو الغرور.. فالنضال
على الأرض وليس في السماء.. النضال في الميدان وليس في الانترنيت (الفايسبوك وتويتر
أو اللوائح والمدونات والمواقع الالكترونية..).. النضال في المعمل والحقل وحيث يوجد
المعنيون بالنضال.. إن النضال ليس التقاط الصور في المناسبات أو ذرف دموع التماسيح
وإتقان الأدوار "الممسرحة".. إن النضال ليس تجنيد "الببغاوات"
أو "الصبيان" للتشويش وإخفاء الحقائق وطمسها وخدش بهاء ورمزية المناضلات
والمناضلين، وحتى الشهيدات والشهداء..
حذار
رفيقاتي ورفاقي، إنهم يحاولون تخديرنا، تدجيننا.. إنهم يستدرجوننا شيئا فشيئا الى
"بيوتهم" ومستنقعاتهم النتنة.. إنهم يستدرجوننا الى الهامش الميت، حيث تحيا
الطفيليات والجراثيم وكل أصناف النذالة والعهر.. إنهم يستهدفون تحويلنا الى كائنات
افتراضية بليدة تستلذ الشعارات وتستهلك الخطابات الرنانة والجمل الإنشائية الجميلة،
وتفرح (الفرح الطفولي) بالظهور والحضور الزائفين ومحاربة طواحين الهواء الملوث..
لنلتق
رفاقي ورفيقاتي في الميدان، على خط النار.. لنترك الأبراج المريحة والسهرات البورجوازية..
ولنحضر، دما ولحما وعرقا، في المعارك الميدانية، المعارك الحقيقية.. ماذا يمنعنا عن
ذلك، إن كنا فعلا في مستوى ما نقول وندعي صباح مساء؟!!
لنترجم
شعاراتنا على أرض الواقع.. ففي الواقع العنيد نتعلم الاتحاد والتحالف والانصهار.. نتعلم
الحب الحقيقي ونعيش الفرح البريء ونتذوق لذة الصدق ونشوة التضحية والانتصار..
دعوا
الأحقاد والعقد والنفايات والسموم وتصفية الحسابات الصغيرة بعيدا، وليلتحق بالواقع
الفعلي من يهمه بكل جدية واقتناع الاتحاد والتحالف والانصهار..
لقد
آن أوان الوحدة النضالية فعلا، رفاقي ورفيقاتي.. وآن أوان التحالف النضالي فعلا.. وآن
أوان الانصهار النضالي فعلا.. والأمر، فعلا، يخص المناضل والمناضلة على حد سواء وعلى
قدم المساواة..
متى
سنشهد ميلادنا الصحيح، أو متى سنصحح تاريخ ميلادنا؟!! متى سنكفكف دموعنا الحارقة؟!!
متى سنقول كلمتنا الفاصلة؟!!
إن
الكل، بدون استثناء وبدون أعذار، يعرف عناوين المناضلات الميدانيات المخلصات والمناضلين
المبدئيين والميدانيين المخلصين، لقضية الشعب المغربي، وفي مقدمته الطبقة العاملة..
تقبلوا،
رفاقي ورفيقاتي، بمناسبة الذكرى 31 لاعتقالي (29 يناير 1984)، دعوة/صرخة مناضلة صادقة
وميدانية، مناضلة صامدة، خبرت السجن والسجان، وخبرت الميدان وجغرافية وتاريخ الميدان،
وكذلك نوايا وأحلام ومواقف الرفيق والرفاق والمناضلات والمناضلين..
لكم
ولكن، جميعا، تحياتي الخالصة، وخاصة رفاقي المعتقلين السياسيين في سجون النظام، سجون
الذل والعار..
وبعد واحد وثلاثين سنة، ما زلت
أعشق قضيتي وما زلت أحلم بتحرر شعبي وانعتاقه.. وسأظل أحلم وأناضل، الى جانب رفاقي
ورفيقاتي، من أجل هذا الحلم..
شارك هذا الموضوع على: ↓
تحياتي الرفيقة زينة اوبيهي
ردحذفالراقي عبد الغني: أحد معتقلي يناير 1984 الاعتقال في الحسيمة، المحاكمة والسجن بالرباط.