النهب ، التفقير ؛ التخويف ، السلب ، الاستعباد ،الجوع ، الحرمان ، الاستنزاف.. انها اساليب الامبريالية تجاه شعوب افريقيا.
تعد القارة الافريقية مستودعا للمواد الاولية التي تحتاجها الامبريالية في جميع المستويات و خاصة في التصنيع، وذلك راجع لما تمتلكه القارة الافريقية من مؤهلات طبيعية ناذرة، الشيء الذي جعلها او أهلها بان تكون مسرحا او أرضية خصبة للصراع و التنافس بين اقطاب الامبريالية المتمثلة في الولايات المتحدة الامريكية من جهة ودول الاتحاد الأوربي من جهة اخرى وخاصة فرنسا، زد على ذلك الكيان الصهيوني/"اسرائيل" و الصين .
ان افريقيا اليوم تمثل ميدانا واسعا وارضية خصبة للصراع و التنافس حول مواردها الطبيعية من معادن ، غاز ، بترول ، طاقة كهرومائية...الخ .
فمنذ الاستعمار الاوروبي المباشر الذي اجتاح القارة الافريقية اي منذ مؤتمر برلين 1884م ، حيث استولى الاستعمار على مساحة تقدر ب93 في المئة من مساحات الاراضي الافريقية في تلك المرحلة العصيبة بالنسبة لافريقيا استعملت القوى الاستعمارية سياستها التحكمية في خيرات الشعوب الافريقية من سياسة النهب والتفقير والتخويف والسلب و الاستعباد والتجويع والاستنزاف ..، وسياسات اخرى ثقافية تتماشى و مصالحها في المنطقة، فبعد انهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي تمكنت الامبريالية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية من خلق وضع جديد وذلك بعدما قضت على كل قوى التحرر الوطني اما بالتدخل المباشر او بتدعيم قوى رجعية تخدم مصالحها، مما ادى الى هيمنة امريكية صاخبة افرزت نتائج ومظاهر خطيرة جدا تمثلت في فرض النفود الامريكي بفضل التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية للقارة الافريقية، هاته السياسة الامريكية جعلت وحفزت القوى الاخرى وزادت من مطامعها في النيل من مواردها واقتسام كعكتها بينها، الامر الذي اذى الى الصراع الذي نشهده الان حيث اصبح لكل قوة اجندة خاصة واستراتيجية محددة لتحقيق اهدافها في اطار منع القوى الاخرى من الحصول على مصالح اكبر.
ان تقسيم القارة الافريقية بين القوى الاستعمارية يمثل نقطة فارقة في التطور السياسي والاجتماعي الأفريقي ومن الملاحظ أن الحدود الاستعمارية التي رسمت على خرائط في أوروبا عكست بالأساس مصالح القوى الاستعمارية، ولم تعترف بالمصالح الأفريقية. وعليه فإن الحدود الموروثة عن الاستعمار أدت إلى تقسيم الجماعات العرقية بين دولتين أو أكثر، كما أنها من جهة أخرى أدت إلى وجود جماعات عرقية ذات تاريخ من العداء والصراع داخل حدود إقليمية واحدة، وهو الأمر الذي شجع على تزايد حدة الصراعات العرقية في كثير من المواقف. وعلى الرغم من أن أحد المبادئ الحاكمة للعلاقات الدولية الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال أكدت على مبدأ "عدم المساس بالحدود الموروثة" عن الاستعمار! إلا أن القارة الأفريقية شهدت نزاعات حدودية عنيفة٠
وعلى صعيد الإدارة والحكم في العهد الاستعماري نجد أن الحكومات الاستعمارية قد لجأت إلى تغيير الخريطة العرقية في المستعمرات الأفريقية سواء من حيث عمليات الفك أو التركيب. ففي حالات معينة عمد المسؤولون الأوروبيون إلى خلق وحدات عرقية جديدة، والمثال على ذلك حالة (الانجالا) في القرن التاسع عشر والتي أطلقها الاستعمار البلجيكي لتشمل كل الشعوب القاطنة على طول نهر زائير، ثم تم توسيع هذا الاصطلاح ليشمل أولئك الذين هاجروا من حوض النهر إلى المنطقة الحضرية في كينشاسا.
لقد شجع الاستعمار الأوروبي المشاعر العرقية بين الأفارقة، وجرى التأكيد على الاختلافات بين الجماعات العرقية، ولم يكشف أي شيء عن أوجه التشابه بغية صرف الانتباه عن الاستغلال الاستعماري.
لجأت الدولة الأفريقية ما بعد الاستعمارية إلى فرض الأيديولوجية التنموية التي تقوم على ترابط العمليتين السياسية والاقتصادية. كما أنها احتفظت بكثير من ملامح الفترة الاستعمارية، ولا سيما سياسات القمع والإكراه المادي. لقد كان واضحا أن التنموية هي مجرد تبرير لتسلطية دولة الحزب الواحد التبعي للمستعمر والمتسلط على الخيرات. وعليه فإن أغلبية الشعب ممن تمت تعبئتهم ضد الاستعمار أصبحوا بمعزل عن المشاركة السياسية الحقيقية وبعيدين هن الثروة، كما أن مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في الأحزاب والنقابات والتنظيمات الشعبية قد حرمت من فرص التعبير عن نفسها، والمنبطحة منها كما الملحقة باصحاب النفوذ تم إدماجها في مؤسسات وهياكل الدولة ذاتها، أما قيادات المعارضة فقد تم التخلص منها عن طريق التصفيات في الغالب بمشاركة القوى الإستعمارية بشكل مباشر في أغلب اللحظات.
ونظراً لزيادة اندماج أفريقيا في الاقتصاد العالمي، وعجز الدولة التنموية عن توفير الاحتياجات الأساسية للشعوب الأفريقية، بسبب انهيار أسواق المواد الخام في منتصف السبعينيات فإن الدولة الأفريقية عانت من أزمات خانقة، بسبب تنامي الهويات العرقية، والإقليمية، والدينية التي نازعت الدولة من أجل البقاء. لقد أضحى وجود الدولة الأفريقية بحد ذاته محل شك ونزاع، ولنذكر- على سبيل المثال - الكونغو، والسودان، والصومال، وسيراليون. وثمة مطالب شعبية متزايدة بضرورة إيجاد أسس جديدة للحكم في أفريقيا تعلي من تمكين الشعب، ومحاسبة القادة الفاسدين
ثمة علاقة ارتباطية بين نشوب الصراعات الداخلية المسلحة، وامتلاك الدول لموارد أولية (النفط، الماس، الأخشاب، الذهب البلاتين، اليورانيوم والنحاس، وغيرها) سطرتها الخبرة الإفريقية فى حالات عديدة، بدءا من السودان شرقا، ومرورا بالكونغو الديمقراطية فى الوسط، وأنجولا، وموزمبيق جنوبا، وانتهاء بنيجيريا، وسيراليون غربا.
ورغم أن تلك الموارد مثلت مغنما اندفع الفرقاء السياسيون فى الداخل لنيل أكبر نصيب ممكن منه، خاصة مع غياب آليات ديمقراطية تضمن العدالة الاقتصادية والسياسية، إلا أن العامل الخارجى ـ ممثلا فى الشركات العابرة للقوميات (المتعدية الجنسية) ساهم بدرجة أو بأخرى فى تعميق الصراع على هذه الموارد، لاسيما فى ظل تنامى الطلب على المواد الأولية فى الاقتصادات الصناعية فى العالم. وفى الوقت الذى كانت فيه تلك الشركات تتمترس وراء مصالح القطبين المتنافسين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق) على القارة الإفريقية إبان فترة الحرب الباردة، فإنها باتت بعد انتهاء هذه الفترة تتصرف من دون مواجهة أى طرف موازن، كما حظيت ببعض الاستقلالية عن القوى الكبرى فى الغرب مع التطورات التى شهدها الاقتصاد العالمى الذى شهد سيولة أكبر للتجارة ورأس المال والأفراد فى إطار عولمى.
وفى هذه الظروف، لعبت الشركات العابرة للقارات دورا مؤثرا فى صنع السياسات الداخلية والخارجية للدول الإفريقية، مستفيدة من مفهوم "الدولة ـ العصابة" الذى كرسته بعض النظم الإفريقية وحركات التمرد التى مولت حروبها عبر استنزاف الموارد الأولية مقابل الحصول على السلاح، كما حدث فى لبييريا، وسيراليون، والكونغو الديمقراطية وغيرها.
وحتى بعد أن شهدت بعض مناطق الصراع فى إفريقيا استقرارا إثر اتفاقيات "السلام"، كما حدث فى السودان، وليبيريا، والكونغو الديمقراطية، وأنجولا وغيرها، فإن الشركات المتعدية الجنسية بدت فاعلة فى هذه المرحلة، عبر الدخول فى علاقات تحالف مع الأنظمة السياسية لنيل أكبر قدر من المواد الخام الإفريقية فى مرحلة "السلام"، كما حدث مثلا فى السودان (صراع الشركات الأمريكية والصينية على النفط بعد اتفاق السلام).
ولم تؤسس هذه الشركات فى مرحلتى الصراع والسلام فى إفريقيا لعلاقة شراكة اقتصادية، بل لعملية نقل لأكبر قدر من المواد الأولية التى يحتاج إليها الاقتصاد العالمى دونما مساهمة حقيقية فى الاقتصادات الإفريقية التى لم تضع نظمها السياسية استراتيجيات واضحة للعلاقة مع هذه الشركات فى ظل انشغالها بصراعاتها الداخلية، وتوجيه أموال بيع تلك الموارد لمواجهة المعارضة السياسية، وهو ما سنحاول فهمه وتلمس أبعاده ونماذجه الإفريقية عبر الحلقات القادمة.
أمين أبو الريش
يتبع
شارك هذا الموضوع على: ↓
مقال رائع
ردحذف