عرفت باريز كباقي
العواصم الأوروبية وكعادتها تظاهرات سياسية تضامنية هذه المرة مع الشعب اليوناني بدعوة
من طرف حزب اليسار الأوروبي PGE وأخرى
نقابية دعت لها فدرالية التجارة التابعة لـCGT بحضور القادة
النقابيين على المستوى
الوطني من قبيل الكاتب الوطني الجديد السيد فيليب مارتيناز Philipe Martinez .
شملت التظاهرات كثيرا
من المدن الأوروبية وبلغ عددها 55 تظاهرة جالت أكبر شوارع القارة العجوز.
سياسيا:
حدد المسار السياسي
لآلاف المتظاهرين من طرف القوى المؤطرة والداعية الى التظاهر والتضامن، وكان أكبر المؤطرين
والداعين للتظاهر هو حزب اليسار الأوروبي بقيادة الحزب الشيوعي الفرنسي أو على الأصح
بقيادة الكاتب الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي السيد بيار لورون Pierre Laurent وبمشاركة وجوه
إعلامية وسياسية محسوبة على جبهة اليسار الفرنسية FdG.
تختزل وتكثف يافطة
فديرالية الحزب الشيوعي بباريز مغزى والمنحى الموجه للفعل الجماهيري ككل بالعواصم الأوروبية
المنددة بالسياسات الرأسمالية بالقارة حيث تبوح اليافطة Banderole بحلم مفاده بنك، إشارة
الى البنك المركزي الأوروبي BCE، يساعد اليونان "Je rêve
d’une
banque qui aide la Grèce.
Je rêve
d’une
banque qui occupe la banque". بالإضافة
الى شهادات مناضلي جبهة "سيريزا" الذين استجوبتهم الصحف بما فيها صحيفة
"الإنسانية" حول الآفاق وسقف الفعل السياسي لقوى اليسار بأوروبا يتبين طبيعة
ومعضلة العمل السياسي لهذه القوى التي ترتكز على جماهير غفيرة من العمال والمستخدمين وغياب فعل قادر على خوض غمار المعارك السياسية من
حجم تغيير الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بما يعنيه ذلك من ثورة اشتراكية
على أنقاض الرأسمالية بأوروبا.
لم يدع البرلمانيون
الأوروبيون الفرصة تمر دون التعبير عن تملقهم وحربائيتهم، ومن بين هؤلاء، نواب
"الحزب الاشتراكي" الفرنسي الحاكم، الذين دعوا الى "تأييد فرنسا لليونان".
ولتأثيث المشهد بباريز
حضرت بعض التيارات الشيوعية الايطالية التي تسعى لإعادة ترميم ما تبقى من الحركة الشيوعية
الايطالية الرسمية وكما حضر "الحفل" النقابة الايطالية المعروفة سلفا بتنظيمها
لإضرابات عمالية قوية والتي تعاني الآن من مشاكل جد معقدة نالت منها وعلى رأسها البيروقراطية والزبونية والمحسوبية
والولاء للباطرونا وللرأسمالية.
ولم يدع رئيس الحزب
اليسار الأوروبي السيد بيار لورون الفرصة تمر
دون أن يذكر مسؤولي "الاتحاد الأوروبي" بمد اليد لدولة اليونان والتفاوض
مع حكومتها حيث قال إن "المندوب الأوروبي السيد بيار موسكوفيسي Pierre Moscovici وزير
الاقتصاد الفرنسي السابق لا يعر أي اهتمام لتصويت الشعب" اليوناني.
يتضح مما سبق أن قوى
اليسار الأوروبي لا يشغل بالها تقويم وتصليب النضالات المتكررة والمستمرة في شتى المجالات
والقطاعات للشعوب الأوروبية بما يخدم مصلحة هذه الشعوب في إزاحة النظام الرأسمالي وترسيخ
أسس الاشتراكية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بل إن همها هو الوصول الى سدة الحكم الرأسمالي.
نقابيا:
تذكير.. كادت أعرق
نقابة فرنسية، CGT، أن تتخلف الى الوراء بألف ميل لتفتح الطريق على مصراعيه أكثر مما
هو عليه الآن أمام الباطرونا وسياساته الطبقية البرجوازية العنيفة التي استهدفت ما راكمته الطبقة العاملة من مكاسب منذ بداية القرن
الماضي، وخصوصا ما يتعلق بالحقوق المادية والديمقراطية (العطالة، التعويضات، قانون
العمل، شروط العمل، الراتب، الصحة، السكن، الترفيه، التكوين، التقاعد، التعليم، البحث
العلمي، الحريات... الخ)، قلت أن تتخلف أكثر فأكثر بعد أن "اجتازت" مرحلة
عويصة كادت أن تفقد خلالها ما تبقى من مصداقية ورمزية في أعين المعنيين أي العمال والمستخدمين
بعدما طفت الى السطح ملفات الفساد المالي التي عصفت بقيادتها وعلى رأسها كاتبها الوطني
السابق السيد Thiery Lepaon.
يعتقد المقربون أن
مرحلة الفساد قد فتحت أبوابا أخرى قد تضع الحد للفساد السياسي والنضالي والتنظيمي داخل
المركزية، وهو ما يفسر تعيين أحد أطرها الديناميين والمقربين سياسيا من الحزب الشيوعي
الفرنسي وقائد فدرالية المعادن سابقا وعضو
المكتب الكنفدرالي الوطني لس ج ت، السيد فيليب مارتيناز Philippe Marinez. دعت
فدرالية التجارة التابعة للمركزية النقابية س ج ت لتظاهرة بساحة لامادلين la madeleine غير البعيدة
عن مجلس النواب وذلك بحضور الكاتب الوطني الجديد ورموز أخرى منه، وخلال تصريحات المسؤول النقابي وفي رد عن وزير الاقتصاد وقانونه المرتقب
أقترح السيد مارتيناز العدول عن القانون الوزاري والعمل ب32 ساعة أسبوعيا وختم بالدعوة
ليوم وطني بمشاركة جل القطاعات والوحدة مع النقابات الأخرى من أجل ذلك.
وهذا يكفي للباطرونا
ومراكزها السياسية والإعلامية لتقديم القائد الجديد بالأحمر.
وردا على الفساد المالي
بالنقابة وجه السيد مارتيناز الأنظار الى تهريب الأموال الى البنوك الخارجية والإفلات
من الضرائب بما قيمته 180 مليار يورو، وهو ما يضاعف عجز الميزانية السنوي لفرنسا.
لم نقرأ للكاتب الوطني
الجديد للنقابة ما يجعله سياسيا يهدد مصالح البورجوازية الفرنسية ونظامها الرأسمالي.
إن المطالبة بالحقوق الاقتصادية والديمقراطية للعمال في إطار الإنتاج الرأسمالي لا
يشكل تهديدا وازنا وحقيقيا للباطرونا التي تملك ما يكفي من الخبرة والإمكانيات احتواء
مطالب القيادة الجديدة. وللذاكرة، فإن المطالب والخطوات الحالية للمركزية س ج ت لا
ترقى الى مستوى ملفات مطلبية تؤطرها رؤية سياسية قادرة على استنهاض الفعل النقابي وتنظيمه
للهجوم على الباطرونا نظامها السياسي بقيادة الحزب "الاشتراكي". والأمر لا
يعدو أن يكون مسألة أو قضية نقابية صرفة بل إن النقابة تعمل في فضاء سياسي تسيطر عليه
قوى المهادنة والتعاون الطبقي، مما يجعل حجم الفعل النقابي وتأثيره محدود جدا والساحة
السياسية الآن لها أجندة بعيدة عن هم التغيير.
إننا نعيش الآن على إيقاع الانتخابات وكل القوى يسارها ويمينها منشغلة بحساباتها من
اجل المناصب. وهذا ما يساهم الى حد كبير في مؤامرة إقصاء العمال وإبعادهم عن الممارسة
السياسية والنقابية.
فرنسا في:17
فبراير 2015
شارك هذا الموضوع على: ↓