إن الشهيد أيت الجيد المعروف ب"بنعيسى" كان شابا في أوج العطاء النضالي تعرض من طرف النظام للمتابعة والمطاردة والاعتقال والتضييق والتوقيف عن الدراسة.. كضرائب لمبادئه ولتضحياته ولحلمه الجميل بمغرب
الحرية والديموقراطية والتحرر وسط رفاقه "الطلبة القاعديين التقدميين". فكان واحدا من ضحايا الاغتيالات التي نفذتها القوى الظلامية عن سبق إصرار بعد الشهيدين المعطي بوملي والشهيد عمر بنجلون، ناهيك عن عدد لا يحصى من المعطوبين وحاملي العاهات إلى الآن، بوكالة عن النظام وبإيعاز منه، بعدما عجز هذا الأخير عن إيقاف وقتل النشاط السياسي المزعج للحركة الطلابية وإسهام النضالي للشهيد فيها.
مع بداية التسعينات، وأمام مقاومة الحركة الطلابية والتي لم يخضعها النظام لشعارات "السلم الاجتماعي" و"المسلسل الديموقراطي" و"الإجماع الوطني" ويكبح ديناميتها النضالية سواء بالقمع الشرس والتدخلات المباشرة بالرصاص الحي والسجون والمتابعات والطرد والتوقيفات عن الدراسة.. وسواء عن طريق حلفائه في اللعبة السياسية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديموقراطي الشعبي)، لم يجد العدو من خيار آخر لإخفاء طبيعته في الردع والاجتثاث والتخريب سوى تجييش الآلاف من مليشيات القتل الظلامية "العدل والإحسان" و"التجديد والإصلاح- العدالة والتنمية حاليا" التي وضعتها قياداتها تحت تصرف النظام –رسالة بنكيران لوزير الداخلية إدريس البصري يعرب فيها عن استعداده لهذه المهمة- لاكتساح الجامعة المغربية، وارتكاب أبشع المجازر في حق الطلبة المناضلين، تحت غطاء "تطهيرها" من "الكفر والإلحاد"، وذلك تماشيا مع "تكتيك" الامبريالية في المرحلة القاضية باستعمال القوى الظلامية لتجفيف ما تبقى من البقع الثورية والقلاع الحاضنة للفكر التقدمي، بعد انهيار جدار برلين وتفكك "المعسكر الاشتراكي".
وكانت أولى نتائج هذا الهجوم الكاسح على الجامعة المغربية اغتيال الشهيد المعطي بوملي في وجدة على يد قوى الغدر والظلام، بعدما وفر لها النظام كل المعدات اللوجستيكية والأسلحة بمختلف أشكالها ووفر لها الغطاء الإيديولوجي والإعلامي، بل حتى المخبرين الذين كانوا يرشدونها إلى أماكن تواجد المناضلين. وقد وصل الأمر إلى إقدام هاته القوى على تسليم المناضلين إلى قوى القمع بعد تهشيم عظامهم ونهش أجسادهم، ليتم نقلهم للدهاليز والمعتقلات، كل هذا أمام مرأى ومسمع من الجميع في تنسيق محكم بين البعض وصمت وتواطؤ البعض الآخر.
ومع استمرار مقاومة الجماهير الطلابية ومناضليها لكل أشكال التدنيس لحرمة الجامعة، والدفاع المستميت عن مكتسباتها التاريخية وتصديها لكل مخططات التخريب الهادفة لقبر الفعل النضالي والإجهاز على حق أبناء الفقراء في التعليم العالي، ولو تطلب الأمر مواجهة الكل، ضدا على كل طروحات المراجعة التي شككت في قدرات الجماهير، وأعلنت مهادنتها واستسلامها كان لها الموعد يوم 25 فبراير 1993 مع الهجوم الظلامي واجتياح جامعة ظهر المهراز مرة أخرى، بعدما استقدمت كعادتها عناصر غريبة كليا عن الجسم الطلابي، لتتوج هجمتها الشرسة بإيقاف سيارة أجرة بمحيط الجامعة كانت تقل الشهيد بنعيسى وأحد رفاقه (أحد الشهود على جريمة الاغتيال "الحديوي الخمار")، لتشرع في تكسير الزجاج وإخراجهما بالقوة من السيارة، لترتكب في حقهما أبشع الممارسات السادية، من ضرب بالأسلحة البيضاء والهراوات والسلاسل في كل أنحاء جسمهما وتهشيم رأس الرفيق بنعيسى بواسطة حجرة الرصيف الصلبة.. وليتمادى إجرام النظام لإتمام جرم صنيعته، القوى الظلامية، بعد ذلك، من داخل المستشفى حيث تعرض الشهيد ورفيقه للإهمال انتقاما منهما ليتركا يصارعان الموت، ليعلن محمد آيت الجيد بنعيسى ميلاده الجديد صبيحة يوم الفاتح من مارس 1993، ملتحقا بقافلة الشهداء، معبدا الطريق نحو خلاص الشعب وتحرره من نير الاستغلال والاضطهاد الطبقي.
إن الشهيد وكما يشهد التاريخ الحقيقي لم تكن تضحياته من أجل وضع يده في الأيادي الملوثة بدماء الشهداء الذين تطاردهم أرواح الشهداء أينما حلوا وارتحلوا ولا في أيادي المتآمرين على نضالات شعبنا ولا المسترزقين بتضحياته ولا المساندين والمدعمين لمرتكبي الجرائم السياسية والاقتصادية وراهني الوطن لمصالح الامبريالية وعملائها ولا لمباركة مخططات وقوانين تخدم مصالح أعداء الشعب واستمالة الشعب للخضوع وللسلم لتثبيت وتدعيم دكتاتورية النظام اللاوطني اللاديموقراطي اللاشعبي.
لهذا فاستمرارية الشهداء أو الشهيد بنعيسى ليست من خلال من حولوا ضمائرهم والإرث النضالي للشهداء إلى سلعة تباع وتشترى ولا البياعة وسماسرة الدماء وعرق الكادحين وتضحيات شعبنا.. بل من خلال من وضعوا كل جهدهم الميداني والسياسي والفكري وكل تضحياتهم في خدمة قضايا شعبنا في سبيل التحرر والانعتاق والتي قدم الشهداء أرواحهم من أجلها ولخدمتها. والكتابة عن الشهداء وعن ذكريات الشهداء عمل مبدئي يتطلب المسؤولية والصدق والصراحة والأمانة وهذا ما لا يمكن أن يتوفر في من غير جلدته وتنكر لماضيه السياسي ونط الى جهة العدو وتحول الى حامي لاستقرار النظام ومنفذ لخططه ومؤامراته كما كان الحال مع موجة الارتدادات في نهاية الثمانينات والتي لازالت ترخي بظلالها إلى اليوم، كما ليس حقا بمن يحول دماء رفيقه أو قريبه إلى كؤوس الجعة في الليالي الحمراء.. فتاريخ الشهداء ودماءهم هي أمانة في عنق المبدئيين لأنها تستدعي الصيانة والمسؤولية مثلما أن التاريخ يتطلب قول الحقيقة أولا قبل الدخول في تحليلها ولا يحتمل التزوير والتلفيق لخدمة المواقع الجديدة، فالتحليل ليس هو الواقع بل هو رأي شخصي وخاص. ولهذا ليس المهم هو الكتابة عن الشهداء في ذكرياتهم أو الحديث باسمهم بل المهم هو محتوى ومضمون ما يكتب والهدف المتوخى من الحديث باسمهم. ومرتزقة دماء الشهيد أيت الجيد بعيسى الذين غيروا معاطفهم وحولوا اسم الشهيد ليافطة للمسخ والمتاجرة تحت الأسماء المسروقة ويقدمونها عربونا لتحرير أيديهم في نهب وسرقة أموال الشعب والتسلق في المناصب والمواقع مثال ساطع عن التزوير والنذالة السياسية.
شارك هذا الموضوع على: ↓