كيف لا نجعل من قضية الاعتقال السياسي أولوية ضمن أولوياتنا؟
إن التعاطي مع قضية الاعتقال السياسي مؤشر دال على مدى التزامنا من عدمه
بخدمة قضية شعبنا. طبعا، ليس ذلك بالمؤشر الوحيد، لكنه من بين المؤشرات القوية التي تصنع الفارق، أي الفرز السياسي. فلا يمكن تصور قوى سياسية (ديمقراطية أو تقدمية أو غيرها) تخدم قضية الشعب المغربي دون أن تضع على رأس أجندتها خدمة قضية الاعتقال السياسي، موقفا وممارسة. لأن الاعتقال السياسي، كممارسة طبقية قمعية ملازمة لطبيعة النظام، يطال كل من يعارض هذا الأخير، معارضة حقيقية ومبدئية، معارضة جذرية. وقد ترتفع وتيرة الاعتقالات حسب وتيرة النضالات والمعارك النضالية وحدة الصراع الطبقي. ففي إطار الخضوع والتفاعل الشكليين للنظام مع التطورات التي عمت العالم أجمع (آليات المراقبة الدولية)، خاصة في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان (كموضة أكثر من أي شيء آخر، وكغطاء على مختلف الجرائم هنا وهناك، تحت جبة الامبريالية وأدواتها المدنية والعسكرية، ومنها الأمم المتحدة)، يلجأ في كثير من الأحيان الى أساليب قهرية بديلة، ومنها التشريد وقطع "الأرزاق" وإرهاق كاهل المناضلين بالأعباء والالتزامات اليومية وكذلك أساليب الترغيب وشراء "النخب"، بل وتوظيفها.. ولكنه رغم ذلك، يضطر أمام تصاعد المد النضالي الى الاعتقال السياسي. ولم يسبق أن خلت السجون بالمغرب من المعتقلين السياسيين، طلبة ومعطلين وعمال وفلاحين فقراء ومثقفين.. فقد لا تجد سجنا بالمغرب بدون معتقلين سياسيين..
لكن، والحال هذه، أين الأحزاب السياسية؟ وأين النقابات؟ وأين الجمعيات؟
* النقابات: أي دور؟
بالنسبة للنقابات، لسنا بعيدين عن جريمة يوم 06 أبريل 2014 (مسيرة الدار البيضاء).. لقد قدمت هذه النقابات "الأكثر ديمقراطية (تمثيلية)" مجموعة من المناضلين (مناضلي حركة 20 فبراير...) الى الأجهزة القمعية فوق طبق من ذهب (النقابات المعنية هنا هي الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل. وبطبيعة الحال، فالنقابات الأخرى لا تقل إجراما وشراسة عن هذه النقابات المذكورة، وأعني بالضبط القيادات النقابية البيروقراطية، بل المافيوزية). فماذا يمثل سكوت/صمت النقابات عن الاعتقال السياسي أمام مثل هذه الجريمة الشنيعة؟ فمن يجهض المعارك العمالية ويتآمر عليها ويحاصر المناضلين ويقدمهم أمام الملأ للنظام يستطيع هو نفسه، أن يقمعهم/يعتقلهم، بل أن "يمحيهم" من الوجود (القيادات النقابية "الداعشية").. ومن ينبش في دواليب تاريخ نقاباتنا العتيدة سيكتشف جرائم قياداتها التي وصلت حد تصفية المناضلين بدون "رحمة"، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر (حالة المناضل بوعبيد حمامة).
ألا يستدعي الأمر اليوم، وأكثر مما مضى، التفكير مليا في معنى "النضال النقابي"؟ ألم يحن بعد طرح السؤال: أي علاقة اليوم مع القيادات النقابية البيروقراطية/المافيوزية؟ فإلى متى هذا التسلط؟ وبالمقابل، الى متى هذه "التزكية" وهذا "الخضوع"؟
* الأحزاب السياسية: أي دور؟
وبالنسبة للأحزاب السياسية، أذكر بمرارة يوم انغماس أحزابنا في حملتها الانتخابية (الانتخابات التشريعية) في صيف سنة 1984 ومجموعة من المعتقلين السياسيين (مجموعة مراكش) تحتضر إثر إضراب لامحدود عن الطعام في سجون مراكش وأسفي والصويرة. فلم تلتفت هذه الأحزاب الى معاناة هؤلاء المعتقلين السياسيين وعائلاتهم، ولم يعن لها شيئا استشهاد ثلاثة معتقلين سياسيين (المناضل بوبكر الدريدي بالصويرة والمناضل مصطفى بلهواري بأسفي، وقبلهما المناضل عبد الحكيم المسكيني ببني ملال).. لقد انغمست هذه الأحزاب البئيسة في حفلاتها ومجونها إبان القمع الأسود، فترة الحسن الثاني وادريس البصري، الفترة المعروفة بسنوات الرصاص، سنوات الجمر، سنوات الحديد والنار..
واليوم، هي نفس أحزاب الأمس، أحزاب الأمس وأبناؤها.. ماذا تغير؟ لا شيء.. نفس النظام، نفس الإجرام ونفس الاضطهاد.. عفوا، تغيرت أشياء كثيرة.. تعمق الإجرام والاضطهاد وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجماهير الشعبية المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وتناسلت المؤامرات من طرف الأعداء و"الأصدقاء"... نعم، المعاناة مستمرة والقهر مستمر والاعتقال السياسي مستمر (في كل سجن معتقل سياسي، بل معتقلون سياسيون)، وأمر من ذلك، الاغتيال السياسي مستمر.. استشهد مناضلون كثيرون بعد المسكيني والدريدي وبلهواري.. استشهد تهاني أمين وزبيدة خليفة وعادل أجراوي وعبد الحق شباضة والمعطي بوملي ومحمد أيت الجيد وعبد الرزاق الكاديري ونور الدين عبد الوهاب وأحمد بنعمار ومصطفى المزياني (وبدون شك أسماء عديدة بهذه الكيفية أو تلك، بهذا السبب أو ذاك، قضت في غفلة منا.. إنه عجزنا المقيت حتى بالنسبة لإحصاء شهدائنا...).
ماذا عن أحزابنا السياسية اللئيمة (سواء الرجعية أو الإصلاحية)؟ إنها غارقة كعادتها في احتفالاتها وفي ميوعتها وفي ملذاتها..
إنها كائنات سياسية متواطئة وعميلة للنظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، كائنات مساهمة في الإجرام الذي يطال المعتقلين السياسيين وعموم أبناء شعبنا.. إنها كائنات غريبة وبعيدة على أن تكون ديمقراطية أو تقدمية..
إنها بعيدة عن أن تساهم في أي خطوة نضالية سواء لفائدة المعتقلين السياسيين المضربين أو غير المضربين، أو لفائدة الشعب المغربي.. وأي رهان عليها ليس سوى رهانا خاسرا.. "فلا يلدغ المناضل من الجحر مرتين" أو بالأحرى مرات عديدة!!
* الجمعيات: أي دور؟
الجمعيات (الثقافية والمدنية والتنموية والحقوقية...)، ما أبشع جمعياتنا.. إنها دكاكين تابعة للأحزاب السياسية.. وما قيل عن هذه الأخيرة ينطبق على جمعياتنا..
فكيف يستمر الاعتقال السياسي والمشهد الجمعوي يضم العشرات من الجمعيات؟ كيف يستمر التعذيب والقتل والنهب والفساد والشعارات الجميلة والبراقة (عدم الإفلات من العقاب، ربط المسؤولية بالمحاسبة...)، ومؤتمرات جمعياتنا وأنشطتها على قدم وساق؟ من مؤتمر الى آخر ومن نشاط الى آخر ومن منتدى الى آخر ومن جامعة (ربيعية وصيفية وخريفية وشتائية) الى أخرى ومن ائتلاف الى آخر.. ومن تمويل الى آخر.. ومن بذخ الى آخر..
جمعيات قليلة نحترم تاريخها/تاريخنا ورصيدها/رصيدنا.. وفي مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. ومن حقنا أن ننتقدها من منطلق انتقادنا لأنفسنا.. إننا ننتقدها حبا وغيرة وليس مزايدة أو طعنا،.. ولا نعفي أنفسنا من المسؤولية والمحاسبة، فما أحوجنا للنقد البناء والواضح والمسؤول.. وندعوها الى تحمل مسؤوليتها تجاه كافة المعتقلين السياسيين بدون استثناء. ألم تنشأ لخدمة قضية الاعتقال السياسي قبل أي شيء آخر؟
وما يحز في النفس هو أن أحزابنا ونقاباتنا وجمعياتنا تحرقنا بنارنا.. إننا نمول حروبها ضدنا من جيوبنا، كما تمول الأنظمة الرجعية والكيان الصهيوني والامبريالية من ثروات الشعوب المضطهدة عبر العالم..
فيا عمال العالم وشعوبه المضطهدة اتحدوا وتنظموا وانتفضوا..
إنها صرخة مناضل مقتنع بانتصار قضية شعبه..
شارك هذا الموضوع على: ↓