بداية، لا يمكن للديمقراطية أن تعانق البيروقراطية، إلا إذا كانت "ديمقراطية" مزيفة وشكلية.. ومناسبة القول هو التحاق الجامعة الوطنية لعمال وموظفي
الجماعات المحلية "التوجه الديمقراطي" بقافلة الجامعة الأم التي لم تبرح حضن البيروقراطية. والغريب ليس الالتحاق في حد ذاته أو الالتحاق بدون شروط، بل الالتحاق من موقع مذل وعلى أبواب تظاهرات فاتح ماي. لقد حصل الالتحاق بعد مؤتمر المهزلة وبدون عودة المطرودين وبدون فتح المقرات وبدون محاسبة "المفسدين" (ومن بينهم "الأخ" بهنيس) و"تخليق" الحياة الداخلية للنقابة وبدون التحاق باقي "رفاق" ما سمي بالتوجه الديمقراطي، الجامعة الوطنية للتعليم بالخصوص، إلا إذا برمج ذلك ليأتي لاحقا. أما الحديث عن الديمقراطية داخل النقابة وعن مالية النقابة، وتخمة من الكلام، فقد تبخر وصار من الماضي السحيق، مثله مثل شعارات "فاروق ارحل" و"الفساد يطلع برا"... وحتى كرسي "الكاتب العام الوطني"، فلا معنى له بوجود منسق وطني، وهو، أي هذا الأخير، الكاتب العام الوطني الفعلي (لنطلع على لائحة الكتابة التنفيذية للمكتب الوطني وترتيب أعضائها).. إنها مهزلة بكل المقاييس.. وإنها طعنة غادرة في ظهر المناضلين الذين عززوا صفوف "التوجه الديمقراطي"، رغم أن الكثيرين من هؤلاء المناضلين قاموا بذلك عن اقتناع، ليس حبا في "التوجه الديمقراطي" (البيروقراطي) أو انخداعا لشعاراته، بل تفاعلا مع الصراع ضد البيروقراطية من موقع القاعدة وليس القيادة..
وإذا كانت ذريعة وحدة الطبقة العاملة (وخدمة الطبقة العاملة) هي التي أرغمت "الديمقراطيين" العائدين الى أحضان البيروقراطية، لماذا تناسي هذه الوحدة المفترى عليها إبان الانشقاق الذي سمي "فك للارتباط" و"تدبير للصمود". بئس الصمود (تدبير ثلاث سنوات وليس فقط سنة) الذي صنع هذا الزواج الممسوخ؟ إن وحدة الطبقة العاملة ليس التهافت على الفتات وعلى الكراسي الشكلية الوثيرة.. إن ما قام به مهندسو/تقنيو معانقة البيروقراطية يجسد عكسيا وحرفيا مقولة "خدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها" ويتم اعتماد شعار "خدمة الطبقة العاملة" كمشجب حسب الهوى وعلى المقاس..
الكل يفهم أن هذا الزواج الكاثوليكي المصلحي (بدافع المصلحة الضيقة) محكوم بحمى انتخابات اللجن الثنائية. إنه، (ومن يدري؟!) الطمع (معركة الطمع الكبرى) في تكرار تجربة البرلمانية خديجة الغامري. ولا يجب أن نغفل أن النظام هو المهندس الحقيقي لمسلسل "التفاوض" لترميم المشهد النقابي والسياسي المتحكم فيه، فالقيادة البيروقراطية (الفاشية) للاتحاد المغربي للشغل تشتغل وفق التعليمات والأوامر وكباقي قيادات المركزيات النقابية الأخرى المتربعة على جراح الطبقة العاملة وكافة الشغيلة.. ووضعية المتفرج، بل المتواطئ الذي تمارسه كافة المركزيات الآن وأمام تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يفضح عمالتها وانبطاح المتمسحين بأهذابها.
وعلى العموم، فخوض ملهاة الانتخابات المهنية بدعوى خدمة الطبقة العاملة، على الأقل الآن وفي ظل الشروط الذاتية والموضوعية الحالية، رهان خاسر، وارتماء في مستنقع البيروقراطية.. إن الأمر بات أقرب الى مهازل الانتخابات الجماعية أو التشريعية.. فهل نتوقع في ظل الدستور الممنوح خدمة الجماهير الشعبية المسحوقة من داخل قبة البرلمان؟! فمن خلال وقفة ولو تأملية لقراءة تجربة اللجن الثنائية لهذه الفترة، رغم السياق المختلف بالنسبة للانتخابات المهنية والانتخابات الجماعية والتشريعية، يتضح أن المناضلين النقابين وعموم المناضلين مدعوون بإلحاح الى إبداع أشكال نضالية عملية لخدمة الطبقة العاملة حقا. وفي اعتقادنا لا نتصور إنجاز هذه المهمة الصعبة، سواء بالكامل أو في حدود ما، خارج مهام الحزب الثوري الغائب حتى الآن..
شارك هذا الموضوع على: ↓