2015/11/27

خليل خليل // حرب وهمية بأطماع إمبريالية!


إنتقلت حاملة الطائرات الفرنسية "شارل دوغول" إلى السواحل السورية، معلنة بذلك عن بداية موجة جديدة من الحرب المسعورة على الشعب السوري والعراقي. هذه الحرب التي تعكس الوجه الحقيقي والبشع للإمبريالية، التي لا يهمها سوى مصالحها حتى ولو كانت على حساب معاناة شعوب بأكملها. 

هذه اللحظة التي كانت تنتظرها فرنسا بفارغ الصبر، هي فرصتها الذهبية لكي تنفس عن أزمتها الداخلية الخانقة. الأزمة التي كشفت أن الإقتصاد الفرنسي يعرف كسادا واضحا مقارنة مع نضيره الألماني أو الانجليزي. وهو ما يتجلى مثلا في تراجع القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي بشكل ملحوظ، بحسب ما أوضحه مجموعة من التقارير بهذا الشأن. وكذا في التسريح المتواصل للعمال في جميع القطاعات (الصناعية والفلاحية والخدماتية) والتشنج الشعبي الحاد المصاحب لهذا الوضع، ولعل ما حدث مؤخرا في قضية الخطوط الجوية الفرنسية لخير دليل باعتباره مؤشر خطير عن الصدام غير المحيد عنه بين البروليتاريا والباطرونا. 
إنحباس الوضع الاقتصادي والتسريح المصاحب له أدى بشكل طردي إلى إرتفاع مهول في نسبة البطالة التي وصلت إلى حدود قياسية وغير معهودة وإنخفاض خطير في القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي. كل ذلك رافقه سخط قوي في الداخل، جعل النظام السياسي يعرف ضغطا قويا خانقا من طرف الشارع بشكل عام، والمجتمع المدني والهيئات النقابية...بشكل خاص، تجلت في إضرابات شلت قطاعات بأكملها، القطاع الفلاحي كنموذج بحيث أرغم الفلاح الحكومة على إيجاد حلول لمشكلتهم المتعلقة بانخفاض سعر الحليب. الذي تستفيد منه البرجوازية التي تقوم بتصنيعه وتوزيعه بأثمان مرتفعة مراكمة بذلك أرباح خيالية بدون مجهود...
مباشرة بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف الأبرياء، والذي قام به مجموعة من البلهاء. أعلن الرئيس الفرنسي القيام بمجموعة من التدابير الفورية كإعلان حالة الاستثناء، وإقتراح تغيير الدستور الذي سيمكن السلطة التنفيذية من صلاحيات أكبر بدون العودة للمسطرة القانونية المعمول بها وتخطيها للسلطة القضائية. كما إعتبر أن الذي يهم بالإساس هو الحفاظ على الأمن والإستقرار في الداخل حتى لو كلّف ذلك الدخول في حرب ضروس...وهو ما سيترجمه عندما أقر الحرب على "الدولة الاسلامية"، محولا بذلك التسمية التي كانت متداولة الى حدود الآن من "داعش" إلى "الدولة الإسلامية"، متلاعبا بذالك على المخيال الجمعي لمواطنيه الذين يمتلكون تحديدا رمزيا واضحا للدولة وللحرب. وهو بذلك يبحث عن غطاء شرعي لهذا التدخل العسكري بأن أضفى عليه صيغة الحرب كما هو متعارف عليها. أي دولة ضد دولة، موهما الرأي العام أن دولة فرنسا ستدخل في حالة حرب ضد "الدولة الاسلامية". ويذكرنا ذلك بما قام به نظيره جورج بوش عندما أعلن الحرب على الإرهاب، لكي يجتاح بذلك أفغانستان وبعدها وفي نفس السياق العراق، وهو حقيقة كان يبحث عن الموارد الطاقية من جهة وإرادته تحقيق اللحمة الداخلية من جهة أخرى، ونعلم الآن ما آلت إليه الأوضاع وما الخلفية التي كانت متحكمة في تلك الحرب المزعومة.
هي حرب ضد دولة مزعومة ليس لها وجود فعلي بحدود جغرافية واضحة ومؤسسات قائمة...حرب ستفتك بشعوب المنطقة لا محالة. لكنها ستحرك عجلة الإقتصاد المتهالك للإمبريالية الفرنسية لا سواء من خلال خلق الحاجة للتسلح، وما الصفقات التي أبرمتها فرنسا مع قطر ومصر للتسلح بطائرات "الرافال" إلا بدايات التصريف والإنتعاش (هنا يجب الإشارة إلى أن التدخل بطائرات "الرافال" في المنطقة بدأ في السنة الماضية وفي مالي يعود لسنتين). أو من خلال تقسيم الكعكة النفطية للمنطقة مع باقي الإمبرياليات الأخرى، وكذلك للحفاظ على تواجدها الإستراتيجي بالمنطقة. 
بوش الاول وبوش الثاني راحا ينشرا الديموقراطية على ظهر الدبابة فدمرا حضارة بلاد الرافدين وقتلا شعبا بأكمله. ها هو "بوش الثالث" كما أصبح البعض ينعت "هولاند" فخور بإرساله لطائراته تحت يافطة محاربة الإرهاب وهو في الحقيقة يعمل كما قلنا على إنعاش إقتصاده ودخ الروح فيه. حتى تتمكن شركاته العابرة للقارات عند نهاية الحرب المفتعلة من تولي أمر الصفقات للمزيد من الاستنزاف من خلال بناء ما تم تدميره. وبذلك مزيدا من تكريس التبعية الإقتصادية بربط إقتصاديات شعوب المنطقة بالإمبريالية الفرنسية (وحلفائها) وكذلك تبعية سياسية بالعمل على تنصيب أنظمة رجعية، خانعة ومفلسة مرتبطة بالدوائر الإمبريالية. الشكل الأكيد الذي سيؤبد السيطرة الإمبريالية ويحافظ على التقسيم العالمي للعمل لكي يسهل نهب ثروات شعوب المنطقة بأكملها. 
للإشارة فقط، فالهجوم الإرهابي قام به أفراد فرنسيين أو بلجيكيين إزدادوا وترعرعوا داخل هذه البلدان. بمعنى أنهم منتوج لمقاربات سياسية واقتصادية طبقية مجحفة، حالت دون إدماجهم وإندماجهم. وهذا الوضع هو مادفعهم إلى تبني إديولوجية تدميرية قروسطية كمخلص لهم وكتعبير عن رفضهم لهذا الإجحاف في حقهم. كان من الممكن لو إمتلكوا آليات التحليل العلمي أن تجدهم في طلائع النضال البروليتاري ضد حيف البرجوازية، المسؤولة عن ارتمائهم في أحضان الإرهاب الديني.

التوقيع: خليل خليل مناضل من الديار الفرنسية



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق