نشأت المدرسة العمومية كمشروع بديل تحمله الطبقة البرجوازية للتعليم الملحق بالكنيسة والذي كان في مضمونه نقيضا للمشروع المتنور في مرحلة الصعود التاريخي للطبقة البرجوازية في أوروبا الذي جعل من المدرسة التي وضع أسسها
المادية شارلمان ونظر لها روسو وغيره من فلاسفة الأنوار.
إنه بناء ارتكز على توفير الأسس الفكرية والمادية لمجتمع في طور التشكل. فكانت المدرسة العمومية في خدمة الطبقة السائدة وأداتها من أجل إعادة إنتاج أيديولوجيتها وتوفير الأدمغة والسواعد التي تخدم بناء المجتمع البورجوازي.
وعبر مسيرة تطورها تحولت المدرسة إلى أداة واعية تمارس كافة أشكال القمع والتنميط الفكري، وغدت حصنا إيديولوجيا للبنية الاقتصادية والسياسية القائمة توفره الدولة من أجل ضمان استمرارية إنتاج المعرفة العلمية والتقنية وتلبية الحاجات المتزايدة للمجتمع الرأسمالي الذي اقتحمت قيمه هذا المجال بقوة وجعلته قطاعا تجاريا مربحا، وجعلت الاستثمار في تجهيل الشعوب وتأبيد معاناتها عنوانا لاستمرار القبضة الحديدية للمؤسسات المالية الدولية التي تدفع في تجاه فتح التعليم في كل بلدان العالم أمام رؤوس الأموال الراغبة في الاستثمار والربح السريع. وأخذت تملي على مجموعة من الدول وصفات مستعجلة، لغتها الأوامر الصريحة في خوصصة القطاع تحت عنوان التقشف والتخلص من عبئه المالي.
ولعل تقرير سنة 1995 الصادر عن البنك الدولي حول الوضعية العامة بالمغرب ومن ضمنها التعليم، وما تلاه من إجراءات واجتهادات للنظام القائم بالمغرب للشروع في خوصصة القطاع لتنفيذ توصيات ومخططات أسياده الإمبرياليين، نموذج صريح لخضوع وتبعية مكشوفة لأنظمة لاوطنية لاديمقراطية لاشعبية للمؤسسات المالية الدولية.
إنه بناء ارتكز على توفير الأسس الفكرية والمادية لمجتمع في طور التشكل. فكانت المدرسة العمومية في خدمة الطبقة السائدة وأداتها من أجل إعادة إنتاج أيديولوجيتها وتوفير الأدمغة والسواعد التي تخدم بناء المجتمع البورجوازي.
وعبر مسيرة تطورها تحولت المدرسة إلى أداة واعية تمارس كافة أشكال القمع والتنميط الفكري، وغدت حصنا إيديولوجيا للبنية الاقتصادية والسياسية القائمة توفره الدولة من أجل ضمان استمرارية إنتاج المعرفة العلمية والتقنية وتلبية الحاجات المتزايدة للمجتمع الرأسمالي الذي اقتحمت قيمه هذا المجال بقوة وجعلته قطاعا تجاريا مربحا، وجعلت الاستثمار في تجهيل الشعوب وتأبيد معاناتها عنوانا لاستمرار القبضة الحديدية للمؤسسات المالية الدولية التي تدفع في تجاه فتح التعليم في كل بلدان العالم أمام رؤوس الأموال الراغبة في الاستثمار والربح السريع. وأخذت تملي على مجموعة من الدول وصفات مستعجلة، لغتها الأوامر الصريحة في خوصصة القطاع تحت عنوان التقشف والتخلص من عبئه المالي.
ولعل تقرير سنة 1995 الصادر عن البنك الدولي حول الوضعية العامة بالمغرب ومن ضمنها التعليم، وما تلاه من إجراءات واجتهادات للنظام القائم بالمغرب للشروع في خوصصة القطاع لتنفيذ توصيات ومخططات أسياده الإمبرياليين، نموذج صريح لخضوع وتبعية مكشوفة لأنظمة لاوطنية لاديمقراطية لاشعبية للمؤسسات المالية الدولية.
عرف المغرب في بدايات القرن الماضي ظهور المدرسة المستحدثة كأداة للمستعمر من اجل خلق النخب اللازمة من أجل إنجاح المشروع الاستعماري وضمان ازدهاره. وحتى ما عرف "بالتعليم الحر" (وارتباطه بما يسمى "الحركة الوطنية")، بقي نخبويا ولم يكن متاحا للجميع. ومع الاستقلال الشكلي برز طموح الشعب المغربي من أجل مدرسة عمومية للجميع. وتعمق هذا الطموح مع المد الثوري ببلادنا، خاصة في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ليضمن تعليما شعبيا ديمقراطيا علميا وموحدا. لكن رغم ذلك، وفي ظل الانتكاسات وحملات القمع الدموية التي طالت الحركات المناضلة، وعلى رأسها الحركة الماركسية اللينينية المغربية، ظل التعليم يعكس طبقية النظام القائم، كنظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي، يخدم مصالح هذا الأخير وعملاءه وأسياده..
ووسط الحديث عن فشل المخططات السابقة في تمرير القطاع بسلاسة إلى القطاع الخاص ووجود مقاومة تعيق الوصول السريع إلى الأهداف المرصودة قطاعيا أي خوصصة 20 في المئة من القطاع في أفق 2018، تركز معظم التدابير والبرامج على خلق الغطاء المناسب من أجل تمويه العملية تحت شعارات مزيفة من قبيل تنويع العرض التربوي وتجويده وغير ذلك من الإجراءات التي سأتطرق إليها لاحقا.
وقد تجاوزت التدابير ذات الأولوية في إطار تنزيل "الرؤية الإستراتيجية" صيغة التلميح المبطن لخوصصة القطاع وانتقلت مباشرة إلى معالجة العقبات التي تواجه تنزيل "الإصلاح" الموعود من خلال توفير الغطاء السياسي والنقابي الملائم بغية المرور إلى السرعة القصوى في تصفية ما تبقى من مكتسبات ﻷبناء الشعب المغربي في هذا القطاع. وهو ما تجسد من خلال الحبكة المسرحية للمشاورات حول المدرسة التي تكلف المجلس الأعلى بوضع اللمسات الأخيرة على السيناريو الرديء الذي يحاول النظام من خلاله تمرير التعليمات القاضية بخلق المزيد من الشروط المناسبة للرأسمال المحلي والأجنبي لمزيد من الاستغلال والقهر وتأبيد الأمية والجهل وخلق يد عاملة مع حد أدنى من التعلمات، لكن مؤهلة بما يكفي للاندماج في سوق الشغل/النخاسة التي تبحث كل مرة عن المزيد من اليد العاملة الرخيصة، خاصة في ظل تفتح النموذج الاقتصادي بالمغرب على سياسة المناطق الصناعية الحرة.. أما المشاورات السالفة فهي بشكل مفضوح محاولة لإضفاء شرعية مزيفة لقرارات محددة سلفا وغير قابلة للنقاش حتى من طرف النظام نفسه.
فتوجهات النظام واضحة وتعليمات أسياده جلية تصنف التعليم في خانة النفقات غير المرغوب فيها، وما على التابع سوى التنفيذ، وما على أزلامه من نقابات سوى التطبيل للعبقرية التي تفتقت خططا، تارة "ميثاقا وطنيا" وتارة "برنامجا استعجاليا"، ثم "تدابير ذات الأولوية"، فهرولة نحو الخوصصة بأي ثمن وتحت مسميات لا تنتهي. والغائب الأكبر والذي يفضح الجريمة التي تستهدف المدرسة العمومية هو الافتحاص الفعلي، المالي والإداري والتربوي، وإعلان نتائجه للعموم واتخاذ ما يلزم في حق المتورطين في نهب المال العام والمستهترين بحقوق المتعلمين وعموم الشعب المغربي. فأين ربط المسؤولية بالمحاسبة وباقي الشعارات البراقة، مثل الترشيد والتخليق والجودة...؟!! ماذا عن فضائح أكاديمية الرباط سلا زمور زعير وبطلتها المحمية، عضوة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (المسؤولة عن الحكامة)؟!!
وقد تجاوزت التدابير ذات الأولوية في إطار تنزيل "الرؤية الإستراتيجية" صيغة التلميح المبطن لخوصصة القطاع وانتقلت مباشرة إلى معالجة العقبات التي تواجه تنزيل "الإصلاح" الموعود من خلال توفير الغطاء السياسي والنقابي الملائم بغية المرور إلى السرعة القصوى في تصفية ما تبقى من مكتسبات ﻷبناء الشعب المغربي في هذا القطاع. وهو ما تجسد من خلال الحبكة المسرحية للمشاورات حول المدرسة التي تكلف المجلس الأعلى بوضع اللمسات الأخيرة على السيناريو الرديء الذي يحاول النظام من خلاله تمرير التعليمات القاضية بخلق المزيد من الشروط المناسبة للرأسمال المحلي والأجنبي لمزيد من الاستغلال والقهر وتأبيد الأمية والجهل وخلق يد عاملة مع حد أدنى من التعلمات، لكن مؤهلة بما يكفي للاندماج في سوق الشغل/النخاسة التي تبحث كل مرة عن المزيد من اليد العاملة الرخيصة، خاصة في ظل تفتح النموذج الاقتصادي بالمغرب على سياسة المناطق الصناعية الحرة.. أما المشاورات السالفة فهي بشكل مفضوح محاولة لإضفاء شرعية مزيفة لقرارات محددة سلفا وغير قابلة للنقاش حتى من طرف النظام نفسه.
فتوجهات النظام واضحة وتعليمات أسياده جلية تصنف التعليم في خانة النفقات غير المرغوب فيها، وما على التابع سوى التنفيذ، وما على أزلامه من نقابات سوى التطبيل للعبقرية التي تفتقت خططا، تارة "ميثاقا وطنيا" وتارة "برنامجا استعجاليا"، ثم "تدابير ذات الأولوية"، فهرولة نحو الخوصصة بأي ثمن وتحت مسميات لا تنتهي. والغائب الأكبر والذي يفضح الجريمة التي تستهدف المدرسة العمومية هو الافتحاص الفعلي، المالي والإداري والتربوي، وإعلان نتائجه للعموم واتخاذ ما يلزم في حق المتورطين في نهب المال العام والمستهترين بحقوق المتعلمين وعموم الشعب المغربي. فأين ربط المسؤولية بالمحاسبة وباقي الشعارات البراقة، مثل الترشيد والتخليق والجودة...؟!! ماذا عن فضائح أكاديمية الرباط سلا زمور زعير وبطلتها المحمية، عضوة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (المسؤولة عن الحكامة)؟!!
دعت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مجددا "لمشاورات" حول التدابير ذات الأولوية في الفترة ما بين 15 و18 أبريل 2015 حيث اجتمعت مجالس تدبير المؤسسات التعليمية بشكل عاجل لمناقشة جدول أعمال من نقطة وحيدة: "التدابير ذات الأولوية". ولعله من سخرية "الأقدار" أن تعلن الوزارة نفسها في نشرة الشركاء (شركائها الفعليين) في العدد 135عن تمويل/تفعيل حزمة من التدابير المملاة من طرف المؤسسات المالية، ما يجعل الاجتماعات التي عقدت منتصف أبريل مجرد غطاء من أجل إعطاء شرعية مفتقدة لقرارات جاهزة طبخت من قبل تحت ضغط المانحين، حيث كان البنك الدولي واضحا في آخر تقرير له سنة 2015 حول اقتصاديات دول المنطقة المغاربية، حيث رأى في استمرار تمويل قطاعي الصحة والتعليم إحدى معيقات "النمو"، داعيا بشكل مباشر إلى خوصصة ما تبقى من هذين القطاعين. فوتيرة الخوصصة بقطاع التعليم غير مرضية خاصة بالثانوي التأهيلي والإعدادي والذي ترى فيه رؤوس الأموال أرباحا غير مقنعة.
يعتبر قطاع التعليم بالنسبة لرأس المال الأجنبي قطاعا مفتوحا على الربح المضمون. فالسلعة متوفرة (المعرفة) والمستهلك موجود وبكثرة (التلميذ) والآباء مستعدون للدفع مقابل طوق النجاة الذي ينقد أبناءهم من الرداءة التي تقبع فيها المدرسة العمومية ومن غياب الجودة (المفترى عليها)، وهو الشعار المحوري الذي عبر عنه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (المجلس الأعلى للتعليم سابقا) الذي عبر من خلال التقريرين التركيبي والتحليلي عن تصوره الذي يعتبر مدخلا لمزيد من الاختراقات للقطاع الخاص ومزيدا من وضع القطاع رهن إشارة المستثمرين سواء من داخل القطاع أو من خارجه. ولعل أزمة الخصاص الممنهجة وما تخلقه من اكتظاظ وتدمر تستهدف التهجير للتلاميذ نحو القطاع الخاص، وهو ما نجحت في تحقيقه نسبيا في أوساط التلاميذ المنحدرين من عائلات ذات دخل يسمح في حدود ما بالتضحية لانقاد أبنائها. فأقسام المؤسسات العمومية أصبحت تغص بمرتاديها في ظل نقص خطير في الموارد البشرية والذي يتفاقم كل موسم دراسي في ظل السياسات القائمة على تقليص المناصب المخصصة للقطاع وفي ظل فصل التكوين عن التوظيف عبر إصدار المرسومين المشؤومين اللذين يفتحان مصير المتخرجين على العمل بالعقدة من داخل القطاع العام أو الخاص، أي يتم تقديم هدية سخية، مدعمة من جيوب الكادحين وبمصير شبابهم، للقطاع الخاص الذي اشتكى من غياب الأطر المؤهلة للعمل به في ظل صدور مذكرة نهاية الموسم الدراسي 2014/2015 تمنع استقطابه لمزيد من الأطر من القطاع العام. وتنضاف هذه الهدية إلى الإعفاء الضريبي الذي يستفيد منه أرباب المؤسسات الخاصة، في غياب أي تأطير فعلي وأي مراقبة جدية لمدى التزامهم بدفاتر التحملات، رغم المصادقة الشكلية على هذه الأخيرة (وبالمقابل السخي، أي الرشوة والمحسوبية والزبونية...).
ماذا تبقى من سراب مجانية المدرسة العمومية بالمغرب؟
لم تسلم المدرسة العمومية من صيغ ملتوية هدفها الصريح: الرفع من مساهمة الآباء في تكاليف دراسة أبنائهم، كيف ذلك؟
جمعيات الآباء: ميزانية احتياطية (صندوق أسود)...
غالبا ما تكون جمعية الآباء الحائط القصير الذي يتم من خلاله الرفع من مساهمة الآباء في تكلفة التعليم، حيث على الرغم من ادعاء المجانية فإن أغلب مصاريف الصيانة والتجهيز تتم من جيوب الآباء. فغالبا ما يتم طبخ جمعيات كوكوت-مينوت تقوم بجمع مداخل هامة من جيوب آباء وأمهات وأولياء التلاميذ والتلميذات، بالإضافة إلى رسوم خاصة تفوق في أغلب الأحيان 100 درهم وأخرى حسب ما يملى عليها. فهي متحكم في ردود أفعالها وسكناتها تحت مسمى الشراكة تارة وتحت مبرر نقص الموارد المالية وغياب ميزانيات الصيانة أو تعقيدات المساطر، فيتم اللجوء إلى تمويل "الأنشطة" إبان المناسبات المسماة "وطنية" والإصلاحات في البنايات (الزجاج والأبواب...)، وتقوم بتوفير الطابعات والحواسيب وبناء القاعات (التعليم الأولي مثلا، مع أداء أجور "المدرسين" على هزالتها)، ضدا على الأهداف التي تأسست من أجلها، وتصبح بقوة الأشياء مرتعا لمجموعة من المرتزقة المتلاعبين بمصير أبناء الشعب، وأغلبهم منحدرون من الأحزاب السياسية الرجعية وحتى الإصلاحية ومن الجماعات الدينية، وحولوا جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ الى بقرة حلوب بتواطؤ مع سلطات التربية والتكوين (المؤسسة والنيابة والأكاديمية والوزارة) وباقي الجهات المسؤولة، وخاصة "السلطات المحلية".
مشروع المؤسسة استقلالية المؤسسة أم تخل عن تمويل المؤسسة:
يتم الشروع في تعميم مشروع المؤسسة وذلك عبر تغطية إعلامية تعتبره مكتسبا للمدرسة المغربية، بينما هو في الحقيقة خطوة أخرى تعمق تهرب النظام من مسؤولية تمويل القطاع عبر حث المؤسسات على وضع مشاريع والبحث عن شركاء/ممولين/مستثمرين.. وبهذه الطريقة يتم تفويت استغلال القاعات والملاعب الرياضية لجمعيات ربحية تقوم باستغلال بشع لمرافق المؤسسات العمومية.. والمقابل لا شيء، أما الشركاء الذين يتحدث عنهم مشروع المؤسسة فهم الآباء حيث يتكرر الحديث عن مساهمة الجماعات الترابية في تمويل المؤسسات الواقعة تحت إدارتها الترابية أي تمويل التعليم من الضرائب الجماعية التي يدفعها آباء التلاميذ الذين يقطنون نفس الجماعة كما يتم الحديث دون حياء عن استجداء "المحسنين" (تبييض الأموال، ومنها عائدات المخدرات) من أجل تعويض الميزانيات الغائبة، حيث تحت مسمى الاستقلالية المالية للمؤسسات المالية والتخفيض التدريجي لمساهمة الدولة في ميزانيات المؤسسات التعليمية وجعل الميزانيات تحت تقلبات المانحين الوهميين يتم التخلي عن مسؤولية تمويل المؤسسات التعليمية (أنظر التدبيرين 17 و18)... والخطير في الآونة الأخيرة، اللجوء الى كندا لتنزيل مشاريع المؤسسة وفق رؤية "جديدة"/"قديمة" (PAGESM)، تسعى في آخر المطاف الى تأكيد التهرب من المسؤولية (خاصة المالية) ودر الرماد في العيون ("رؤية" ولدت ميتة كتجربة "دفتر التتبع الفردي للتلميذ" وتجارب أخرى لا متناهية). فباسم الاقتراب من القسم/التلميذ (منهجية EPAR) يتم تسويق شعار "مشروع المؤسسة بصفر درهم!!).. دون أن ننسى أن "كلام النهار يمحوه الليل، وكلام الليل يمحوه النهار"، فما يطبق على أرض الواقع خارج مسؤولية المؤسسة المسماة تشريعية، وتنعم الوزارة فيه بمسؤولية تنفيذ التوصيات وتدبير الأمور التقنية والإدارية وتأمين مصالح النافذين (وخير دليل تصريح وزيرة التربية الوطنية، رشيد بلمختار، أمام البرلمان في جلسة الرد على أسئلة النواب خلال جلسة الثلاثاء 17 نوفمبر 2015)، لا يخضع لأي رؤية أو تصور أو محاسبة.. إنه التدبير الارتجالي المحكوم بالتعليمات (المذكرات التنظيمية الفوقية والمفاجئة في أغلب الأحيان...) وبالتستر عن الفضائح (أكاديمية الرباط سلا زمور زعير مثلا).
المناهج التجارية: وجه آخر من أوجه الهجوم على جيوب الأسر..
منذ الشروع في تطبيق مسلسل الإصلاح/التخريب لسنة 2000، تم الاعتماد على تنويع المنهاج التربوي من خلال التصديق على مجموعة من الكتب المدرسية الضعيفة المحتوى والغبية بمنطلقات فكرية غيبية ودينية وخرافية بعيدة عن إعمال العقل العلمي والفلسفي، المنطلق من الواقع المادي، والتي أنعشت سوق الكتاب المدرسي على حساب الميزانية التي تخصصها الأسر للدخول المدرسي، حيث تستنزف ميزانيات ضخمة على كتب دون المستوى ويتم تجديدها عبثا كل أربع سنوات وحشوها بمزيد من الخرافات والأساطير بدل المعرفة التنويرية الغائبة عن أولويات "الإصلاح" الطبقي وفلسفته التخريبية وتكريس التحصيل بالحفظ واعتماد أسلوب "بضاعتنا ردت إلينا" الذي يأسر ملكات الإبداع، والخيال، ويعدم الاختلاف، ويسجن المواهب والمهارات والكفاءات، لإنتاج أجيال طيعة ومؤهلة لقبول العبودية والاستغلال.
البكالوريا "المغربية" (مسالك الدولية)، تعليمهم تعليمنا:
في مقابل نموذج المدرسة العمومية التي تغرق في مزيد من الأزمات توجد مدارس الأعيان، البعثات الأجنبية التي تكرس الطبقية المقيتة في النظام التعليمي الذي يكرس كل مرة عجزه عن توفير تكافؤ حقيقي للفرص والمساواة في الولوج إلى المعرفة، حيث تتم "مترسة" (من المتاريس) الطريق أمام أبناء الشعب لعرقلة الوصول إلى المعرفة العلمية. أما أبناء المحظوظين فلهم تعليمهم الخاص ومسالك دولية في قلب المدرسة العمومية (خيارات فرنسية واسبانية وإنجليزية). إنها "سفينة نوح" من أجل إنقاذهم من الفشل المعرفي المزمن الذي يتم بثه في عروق المدرسة العمومية التي يتم تفكيك أوصالها وبيعها بالتقسيط لسماسرة "المعرفة والعلم". وهو ما يتم تكريسه من خلال التدبير الرابع في الإجراءات ذات الأولوية.
ولتوضيح الأمر أكثر بالنسبة لما يسمى "البكالوريا المغربية، مسالك دولية"، لماذا عدم تعميم المسالك الدولية، خيار الإنجليزية (لا داعي للحديث عن خيار الإسبانية)؟ إن خيار الإنجليزية مطلوب بقوة من طرف تلاميذ شعبة "الآداب والعلوم الإنسانية"، لماذا عدم تعميمه على كافة النيابات، كما هو الشأن بالنسبة لخيار الفرنسية؟ أم ل"ماما" فرنسا يد في "مطبخنا" المريض، في وقت فقدت فيه اللغة الفرنسية مواقعها في لغة العلم والمعرفة حتى في عقر دارها، بعدما تخلت مراكزها المتخصصة في البحث العلمي عن الاعتماد عليها، وخير دليل نشرها لكل أبحاثها العلمية باللغة الإنجليزية. ليبقى التشبث باستعمالها كلغة أساسية في التعليم في البلدان التابعة، مستعمراتها السابقة، ليس له إي هدف غير مصالحها؛ وليس له أي مدلول سوى الانصياع والتبعية المطلقة.
التدابير ذات الأولوية:
لقد تم تفصيل التدابير ذات الأولوية على مقاس المصالح الطبقية للنظام وزبانيته. فيقوم التدبير الأول على التركيز على المعارف الأساسية في الكتابة والقراءة والحساب خلال السنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائيّ؛ ثم إدماج المعارف المهنية والتأهيل المهني ابتداء من السنة الخامسة ابتدائي، والتعليم الإعدادي (السنة أولى) انطلاقا من السنة الدراسية 2015/2016، فما الذي يعنيه مثل هذا الإجراء؟ أليس إعلانا للنوايا لجعل النظام التعليمي في خدمة سوق الشغل/النخاسة المعتل؟ كما يتناول التدبير الثاني موضوع الرفع التدريجي لعتبات النجاح من مستوى لآخر كآلية تهدف الترويج مستقبلا، الترويج والدعاية لأرقام ونسب شكلية في التعميم ومحاربة الهدر المدرسي لدر الرماد في العيون، في وقت تقول فيه المعطيات الرسمية، بغض النظر عن ما يشوبها من اختلالات، أن قرابة 370 ألف طفل يغادرون المدرسة سنويا، وأكثر من مليون طفل يتراوح عمرهم ما بين 9 و14 سنة خارجها. لكن السؤال الفعلي هو ما مصير ضحايا سياسة مدرسة النجاح "المقدسة" بعد سقوط قدسيتها وتناسي الضجة التي حملتها في إبانها؟ ألم يتم قذفهم إلى مستويات أعلى دون مراعاة مستوى قدراتهم التعليمية للمواكبة في أقسام عليا، وذلك بمبرر "إكراهات" الخريطة المدرسية؟ إنها سياسة/جريمة التعميم الشكلي للتعليم الابتدائي، حيث ركز واضعو ذلك التصور على الرفع من المؤشرات التقنية (الأرقام) عبر ارتكاب جريمة في حق عشرات الآلاف من المتعلمين الذين يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة مقاعد الدراسة مبكرا بعد استيفائهم لعدد السنوات المسموح بتكرارها خاصة بمستوى الثالثة إعدادي الذي أصبح كابوسا يؤرق التلاميذ والأسر. فالتلميذ الذي يتم الزج به بهذا المستوى ببساطة يكون أمام خيارين، إما استدراك الثغرات التي خلفها الانتقال بين المستويات من دون عتبة أو البحث عن مسارات أخرى غالبا ما تكون الشارع أو التكوين المهني، مستوى التأهيل (الشارع المقنع). وهو ما يفسر التدبير الخامس، والذي يركز على خلق مسارات مهنية من أجل خلق قنوات مباشرة لتوفير شريان يغذي حاجيات مصاصي العرق والدم من أرباب الشركات والمقاولات، سواء المحلية أو متعددة الاستيطان، وهي المسالك التي تم توصيفها بكونها غير قارة وتخضع لمنطق الحاجة المعبر عنها من طرف شركاء معينين تكون لهم اليد الطولى في تصميم برامج التكوين وتحديد مواصفات المكون/السلعة الذي يريدونه/ها. وكالعادة، يتم تقديم هدية أخرى لسوق الكتاب المدرسي تحت الذريعة المكشوفة "مراجعة" المناهج، والتخلي بالتالي عن تلك المحدثة سابقا.
ويعد ما يسمى ب "البكالوريا المهنية" آلية مكشوفة للتعبئة لفائدة التكوين المهني، بما يوفر اليد العاملة "المؤهلة" والرخيصة، خاصة وفقدان الثقة في "مخرجات" هذه الإمبراطورية (الصندوق الأسود) "المتمردة" والخارجة عن سيطرة السلطات الوصية (وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني)..
ويتم الآن تفريخ وتسويق واحتضان العديد من البرامج والمشاريع الهادفة الى غسل دماغ التلاميذ وإعدادهم الى سوق الشغل (بعيدا عن الوظيفة العمومية) كأطر صغيرة ومتوسطة تضمن استمرار الخدمة الرخيصة للرأسمال العملاق (القطاع الخاص). ومن بين هذه البرامج الجهنمية المفضوحة مؤامرة نشر "ثقافة" المقاولة و"الحس" المقاولاتي بالمدرسة العمومية، عبر قناة الأندية التربوية (النادي المقاولاتي)..
إنها جرائم ترتكب في حق أبنائنا تحت مختلف المسميات.. فمن المسالك الدولية، خاصة خيار "ماما" فرنسا الى البكالوريا المهنية، هذه الأخيرة التي لا يهمها سوى الاستقطاب دون توفير الشروط الدنيا للدراسة والمواكبة.. ومن التوزيع العشوائي للأقطاب المحدثة (القطب الصناعي والقطب الخدماتي والقطب الفللاحي) الى غياب الداخليات وهشاشة البنيات التحتية واعتماد تجهيزات غير ملائمة ومغشوشة مع ضعف الموارد البشرية (وبعضها غير مؤهل) والبعد الجغرافي بين المؤسسات التعليمية المعنية بالبكالوريا المهنية ومؤسسات التكوين المهني..
أما على مستوى بنية الاستقبال، فلا جديد يذكر سوى الحديث عن التخلص من البناء المفكك (7000 قسم) والذي دشنت الوزارة عبر تصريحات بلمختار حملة إعلامية واسعة تكشف مخاطر تلك الأقسام التي تجاوز عمر معظمها الصلاحية المحددة في 15 سنة ويزيد (في أغلب الأحيان عن ثلاثين سنة)، حيث كشف الوزير من خلال مداخلاته المتعددة عن تسبب تلك الحجرات في مرض السرطان لمرتاديها بسبب مواد تستعمل في بنائها، فتم الشروع في تفكيك الأقسام دون تعويضها أو إعطاء حلول من أجل تجاوز الاكتظاظ الناتج عن إزالتها. وعوض ذلك، تستمر الوزارة في سياسة تفويت مجموعة من المؤسسات إلى القطاع الخاص والتماطل في فتح مجموعة من المؤسسات بدعوى الخصاص في الأطر التربوية..
إن المتتبع للقرارات التي اتخذتها الوزارة تحت غطاء التدابير ذات الأولوية في إطار الرؤية الإستراتيجية (2015/2030)، يكاد يصاب بالدوخة نتيجة المذكرات والمراسيم المتعاقبة في ظرف زمني وجيز. فبعد تقليم أظافر الحركة النقابية من داخل قطاع التعليم (قطاع التربية والتكوين)، تم اتخاذ مجموعة من القرارات تمهد لتطبيق العمل بالعقدة الذي يجعل تدبير الموارد البشرية بالوزارة يدخل عهدا جديدا من تقليص الترقيات والتحكم فيها وتقليص الموارد البشرية واستعبادها، على الرغم من الحاجيات والخدمات المتزايدة لقطاع التعليم. كما أن المرسومين المتعلقين بفصل التكوين عن التوظيف يشكلان مدخلا لتفعيل العمل بالعقدة ومراجعة وضع كافة الموظفين؛ إضافة إلى الخصاص المتعمد الناتج عن تقاعد الآلاف من المدرسين الذين تم تمديد فترة عملهم قسرا وجورا (ورغما عنهم وعن "القانون" وعن "الحق" وعن "الأخلاق"...) عبر إصدار قرار وزاري بالاحتفاظ بهم إلى غاية نهاية شهر غشت من كل سنة. كما أن قانون المالية لسنة 2016 حدد عدد المناصب المالية المخصصة للقطاع في 8000 منصبا، وهو العدد الذي لا يغطي سوى ثلثي عدد المتقاعدين سنويا، لينضاف الثلث سنويا لرقم الخصاص الذي يتعمق سنويا مع تنامي الحاجيات من الأطر التربوية، حيث يزداد عدد التلاميذ سنويا فيما يتوسع رقم الخصاص المهول، لتلجأ الوزارة إلى سياسة الضم والتكديس ﻷبناء الشعب المغربي في حجرات/"أكياس بطاطس". ولعل حديث وزير التعليم مؤخرا للصحافة يوضح النكبة التي تعيشها المدرسة العمومية، معتبرا تكديس أزيد من 70 تلميذا بحجرات التعليم الابتدائي أمرا واقعا، وضم المستويات قدرا يجب التعايش معه عبر دعوة المدرسين إلى التفكير في إبداع بيداغوجيا، سماها بنبوغه المعتاد في الضحك على ذقون المغاربة ب"بيداغوجيا" المستويات المتعددة، وهي الظاهرة التي استفحلت بشكل كبير وخطير، خاصة بالمناطق النائية والمنسية (غير النافعة)، حيث يتم ضم كل مستويات التعليم الابتدائي في حجرة واحدة وبمدرس وحيد وواحد...
"بيداغوجيا الإدماج" بيداغوجيا التيه:
مباشرة بعد تولي محمد الوفا (الوزير المهرج) لمسؤولية قطاع التعليم سنة 2011، تم تعليق وبمزاجية، العمل ببيداغوجيا الإدماج. وتبين فيما بعد أنها مجرد خدعة/حيلة/مؤامرة من أجل ابتلاع الملايير التي رصدت للتكوينات الوهمية والشكلية التي أشرف عليها كزافييه روجيه الذي اتخذ أبناءنا فئران تجارب (COBAYES) والمدرسة المغربية مختبرا لتحقيق أطماع المعمرين الجدد ومول بسخاء وتحت رعاية النظام مغامراته النظرية التي غلفها بسعيه إلى تقريب التعلمات إلى الواقع المعيش عبر خلق قنوات للاندماج الأفقي للمعارف وفتحها على الوسط السوسيو-اقتصادي حسب تعبيره.. وقد انخرطت الوزارة في سعيه عن سوء نية، ليتبين فيما بعد أن تلك التكوينات لم يتم إنجازها (بالكامل)، بل تم اختلاس معظم تكاليفها.. لتقوم السيدة الوزارة بسحب تلك التكوينات وتكميم الأفواه التي تفضح ناهبي تلك الميزانيات، حيث تستمر محاكمة بعض الأطر التي سربت مكالمات هاتفية تفضح الطريقة التي تم التعامل بها مع الميزانيات المرصودة للمخطط الاستعجالي الذي ابتلع الملايير دونما إحداث أي تغيير على مستوى القطاع؛ اللهم الزج به في عمق الحفرة المميتة وإغناء الموظفين الفاسدين الذين يتحكمون بزمام القطاع بباب الرواح وبالشبكات الجهوية (الأكاديميات) والمحلية (النيابات) المرتبطة بهم. ليتضح أن الارتباك في الاختيارات البيداغوجية الفوقية والسطحية والنغمة الدورية المكرورة حول أزمة المدرسة العمومية، لا يفارقها بعد النهب والفساد المستشري منذ قبضة المعمرين الجدد المتحكمة في مصير هذا البلد "غير السعيد"..
إنه من السذاجة الاعتقاد بسعي النظام إلى إصلاح المنظومة التربوية من أجل مصلحة أبناء الشعب (وإن كان العكس فلم يعزى العجز عن التعميم وتكريس الإقصاء والتجهيل والهدر المدرسي وبطالة حاملي الشهادات...؟). إن مشروع المدرسة العمومية يعكس التوجهات العامة للنظام (هو انعكاس لطبيعة المجتمع المنشود بناؤه) الذي يضعه معبرا (TREMPLIN) لتكريس سيادته الطبقية وهيمنته السياسية، وبالتالي فالمدرسة العمومية، رغم ذلك، ليست سوى حقلا/مشتلا للطبقة/الطبقات السائدة سياسيا واقتصاديا لإنتاج وإعادة إنتاج الخدام الطيعين. وفي المجتمعات التبعية تغدو المدرسة ملحقة من أجل تيسير نمو مشروع الاستغلال والاضطهاد القائم والمبني على التبعية للمؤسسات المالية للإمبريالية التي تتبنى خطا واضحا بخصوص قطاع الخدمات الاجتماعية خصوصا، وتعتبر مجانيتها من مخلفات حقبة الحرب الباردة وصراع المعسكرين الذي تعتبر نفسها قد ربحت رهانه وأخذت في الزحف على المكتسبات الاجتماعية للشعوب وعلى رأسها الحق في التعليم والصحة والشغل.. وهو ما تعكسه توجيهاتها التي تجعل استثمار المدرسة العمومية في بناء أسس الدولة الوطنية معرفيا وتقنيا، مهمة مستحيلة دونما التخلص من النظام القائم، وبالضرورة من التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للنظام الإمبريالي ومؤسساته.. إنه المشروع النقيض للمدرسة القائمة، بل هو مشروع إسقاط التعليم الطبقي القائم.. وهو مشروع لا ينفصل عن مشروع انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.. فلن يخرج أي مشروع للإصلاح، اليوم أو غدا، عن سكة الزحف على تدمير المدرسة العمومية، بمعناها الإيجابي (الشعبي)، وتوفير فرص الاستثمار على أنقاضها، مادام النظام القائم قائما...
شارك هذا الموضوع على: ↓