تشهد مجموعة من مواقع الانتاج هجوما كاسحا على الطبقة العاملة وصل حد الطرد التعسفي والتسريحات الجماعية كما هو الشأن وسط عمال الصلب، عمال
القطاع الفلاحي بالجنوب، وعمال الموانئ، وعمال المنطقة الحرة بطنجة، ولاسمير بالمحمدية التي تمت تصفيتها بشكل نهائي، وعمال القطاع المنجمي...، وهذا الأخير يشهد يوميا هجوما شرسا على العمال من طرف الباطرونا في كل مواقع الانتاج، فمن عمال سيمسي بخريبكة، وعمال الفوسفاط مرورا بعمال منجم أقا بطاطا للذهب، عمال منجم اميضر للفضة، عمال منجم بووازار للكوبالت، عمال مناجم النحاس والزنك بمراكش ... الى منجم النحاس بجبل عوام بمريرت، هذا الاخير الذي تعيش فيه الطبقة العاملة مأساة حقيقية نتيجة هجوم الباطرونا على مكتسباتهم في ظل شروط العمل أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها جد مأساوية.
فبعد مجموعة من المعارك النضالية المريرة التي خاضها العمال في هذا المنجم وعلى الخصوص المعركة البطولية سنة 1992، حيث خاضوا هاته المعركة باعتصام مفتوح واضرابات بطولية عن الطعام في الباطن أي تحت الارض “le fond"، مرورا بمحطات أخرى كمعركة 2008، ها هم اليوم يعيدون رسم التاريخ من بابه الواسع، حيث قرروا الدخول في معركة من نوع خاص ترتبط بالوضع الذاتي لحركتهم وفعلهم النقابي, وهي معركة جندت لها الباطرونا اتباعها من أشباه النقابيين تابعين للاتحاد المغربي للشغل كما جند العمال من جهتهم مزيدا من العزم والاصرار. معركة أطلق عليها احد العمال وبعفوية اسم "نقابة العمال ضد نقابة الادارة”. بهذه العفوية البسيطة نجد دلالة عميقة عمق الصراع ذاته بمناجم "عوام" و "اغرم اوسار" و"سيدي احمد", انها معركة ضد الوضع المزري الذي يعيشه العمال في المنجم وضد الانتهازية والبيروقراطية في العمل النقابي، بدأت اشواطها بانكشاف حقيقة مكتبهم النقابي التابع للاتحاد المغربي للشغل الذي انخرته الانتهازية حد التخمة, مكتب كان بعيدا عن همومهم وقريبا من مصالح الادارة، لدرجة ان الادارة تشبتت به اكثر من العناصر المشكلة له. ليس المكتب وفقط من تواطأ مع الادارة، بل حتى الاتحاد الاقليمي للاتحاد المغربي للشغل الذي عمل الى جانب الادارة على عرقلة اي فعل من شانه تجديد المكتب وتغيير دمائه, وجذير بالذكر ان هذه المكاتب وعلى مر السنين لم يكن لها اي دور سوى الوساطة المنحازة للادارة وعرقلة المعارك قبل اي ارهاص لنضج الصراع, فكلما احست الادارة بخطر تطور الوضع الا وسارع المكتب الممثل زورا للعمال الى كبح الحركة وتوجيهها نحو افق مسدود، وهذا طبعا عملا بتوجيهات المدير العام للشركة الام الذي اعلن وبشكل صريح انه يريد هدنة مدتها اربع سنوات. هدنة لا يمكن ان يحققها له سوى مكتب خنوع تابع ومرتشي وبيروقراطية كابحة اقليميا ووطنيا.
هذا الوضع المتعفن الذي اصبحت رائحته تخنق العمال وتغرقهم في ظلمات الاستغلال البشع، كان من الطبيعي، و بالضرورة، ان ينفجر، وان يفرز رد فعل من العمال ذاتهم، عنوانه التصدي للانتهازية. وامام تشبت الاتحاد الاقليمي بالمكتب المتهاوي ودعم الادارة له لم يجد العمال من بديل الا تغيير الاطار النقابي, بوعيهم، كما باقي المناضلين، ان كل الاطارات النقابية تنخر عودها الانتهازية والبيروقراطية بحيث لن تجد في القنافذ أملسا. الا ان هذا لم يحبط من عزيمة العمال للتصدي للانتهازية بقرارهم تشكيل مكتبا يمثلهم فعلا ويترجم ما يقرروه وليس ما يقرره هو وان يتحكموا هم في مصيرهم و مسارهم و خط معركتهم.
وبعد اخد ورد بين المكتب والعمال، وجه العمال اول الامر تفكيرهم نحو ك-د-ش (الكنفدرالية الديمقراطية للشغل)، الا ان يد هاته الاخيرة لم تكن ممتدة بما فيه الكفاية لغرض في نفس يعقوب, ليستقر الحال بهم في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب, طبعا وجود مكتب جديد لا تربطه اي صلة بالادارة يلتف العمال حوله سيؤرق بال العديد ممن تتناقض مصالحهم مع مصالح العمال، ليسجل اول رد فعل من انصار الشركة بتوزيع استمارات على العمال قصد زعزعت اختياراتهم من جهة واحصاء الراغبين في التغيير من جهة اخرى. بعد ان تيقنت الادارة ان عدد كبير من العمال المرسمين منهم والتابعين لمقاولتي كولدمين وتيكترا (الوسيطتين) قد اختاروا، رغم المضايقات، المكتب الجديد، التجأت الى اسلوبها المعتاد الخبيث بالانتقام من المنخرطين الجدد بتحويلهم من مراكز عملهم الاولى نحو مراكز اكثر شقاءا لا لشيء إلا لأنهم رفضو الانصياع لإرادتها. والآن لم يعد الموضوع مرتبط بمطلب جزئي وخبزي بل المطلب هو الحرية النقابية والحق في العمل النقابي وهو الكفيل بالدفاع عن مصالحهم بالنضال الحقيقي ضد كل من شركة تويسيت والمقاولات التابعة لها.
وبالفعل أسس العمال مكتبهم النقابي الجديد وقاموا بإجراءاتهم القانونية الا ان الجهات المعنية لم تمد العمال لحد الساعة بوصل الايداع.
كل هذه التراكمات ستفضي وبشكل موضوعي الى انكشاف الصراع وخروجه للعلن من الجانبين. فمن جانب العمال قدموا ملفهم المطلبي للادارة ويشمل مطالب المرسمين وعمال الوساطة التابعين للمقاولتين المناولتين، ومن جانب آخر الادارة التي لم تدخر جهدا في استفزاز العمال خاصة المناصرين للمكتب الجديد. واول الضحايا هو العامل (اب-ع) الذي يعاني عاهة مستديمة سببها حادث شغل بالمنجم قبل سنوات. ومنذ ذلك الوقت أوكلت إليه مهام تراعي حالته الصحية، اذ كان يقوم بجمع البقايا من الغار ونقلها، فهو كما يحكي العمال لا يستطيع الصعود بالدرج. ولما وصل خبر انضمامه للمكتب الجديد فوجئ يوم الجمعة بتكليفه بالهبوط للحفر، وهو ما لا يتماشى ووضعه الصحي. سجل هذا العامل رفضه وقوبل احتجاجه بتوقيفه لمدة ثلاثة ايام, رد فعل الادارة قوبل على الفور برد العمال، اذ مباشرة اعلنوا تضامنهم معه وتشبتهم بمكتبهم النقابي الجديد من خلال التوقف عن العمل والاعتصام في كل من بئر “Puit” اغرم اوسار وكذلك بئر “Puit” سيدي احمد ابتداءا من يوم الجمعة 25 مارس حيث قرروا الاعتصام الجماعي من الساعة السادسة صباحا إلى الخامسة مساءا كل يوم رافضين العمل الى حين تراجع الادارة عن هذا الاستفزاز. وقد عرف الاضراب مشاركة اغلب العمال رغم الترهيب الذي قوبلوا به.
ولحدود الان مازال اضراب العمال قائما.
حالة اخرى من الاستفزاز الذي يطال العمال لاختيارهم النقابي هي حالة العامل (م –عك) كما صرح به عضو بالمكتب الجديد، اذ اصيب بكسور في رجله ولم تكلف الادارة عناء اخده للمستشفى فقط لانه اختار الانضمام الى صفوف العمال. و في نفس السياق وقع حدث آخر يؤرخ لهمجية الشركة، وفق تصريح أحد العمال، ان عاملا انهارت عليه الاتربة حد العنق اكتفت الادارة بأخده للممرض المرابط بالمنجم فقط، ثم بعد ذلك نقلته سيارة تابعة للشركة الى قرب الثانوية، أي بعيدا عن سكناه، ليكمل المسيرة على قدميه الى منزله وهو منهك القوى.
ان الحالات الثلاث السالفة الذكر تعفينا عبئ التحليل فهي دالة اكثر من الدلالة ذاتها. وامام صمود العمال ادخلت الشركة مندوبية الطاقة والمعادن كطرف للدفاع عن مصالح الباطرونا. ودعى هذا الأخير العمال يوم السبت 26 مارس لللمثول/الحضور لمدينة خنيفرة من أجل الضغط على عليهم ومطالبتهم بالتراجع عن المعركة، وكذلك لامتصاص الغضب وخلق خيطا ما يوصل الشركة الى قلب العمال بعدما تلاشى الخيوط القديمة.
فلا قيادات الاتحاد المغربي للشغل، ولا قيادات الاتحاد العام للشغالين جهويا ووطنيا، يمكنهما ان يناضلا أو يقفا إلى جانب العمال، فصمود وعزيمة العمال هي الوحيدة الكفيلة والقادرة على تحقيق كل الملفات المطلبية ضد الباطرونا، وضدا على القيادات النقابية البيروقراطية محليا ، جهويا ووطنيا.
فبالصمود وعزيمة التحدي و الاتحاد والنضال المرير ستتحرر الطبقة العاملة من غطرسة رأس المال.
سيظل الانتهازيون يتحكمون في مصيرنا ما لم نقطع الطريق عليهم وما لم نجعل النضال عنوانا لكل نشاطاتنا.
عاشت نضالات الطبقة العاملة
وكل الدعم لمعركة العمال .
مغرب النضال والصمود: من أجل بديل جذري
28 مارس 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓