الميداني للمعطلين بكلميم الذي أستقبلته على التو؟ إن جرائمكم لا تنتهي.. إنكم قتلة..
على طريقة البوعزيزي شهيد الثورة التونسية، تنضاف إلى قافلة شهداء الشعب المغربي شهيدة اخرى، السيدة فتيحة المعروفة وسط معارفها وجيرانها ب"أمي فتيحة"، امرأة أرملة تبيع "البغرير والحلوة" كبائعة متجولة، بمدينة القنيطرة بحي "بيرامي" لتعيل بنتها وأباها الكفيف.
فهي واحدة من الفئات المضطهدة والمقهورة والمهمشة كإفراز لمجتمع يسوده النهب لخيراته ليل نهار من قبل وكلاء الاستعمار. فئة تعيش على إيقاع حملات المطاردات والمنع التي يشنها النظام في شخص ممثلي السلطات المحلية وأعوانهم والقوات القمعية، مع المصادرة لسلعهم. وهي حملات تهدف لخنق الاقتصاد المعيشي أو ما يسمونه في قاموسهم بالاقتصاد غير المهيكل لتأمين ما يسمونه بالاقتصاد المهيكل/النهب المحمي وتتصاعد بشكل هستيري هذه الحملة مع أي زيارة للمسؤولين الكبار وبالأخص رئيس الدولة من أجل تكريس الهبة والخوف في نفوس المضطهدين.
وهكذا جاءت هذه الحملات التمشيطية بمدينة القنيطرة ايام قليلة قبل تنصيب عامل الإقليم وكذلك لتهيء الأجواء للزيارة المرتقبة للكمبرادور للمدينة. الشيء الذي جعل ممثلي النظام في شخص القائد والمقدمين و المخازنية، يوم الأربعاء 13/04/2016، يشنون هجوما بربريا مستعملين العنف والقوة المفرطة في حق الباعة المتجولين في مكان تواجدهم بالسوق ومطاردتهم في كل الاحياء و الأزقة، ومن هنا ابنتدأت حكاية "أمي فتيحة" كما ترويها ألسنة الساكنة بكل براءة وبكل تلقائية وعفوية لأنها حقيقة حية وليس اصطناع وتزوير كما هو معتاد في أوساط صناع المآساة وحماتها.
والقصة تقول أن "أمي فتيحة" وقعت في قبضة عصابة النظام المكلفة بالمطاردة للباعة المتجولين وتم تعنيفها وضربها بطريقة همجية و مصادرت ممتلكاتها ونقودها من طرف المقدمين و المخازنية لا لشيء إلا لأنها إمرأة فقيرة أرملة لفضتها قساوة الحياة الصعبة والمعانات اليومية إلى الشارع للبحث عن لقمة العيش. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم تعنيفها بهذا الشكل، وبعد الإعتداء عليها ومصادرة ممتلكاتها و نقودها من طرف المخازنية و المقدمين، بقت مصرة على إرجاع نقودها وممتلكاتها التي تم السطو عليها، لكن دون جدوى، فتم وضع سلعتها في سيارة "اصطافيط"، لكن الضحية وبكل إصرار و عزيمة بقيت بمكان وقوع الجريمة أمام السيارة، من اجل استرجاع سلعتها التي تمت مصادرتها في إنتظار مجيء قائد المقاطعة إلى عين المكان.
وعند وصول هذا الأخير إلى مكان الحادث طلبت منه الضحية بإرجاع سلعتها و نقودها ولكنه تجاهل الامر، ووضع سلعتها في سيارته، فقالت له إنتظرتك من أجل أن ترجع لي سلعتي ونقودي وتنصفني ولكن فعلت العكس صادرت سلعتي..، فتوجه إليها وضربها بقوة فأسقطها ارضا بطريقة همجية امام مرأى الجميع وقال لها إن لم تستحيي سأدهسك بالسيارة وساسجل ضدك "12 شاهد".. وذهب في حال سبيله، ورغم كل هذا بقيت الشهيدة صامدة من أجل إسترجاع ما سلب منها بمكان وقوع الجريمة، إلى أنها تفاجئ بسيارة اصطافيط متجهة صوبها فتم وضعها لوحدها بداخلها، فتحركت في إتجاه المقاطعة ليمارس عليها شتى أنواع العنف بكل همجية من طرف قائد المقاطعة وأعوانه لتبقى آثار التعديب الوحشي بادية عليها، مما فجر لديها الاحساس ب"الحكرة" والاحتقار والظلم الذي مورس عليها من طرف هؤلاء المجرمين والقتلة، وبعدما سدت كل الأبواب في وجهها قامت بإضرام النار في جسدها امام مسمع ومرأى من الجميع داخل المقاطعة، والخطير في الأمر ان هناك شريط فيديو مصور صوت وصورة داخل المقاطعة، حيث ان هناك مواطنين كانوا بعين المكان ولاحظوا الضحية تحترق، وكيف لم يتم إنقاذها من طرف المجرمين والقتلة الذين صادروا سلعتها ونقودها والأكثر من ذلك وأمام بشاعة الجريمة تقدمت سيدة بكل عفوية بدافع الاحساس النبيل وهي متأثرة بمشهد الاحتراق داخل المقاطعة متوجهة صوب احد المسؤولين بالمقاطعة وطلبت منه تقديم ما يساعدها لانقاد الضحية فرفض وأغلق الباب في وجهها و ترك الضحية تحترق ببشاعة.
وللتملص من الجريمة تم نقل الضحية إلى المستشفى وهي على أبواب الشهادة ليستمر مسلسل معاناتها من طرف هؤلاء المجرمين حتى داخل المستشفى حيث لم يتم إنقادها من الموت ولم تقدم لها الإسعافات الاولية من طرف المسؤولين رغم حالتها الخطيرة وبقيت تحتضر لساعات إلى أن لفظت أنفاسها، لتسقط شهيدة. الشيء الذي يبين تورط النظام القائم في قتل الشهيدة فتيحة بدم بارد لتبقى وصمة عار في جبين كل من شارك في هذه الجريمة الشنعاء. وتخلف لنا لغز السؤال الحقيقي والعميق وهو كيفية العمل لجعل المقهورين الذين لا يشعرون بوجودهم المتحقق أن يسهموا في تطوير المعركة الطبقية لهدف تحررهم وتحرر شعبنا من قبضة هؤلاء المجرمين القتلة؟
فالحرية مخاض عسير ومؤلم يبدأ عند ادراك حقيقة الاضطهاد والاستغلال والوعي بأنهما مجرد عقبة يمكن تجاوزها وتحطيمها بوجود، أو بناء، قوة فعلية للمستغلين والمضطهدين والمهمشين، تحرك عملية النضال، باعتبارهم النقيض المضاد لوجود حفنة من القاهرين محميين بأداة قهر وقمع طبقي. سيتولد عن هذا المخاض انسان جديد انسان مقاوم لا يهاب خوض التحدي المفتوح في وجهه من قبل المستثمرين في مآسيه، إنسان يهب حياته للحرية والكرامة وتحرر الانسانية من قبضة القهر والاضطهاد.
17 أبريل 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓