تقديم:
قطفوك باكرا كما قطفوا وقتلوا منذ الأزل خيرة أبنائك شعبنا البطل؛
قطفوك باكرا خوفا من أحلامك/أحلامنا.. أحلام شعبنا البطل..
قتلوك وأنت في بداية مشوار حياتك شامخا عنيدا تحب الحياة، تحب أبناء شعبك البطل..
قتلوك.. قتلوك خوفا من آفاق نظراتك وعيونك
قتلوك لأنك أكبر منهم وأنك تحب الحياة الكريمة..
قتلوا جسدك النحيف وأزهرت وردا ونضالا ورصاصا..
أزهرت وتدفقت كوادي تامدا بزاوية الشيخ وسقيت أرضها حبا ووردا وأشجارا ونضالا
أبديا.. أنت، أنت أيها الشهيد. أبدي أنت، لان أرض وأهل زاوية الشيخ والقصيبة يتذكرونك. وسيأتي اليوم الذي سننصب تمثالك شامخا بساحتي المدينتين. أنت الذي وهبت حياتك من اجل قضية شعبك. لن ننساك مهما طال زمر النظام القائم على جراحنا وجراح شعبنا البطل.
انتفضت، انتفضنا ضد نظام قاهر مستبد ووحشي، وسجلت اسمك في التاريخ، والى الأبد. سجلت اسمك وأنت في مقتبل العمر والعطاء. إنهم حقا مجرمون، وجريمة قتلك في سجنهم ببني ملال لن يطالها التقادم. إن التاريخ لن يرحم، وسيأتي يوم الفجر يوم حرية شعبنا.
انتفضت، وانتفض وسينتفض شعبك أيها البطل عبد الحكيم المسكيني..
انتفض وسينتفض شعبنا أيها البطل، لاقتلاع نظام الاستغلال الطبقي لشعبنا..
تحل ذكرى استشهاد الرفيق عبد الحكيم المسكني وكلنا أمل جد وعمل لتحقيق حلمك أيها الشهيد، حلمنا، حلم شعبنا في اقتلاع الفقر والاستغلال عن شعبنا ووطننا الجريح..
إننا أيها الشهيد لسائرون بثبات رغم البطش والعطش والألم والغدر..
سنحول أحزاننا ودموعنا في فقدانك وفقدان سائر الشهداء الى حرية شعبنا من بطش النظام وأزلامه..
المجد والخلود لك أيها الشهيد ابن ارض معطاءة خصبة بتراثها النضالي وبتاريخها وصمودها في وجه الاحتلال المباشر والغير المباشر...
نشرت سابقا الأوراق التالية حول الشهيد بموقع الحوار المتمدن:
الورقة الأولى:
تعريف
حكم الشهيد ب8 (ثمانية) أشهر سجنا نافدا وغرامة مالية قدرها 600 درهم، كما هو الشأن بالنسبة لمجموعته المكونة من ثمانية معتقلين سياسيين من القصيبة بمناسبة الانتفاضة الشعبية في يناير 1984، أغلبهم تلاميذ ثانوية طارق ابن زياد، باستثناء أستاذ واحد كان يدرس بثانوية موحى وسعيد.
كانت شروط السجن شديدة القسوة وفظيعة جدا. انهار جسم الشهيد في شروط تنعدم فيها ابسط شروط الحياة داخل السجن، رغما عن المعتقلين السياسيين الذين ظلوا يطالبون إدارة السجن بتحسين أوضاعهم.
استشهد عبد الحكيم المسكيني يوم 19 يوليوز 1984، جراء انتقام إدارة السجن ببني ملال من المعتقلين السياسيين وتماشيا مع التعليمات على الصعيد الوطني، حيث لم تقدم حتى
الإسعافات الأولية للشهيد لإنقاذ حياته، رغم وضعه الصحي المتدهور حسب شهود عيان.
كان الشهيد نشيطا في الحركة التقدمية للتلاميذ بالقصيبة موحى وسعيد ومنخرطا في الحياة الاجتماعية والثقافية للثانوية.
اعتقل وعذب وحكم عليه نظرا لنشاطه النضالي وديناميته في صفوف الطلاب بالثانوية. قطفته أيادي النظام الغادرة مبكرا وهو في مقتبل عمره واغتالته بالسجن المحلي ببني ملال.
ارتح يا شهيد، سنواصل الطريق...
الورقة الثانية:
البحث عن الشهيد عبد الحكيم المسكني
بعد فترة غياب ليست بقصيرة، بعد شوقي لأحبائي وأصدقائي ووطني، قررت السفر أخيرا إلى المغرب بمناسبة رأس سنة 2012.
تأخرت الباخرة عن موعدها، لتعلن بذلك سلسلة من المتاعب الشاقة رافقتنا إلى اليابسة - أرض المغرب- وحتى عودتنا.
مزحت جارتي الفرنسية بالباخرة قائلة: هذه هي طريقة الاستقبال بالجنوب.
لم يمنعنا ذلك من الفرحة والاستمتاع بالبحر، بالأرض، بالجو وبلقاء الأحباء…
دامت الإجراءات الجمركية وغيرها ذهابا أربع ساعات ونصف ودامت إيابا أربعة عشر ساعة في غياب تام لأدنى الخدمات (مراحيض، فضاءات الاستراحة، الاستقبال والإرشادات... الخ). كل هذا بميناء طنجة المتوسط!! ميناء خال من أبسط الخدمات الضرورية خلافا للدعاية الرسمية لسلطات الميناء.
1- الأطلس المتوسط:
التحقت في الصباح الباكر بجبال الأطلس المتوسط، القصيبة موحى وسعيد تحديدا، رغما عن الإرهاق والأعطاب التقنية التي سببها لي غيري (حالة الطرقات بما فيها الطريق السيار وقانون وعادات السير).
بعد المصافحة والعناق، انطلقت لاستكشاف الناس وأحوالهم والتضاريس والمناخ. لم أتمكن طبعا من مجالسة الجميع نظرا لضيق الوقت، لكنني لامست عن قرب انشغالات وهموم الناس بمنطقة لا زال النظام يتعامل مع أهلها وذويها بمنطق السيد تجاه العبيد. كل لوازم الحياة الدنيا لا تتوفر لدى ساكنة المنطقة (سكن لا تتوفر فيه أقل شروط السكن اللائق، صحة "أمراض معدية كالسل ورينو فرانجيت الخ، غياب المستوصف"، تغذية ناقصة، غياب الطرقات وجل التجهيزات التحتية إلى غير ذلك). نظرات وملامح وجوه الأطفال والنساء وكل الناس تفقأ بدلالات اجتماعية وأوضاع معاشية قاسية قساوة البرد والمناخ بجبال الأطلس.
2- القصيبة والشهيد عبد الحكيم المسكيني:
زرت مدينة زاوية الشيخ لعدة مرات بحثا عن أخبار الشهيد عبد الحكيم المسكيني، شهيد انتفاضة يناير 1984. بعد محاولات يائسة، ذهابا وإيابا بين القصيبة وزاوية الشيخ، قررت أن أبادر للمرة الأخيرة علني اقتبس المعلومة المناسبة التي توصلني إلى عائلة الشهيد.
بأعماق المدينة لم أعد أسأل عن المسكيني بل عن من يكن فعلا ابن المدينة بين أصحاب الدكاكين والمحلات التجارية والحرفية. تم توجيهي الى أحد أبناء زاوية الشيخ الأقحاح، يحترف مهنة النجارة. قال لي مرشدي بعدما تأكد له أن الأمر مهم للغاية أن عائلة صديقي تدعى فدواش وليس المسكيني. وبتلقائية ومحبة رسم لي على طرف من ورق خريطة الطريق المؤدية إلى منزل أب الشهيد واعتذر عن عدم معرفته لعنوان أم الشهيد التي تقطن بعيدا بمدينة بني ملال. شكرت مرشدي وقبل وداعه أعاد علي السؤال لماذا اهتم بزيارة ولقاء عائلة الشهيد وما علاقتي بالشهيد عبد الحكيم المسكيني؟
طمأنت الرجل من جديد بأن الأمر يتعلق بالبحث عن عائلة صديق مناضل استشهد سنة 1984 بسجن بني ملال وأني أرغب في لقاء أم الشهيد وبعض أفراد عائلته. ودعني بدعاء الفلاح والنجاح في مهمتي مستغربا لأمري. سعدت كثيرا لهذا الإنجاز البسيط، عكس ابنتي التي لم تتحمل مشاق الانتظار وأطراف الحديث بالدارجة المغربية. قبل الانطلاق بحثا عن منزل أب الشهيد مستعينا بخارطة صاحبي، شكرت ابنتي على صبرها واشتريت لها بعض الحلويا والمشروبات. *سعدت بذلك وتقمصت شخصية المحققة وسألتني عن كل شاذة وفادة وعن كل كبيرة وصغيرة، دامت وكثرت أسئلتها حتى بعد وداع عائلة الشهيد.
تعرفت عن أخ الشهيد الذي استقبلنا بمودة وتلقائية. صورت حينها قبر الشهيد وحددنا موعدا للغد. انتابني إحساس غريب، مزيج من الفرح والقلق. كما شعرت بأداء واجب وفريضة نضالية كانت بعنقي منذ 1984. مسؤولية أثقلت كاهلي لكل هذا الزمن (1984-2012). مسؤولية وواجب التعريف بالشهيد عبد الحكيم المسكيني وبالقضية وخصوصا عندما نعرف أن الشهيد طاله النسيان والإهمال ولا أحد يعرف شيئا عن الشهيد. ولا أحد يرغب بمعرفة الشهيد والقضية.
تملكني الشعور بالمسؤولية تجاه الشهيد..
تملكني الحزن لفقدان الشهيد..
تملكني الحزن والأسى والفرح..
عادت بي الذاكرة الى دردشات وقهقهات الشهيد...
عادت بي الذاكرة إلى ثانوية طارق بن زياد بالقصيبة موحى وسعيد 1984. ثانوية الشهيد المسكيني عبد الحكيم. كنا أول فوج التحق بالمؤسسة بعدما قضينا السنة الأولى من الثانوي بثانوية موحى وسعيد. كانت ثانوية الشهيد المسماة طارق بن زياد على ابسط الخدمات والمرافق التعليمية والتربوية والرياضية.
تذكرت كل من سجن وعذب واعتقل من طارق بن زياد وغيرها..
تذكرت لحظات الانتظار والاعتقال..
تذكرت صفوف العساكر التي طوقت المدينة والثانوية لمدة أسبوع..
تذكرت قوى القمع بسياراتهم، ببنادقهم، وأزيائهم..
حالة الطوارئ بالمدينة و نواحيها..
تذكرت كيف كنا نتحرك ونتواصل رغما عن ذلك عبر أطراف المدينة المطوقة
لفك العزلة و تقصي أخبار العائلات والمعتقلين...
كانت المعركة غير متكافئة بالمطلق، من جهة النظام بأجهزته العسكرية والقمعية المختلفة والمتعددة ومن جهة أخرى شباب القصيبة وتلامذتها. تحت الرعب والتخويف والتهديد جاء النظام بعائلات التلاميذ للضغط علينا لاستئناف الدروس بعد مقاطعتها، وذلك تحت ترهيب قوى العسكر المدججة بالأسلحة النارية. نالت العائلات نصيبها من السب والشتم والقذف من طرف المسؤولين العسكريين والمدنيين.
هذا وذاك جعلني افرح كثيرا عندما مسكت بصورة الشهيد أعلاه، كأنني التقي الشهيد من جديد خاصة عندما طلب مني أخوه أن انعته في الصورة الجماعية. تعرفت على الشهيد بسهولة. ثوان رهيبة من الصمت سادت مطلقا وبشكل تلقائي على الجميع كأننا نعي الشهيد وكأنه انتصب حيا بيننا. شكرت أخ الشهيد وألح علي بأن احتفظ بالصور لان العائلة فقدت كل صور الشهيد،
وبالمناسبة أوجه دعوة لأصدقاء الشهيد عبد الحكيم المسكيني أن يعملوا جاهدين لجمع صوره وتوثيقها.
الورقة الثالثة:
الشهيد عبد الحكيم المسكيني بين مطرقة "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان" وسندان الصمت
يرقد الشهيد عبد الحكيم المسكيني، أحد شهداء انتفاضة يناير 1984 المجيدة، بمقبرة حي المطالب، زاوية الشيخ، ليس بعيدا عن السكن الذي ترعرع وكبر فيه. عاش الشهيد في حضن عائلته في هذا الحي الشعبي.
كدت الأم كما الأب بما يملكان من قوة عمل وصبر وعناد لمواجهة صعوبة الحياة ولضمان لقمة ورغيف للأولاد، شأنهما شأن أوسع الجماهير الشعبية المهمشة على طول وعرض الأطلس المتوسط وسائر قرى ومدن وطننا الجريح.
لم يحض الشهيد بالاهتمام والعناية الكافيين لتسليط الأضواء عليه وعلى نضالا ت المنطقة بما فيها النضالات والتضحيات التلاميذية بمدينة القصيبة.
إن جل تاريخ المنطقة بقي مجهولا وعرضة للارتزاق والتشويه من طرف قوى رجعية وغيرها، لا مصلحة لها في تبيان وإبراز واقع وحقيقة الصراع. طال النسيان مدينة القصيبة ومن خلالها جل مناطق الأطلس المتوسط بل كل المغرب "غير النافع" وحتى "النافع"، رغما عن العدد الهائل للمناضلين الذين أنجبتهم المنطقة. لا يخلو واد، كما لا يخلو جبل، أو هضبة، أو قرية أو مدينة من نضالات وتضحيات تمتد جذورها إلى عقود من الزمن. عمل النظام بعد أن التف على معركة التحرر الوطني على سلخ ومسخ تاريخ الأهالي لتسييد ثقافة الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، واعتمد في ذلك بالإضافة الى القمع على أدوات إيديولوجية وثقافية واجتماعية منها الزوايا، رجال الدين وأعيان القبائل.
اعتقد أن الإهمال الذي طال الشهيد، يندرج في هذا السياق العام. زد على هذا، أن إقبار قضية الشهيد قد ارتبط أشد الارتباط، بالمسار النضالي وخطه الجدري والتقدمي. يحضرني، وأنا أكتب هذه الأسطر حول الشهيد، لحظة من فترة الاعتقال في إحدى مراكز التعذيب التي مررت منها واجهل مكانها بالرباط، حيث قال لي احد الجلادين وأنا معصوب العينين: "كيف أن تكون من القاعديين وأنت تنحدر من منطقة الشرفاء والأولياء الصالحين، أم أنك... تعتقد نفسك من مناهضي الملك ومقاومي الاستعمار؟ إننا صفينا إلى الأبد كل من يعتقد انه يستطيع إسقاط الملكية لحمة المغرب. ونحن له بالمرصاد". واسترسل قائلا :"استمتع ا.... بجبال الأطلس وعيونه وسهراته. أنا شخصيا مطمئن وسعيد. أذهب إلى القصيبة وزاوية الشيخ واستمتع بأجمل بناتكم في عقر دوركم. استمر أنت يا...في النضال والوهم. انظر لحالتك. إننا صفينا مع أسلافكم والبلاد في آمان رغما عن تخريبكم لها..."
بالفعل لقد واجه النظام بإداراته و مؤسساته المدنية والعسكرية، أي فعل جماهيري سواء كان منظما أو عفويا بالحديد والنار. ونال العقاب الجماعي كل مناطق الأطلس حيث التهميش الاجتماعي والاقتصادي والفقر والأمية والأمراض هم سيد الحياة العامة بهذه المنطقة الغنية بثرواتها البشرية والطبيعية. في هذه الأجواء والأوضاع العامة، ترعرع الشهيد وحول أنظاره إلى المستقبل، إلا أن أيادي النظام سرقته من بيننا ومن أحضان أسرته لتغتاله مرتين.
خلافا لما كتبه جيل بيرو، الكاتب الفرنسي، في كتابه "صديقنا الملك" لم يستشهد عبد الحكيم المسكيني مضربا عن الطعام مع مجموعة الشهيدين الدريدي وبلهواري، بل استشهد بالسجن المحلي ببني ملال يوم 19 يوليو 1984 في صفوف مجموعة أخرى، مجموعة معتقلي انتفاضة يناير 1984 بالقصيبة موحى وسعيد. وللإشارة راسل رفاق الشهيدين الدريدي وبلهواري الكاتب لتصحيح المعطيات بهذا الشأن، إلا انه لم يفعل.
اغتال النظام الشهيد عبد الحكيم المسكيني مرة ثانية عن طريق "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان".
توضيح لابد منه:
إن لعائلة الشهيد كامل الحق وواسع النظر أن تطلب بتعويض عن استشهاد ابنها وخصوصا أمام الغياب التام للجهات المناضلة لتخفيف آلام العائلة وحرقتها ثم مؤازرتها معنويا على الأقل وتحصينها ضد مخالب مؤسسات النظام. هذه المؤسسات ومن خلالها النظام، مارست الابتزاز والمساومة استغلالا للظروف الاجتماعية للعائلة. إن وثائق "المجلس الاستشاري" خير شاهد على الاغتيال المعنوي والسياسي الذي مورس في حقه بعد استشهاده داخل السجن.
أقدم هذه الورقة المختصرة حول الشهيد علها تشكل استفزازا نضاليا للمناضلين الجذريين لصيانة الذاكرة النضالية لشعبنا وعدم استرخاص دم شهدائنا وتصليب مسارهم النضالي من اجل التغيير الجذري..
وكزيز موحى، فرنسا في 18 يوليوز 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓