اغتيال الشهيد محسن فكري بتلك الطريقة الوحشية لا يمكن إلا أن يجعل الشعب المغربي قاطبة يدين هذه الجريمة النكراء. فليس بالضرورة أن نكون مع أو ضد
الشهيد محسن أو نكون ماركسيين أو ماركسيين لينينيين أو تروتسكيين أو أي "ماركة مسجلة" أخرى، لندين جريمة طحن الشهيد بدون شفقة أو رحمة. إن الشهيد محسن واحد من أبناء الشعب المغربي الذي سحقته طاحونة النظام القائم أمام الملأ، كما سحقت أسماء أخرى كثيرة في الخفاء وفي غفلة منا.
ومن الطبيعي أن يشارك الشعب المغربي، بدون حسابات سياسوية أو تجييش من طرف هذه الجهة السياسية أو تلك، في الاحتجاجات التي تفضح همجية النظام وعملاء النظام، الصغار والكبار، المنظرين والمنفذين..
إن المشاركة الواسعة في الاحتجاجات ضد اغتيال الشهيد محسن تعبير صادق وفعلي عن مقاطعة مهزلة 07 أكتوبر 2016. إن الشعب المغربي لم يعد تلك "الكتلة" (أو أكياس بطاطس) التي يتم توجيهها بتعليمات فوقية لمناصرة هذا الطرف أو ذاك.. فالاحتجاجات الأخيرة تؤكد أن المقاطعة في نسبة كبيرة منها مقاطعة واعية ومسؤولة (وبلغة الموضة، مقاطعة عقابية).
إن اغتيال الشهيد محسن قد فضح اللعبة السياسية ووضع الجميع أمام مسؤوليته. فالشعب المغربي جاهز لمعانقة أبنائه المخلصين ولدعم أي تجربة مناضلة قائمة على خدمة مصالحه الطبقية، الآنية والمستقبلية، بكل ما يستدعيه الأمر من مبدئية ومن تضحيات..
لقد بدا واضحا أن الأحزاب السياسية والنقابات قد تخلفت بشكل مفضوح عن مواكبة طموحات ومسار الحركة النضالية المتفجرة بعد اغتيال الشهيد محسن، تماما كما حصل إبان وفي إطار حركة 20 فبراير، وبعد ذلك وقبله.. وهو ما لم يعد مجال لمناقشته أو التشكيك فيه. وحضور بعض "المناضلين" في قيادة النقابات المتواطئة صار موضع تساؤل وريبة!!
وبدا واضحا أيضا (كما دائما) تحرك الأيادي القذرة لامتطاء الاحتجاجات المتفجرة في جل مناطق البلاد، ومنها القوى الظلامية والشوفينية. ولن نفاجأ في أي منعطف عندما تختبئ هذه القوى داخل جحورها امتثالا للتعليمات وتنفيذا لأجندات بعيدة كل البعد عن خدمة قضية شعبنا.
وما هو موقف الأحزاب السياسية التي تعلن "مواكبة طموحات ومسار الحركة النضالية المتفجرة"؟
حتى الآن، شعارات روتينية، وخروج من حين الى آخر الى الشارع..
نعم للخروج الى الشارع.. نعم لكل الشعارات التي تفضح النظام..
لكن، ماذا بعد؟ هل يكفي الخروج الى الشارع ورفع الشعارات (تفجير الغضب)، وبعد ذلك الركون الى الصمت (الراحة الذاتية/النفسية)؟
هناك دعوات لاستجماع قوى اليسار.
جميل.. لكن، أي يسار؟
إنه السؤال المحوري.. لقد حصلت "أضرار وخسائر" (DEGATS) جسيمة في صفوف "اليسار"، يصعب تجاوزها بين عشية وضحاها. وأصبح عامل "عدم الثقة" حاجزا أمام أي محاولة لاستجماع القوة ورأب الصدع.
بدون شك، عمل النظام بكل قوة على تعميق جراح اليسار من خلال تجنيد بيادقه لخلط الأوراق وبث البلبلة والسموم بين "الرفاق". وهناك من بين "الرفاق" من اختار "السلم" أو القبول بالوضعية "المريحة" الحالية. والخطير أيضا هو انخراط الأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار في مهازل النظام ومسلسلاته، بل هو تزكيتها لواقع التشرذم وتثبيت آليات المهادنة والخضوع..
والسؤال المطروح، هل يحق لهذه القوى السياسية أن تجعل من نفسها "بطلة" وتتزعم أو تنخرط في الاحتجاجات المتفجرة الآن؟
المنطق العلمي يفرض على من يدعو الى "استجماع قوى اليسار" أن يتحلى بالشجاعة ويستثني هذه القوى من أي محاولة "للاستجماع".. ونفس المنطق السليم يفرض أيضا استثناء القوى السياسية التي تغازل تلك القوى وقوى أخرى رجعية (القوى الظلامية والشوفينية) أو تشترط إشراكها ومشاركتها في عملية "الاستجماع" أو التنسيق، سواء الميداني أو غيره (مجالس الدعم مثلا)، ضاربة عرض الحائط شرطي الديمقراطية والتقدمية، وكذلك دروس تجربة حركة 20 فبراير الغنية...
إن المرحلة الراهنة منعطف حاسم في تاريخ الشعب المغربي، والتاريخ لا يرحم المتخاذلين.
وإذا كانت الأحزاب الرجعية والإصلاحية وبعض الأسماء "المتنطعة" قد اختارت تقديم الولاء والصمت في ظل التردي الحالي، انسجاما مع مسارها الداعم للنظام وأزلامه من قوى سياسية ونقابية، فليتجند المناضلون الصادقون، الحاملون لمشعل العمال والفلاحين الفقراء، لخوض معركة الذات بالموازاة مع معارك الواقع المتفجرة. وتفرض معركة الذات (الحلقة المفقودة) مد اليد الى كل الطاقات المناضلة وكل المناضلين المنخرطين في دينامية الصراع الطبقي من مواقع الفعل المنظم والمسؤول..
إن المناضل من يقول "ها أنا ذا" الآن، تحت نيران العدو..
7 نونبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓