لقد مرت 26 سنة على إحدى المحطات الهامة و التاريخية التي شهدتها بلادنا ، خصيصا في مدينتي فاس و عين توجطات (حوالي 30 كلم غرب فاس) ، ففي مثل
هذا اليوم من الأيام القلائل المتبقية من فصل الخريف حيث كان الطقس نوعا ما باردا هبت الجماهير الشعبية من جميع أنحاء المدينتين إلى شوارع المدن رافعة شارة النصر و شعارات ثورية تنادي برحيل رموز النظام القائم و أبانت على استعداد وعزم قويين لخوض المعركة حتى النصر. لقد كانت المظاهرات عبارة عن أمواج بشرية شارك فيها الطفل/ة و الشاب/ة و العجوز/ة ، مظاهرات لا متناهية الأبعاد عمت جل الأحياء ، فمن حي مونفلري جنوبا إلى سيدي بوجيدة شمالا و من حي بنسودة غربا إلى عوينات الحجاج شرقا و أمام هذا الحشد الجماهيري الهائل و قفت قوى القمع شاردة ! ففرت للتو من الساحات المركزية للمدينتين ، و بينما المسيرات تجوب الشوارع و الأزقة التي أصبحت تحت سيطرة مطلقة للجماهير الشعبية الذي كان للعمال و المياومين الرافعين عاليا بسواعدهم أدوات العمل الوزن الثقيل في مقدمتها ، عم في الوهلة الأولى ذهول و صمت غريب في أوساط القوى السياسية بما فيها القوى التي دعت إلى الإضراب أنذاك ….أما بعض الأطراف المحسوبة على صف معارك الجماهير في أوساط الحركة الطلابية (رافد من روافد حركة التحرر) التي كانت في أوج و قمة العطاء لم تدعوا للانخراط المطلوب و حصرت نضالها في تضامنها داخل أسوار الجامعة .
فبعد أن استعصى الوضع على النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي تم استقدام الجيش ، و لازالت على قباعات الجنود المطيعين رمال الصحراء بادية ، لإخماد الإنتفاضة ، فبدأ يصوب أعمدة المدافع في جميع الاتجاهات لخلق الرعب و الذعر في صفوف المواطنين ، فحتى بعض الأزقة الصامتة و الهادئة لم تسلم من ضجيج رعبهم و لم يتم إخمادها إلا بعد حوالي أسبوع من المواجهات الدامية ، فالطلقات النارية وأزيز طائرات الهليكوبتر الحربية فوق سماء المدينة ليلا و نهارا لم يتوقف إلا بعد إعلان النظام عن عدم الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
لقد أدت الجماهير المنتفضة الثمن غاليا و لازالت تؤديه إلى يومنا هذا ، و ستظل تؤديه طالما لم تحصن هذه المعارك بأداة صلبة ثورية تقود حركة التغيير الجذري .. فالسجون شهدت اكتظاظا لم تشهده من قبل أما الشهداء و ضحايا الهجمة الشرسة من الصعب جدا الاضطلاع على الحقائق الخفية لإحصائهم و في المقابل كان للشارع كلمته و انتزع الشعب المغربي بتضحياته حقه المقدس في فرض تراجع النظام عن مخططه التجويعي
لقد شكلت الانتفاضة درسا تاريخيا ، فاصحاب الترف و التناغم الفكري تبين لهم بالملموس أن تحمل مسؤولية الثورة و قيادة الحركات الإضرابية من هذا الهجم هو انتحار ليس إلا ، و هكذا بدأت تتهاوى بعض الأطراف و إعلان تملصها من معانقة قضية الشعب المغربي ، أما القوى الإصلاحية فتبرأت من هكذا اضراب و بدأت في شن حملة الإدانة و التشويه و نعت الجماهير المنتفضة بقطاع الطرق و عصابات أعمال الشغب والنهب و السرقة و الاتلاف و و و ...
إن تلك الحملة المسعورة ضد الجماهير الشعبية هي التعبير الرسمي للطبقة البرجوازية ٬ فأي احتجاج ٬ و أي كان شكله ٬ لن تقبل به لأنه يعطل حركة الانتاج الدائمة و التي تستفيد من خلالها على حساب العمال و الفلاحين الفقراء المنتجي لثروتهم الغير المشروعة.
إن غضب الجماهير هو إعلان عن عدم القبول بالتوزيع الحالي للثروة و هو استعداد قوي لفرض إعادة توزيعها من جديد بشكل عادل و مشروع هذا التوزيع الذي لن يكون إلا توزيعا اشتراكيا
المجد و الخلود لشهداء 14 دجنبر و لجميع شهداء الشعب المغربي و شعوب العالم ...
14 دجنبر 2016
14 دجنبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓