لقد مر أكثر من شهر، بل أكثر من شهرين، دون تشكيل الحكومة المرتقبة (جرت الانتخابات التشريعية يوم 07 أكتوبر 2016). الكل ينتظر الوصفة السحرية التي
ستقودنا لما يناهز خمس سنوات قادمة.. الكثيرون يعتقدون أن التشكيلة التي سيعلن عنها لاحقا هي حقا من ستحكمنا.. والكثيرون أيضا يعتقدون أن "المسكين" بنكيران في ورطة، باعتباره المعني (شكلا) بإعداد الطبخة الموعودة (ماستر شاف المطبخ السياسي المغربي). إنهم يظنون (بين عشية وضحاها) أن الحزب الوطني للأحرار (حزب الإدارة الغارق في الرجعية) يواجه/يحارب حزب الاستقلال، الحزب الرجعي بدون منازع؛ وأن الاتحاد الاشتراكي (الشرعية النضالية والتاريخية المزعومة) "يناضل" من أجل "الملكية البرلمانية" سيرا على وهم "اليسار" (الملكي) الذي لا يمت الى اليسار الحقيقي بصلة.. هلوسات غريبة من طرف نخبة مريضة ومتواطئة، وبالخصوص وسائل الإعلام الممولة من جيوب الشعب والمملوكة لأعداء الشعب..
إن النظام يسوق أسطوانة "البلوكاج" في صيغة "الصراع الديمقراطي" بين الأطياف السياسية، بل حدة الصراع بين هذه الكراكيز المصنوعة على المقاس، على غرار "الديمقراطيات العريقة" المتشبعة بالحرية والاستقلالية، خاصة بأوربا..
فبالمغرب، ليست هناك صراعات قائمة على البرامج الدقيقة أو المرجعيات الواضحة.. هناك صراعات حادة خفية مبنية على المصالح الطبقية والشخصية.. وكما يهم الأمر الأحزاب السياسية يهم أيضا النقابات، بل والأشخاص أيضا.. إن النظام يريد أن يصنع من أخنوش الشخصية المفتاح لجنة قائمة في مخيلته. أخنوش النكرة السياسية يرفض مشاركة رفيقه المافيوزي شباط في الحكومة!! وا عجباه!! مغرب "الاستثناء" بدون منازع.. مغرب المهازل المبكية.. فلسنا لبنان أو سوريا أو اليمن أو العراق، حيث الاستثناء حقا..
بالمغرب، هناك أحزاب ملكية (كل الأحزاب بالمغرب ملكية)؛ وهو شرط لقبول تأسيسها القانوني، ضمن شروط أخرى مرتبطة بالمقدس؛ مما يعني وبالدرجة الأولى انعدام استقلاليتها. وإذا استحضرنا سياق وسيرورة تأسيس العديد من الأحزاب السياسية بالمغرب كقوى إصلاحية ورجعية (شوفينية وظلامية و"ليبرالية")، وآخرها حزب الأصالة والمعاصرة، نفهم أن مصالحها، بل إن وجودها قائم على دعم وتمويل النظام لها.. وبمعنى آخر، فمصيرها ومصير النظام واحد..
إن رئيس الحكومة المعين بنكيران لا يقدم على غير ما يؤمر به، ومنذ "شبابه"، أي منذ زمن الحسن الثاني والبصري؛ ورسالته "التاريخية" الى هذا الأخير شاهدة على ذلك. لا طاقة له على فعل غير ما يوحى إليه من طرف النظام وليس من طرف حزبه. فحزب العدالة والتنمية حزب ملكي (أكثر من الملك)، وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الأحزاب السياسية، وخاصة المعنية بمخاض تشكيل الحكومة، أي حزب الاستقلال والحزب الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية وكذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية..
أما الشعب المغربي، فلا يعرف غير ما يعانيه يوميا في ظل صراع طبقي غير متكافئ، من تجلياته المعاناة والقهر والاضطهاد في مجالات الصحة والتعليم والشغل والسكن وكذلك القمع ومصادرة الحقوق، أبسط الحقوق (التنظيم والاحتجاج والتعبير وإبداء الرأي...) وحتى من يضحي ويقدم أعظم التضحيات يبقى بعيدا لعدة اعتبارات عن قلب وعقل الشعب المغربي، بعماله وفلاحيه الفقراء، الذي يرزح تحت نير القمع والتضليل... وحتى الآن، فمعركته المصيرية التي تتوخى التحرر والانعتاق، توجد قيد التجذر والتشكل.. والتاريخ وحده سيحفظ مواقف وبطولات الشهداء والمناضلين من داخل السجون والأقبية المظلمة وخارجها..
إن المغرب حقا بلد "الاستثناء".. إن الحكومة ليست حكومة، والأحزاب ليست أحزابا والنقابات ليست نقابات والجمعيات ليست جمعيات والمجتمع المدني ليس مجتمعا مدنيا والمثقفون ليسوا مثقفين... وقس على ذلك. وبدون حرج أقول (للحقيقة والتاريخ)، إنه في كثير من الأحيان (بدون تعميم)، "النضالات" بالمغرب ليست نضالات و"المناضل" ليس مناضلا.. الحقيقة شيء والادعاء شيء آخر.. لا مجال للافتراء بعد الآن، والشمس لا يحجبها الغربال.. فحتى الشهداء يجردون من مواقفهم بدون حياء وأمام الملأ (سعيدة وزروال ورحال وعمر...).. والمعارك النضالية الحقيقية تقمع وتجرم وتهمش وتحاصر ويمارس في حقها التعتيم الإعلامي الممنهج، وبالمقابل يتم التطبيل لكرنفالات المسوخ وأشكال استعراض العضلات وتمييع الصراع وخلط الأوراق... فماذا عن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب الذي تم تمريره في مجلس وزاري؟!! فهل سننتظر حتى إقراره لنشكل التنسيقيات ونعلن الحروب الدنكيشوتية على غرار ما حصل بشأن تمرير/فرض أنظمة التقاعد المجحفة والمرفوضة؟!!
إن النظام القائم يسهر على كل صغيرة وكبيرة، ويدبر أموره بما لا يترك المجال للخطأ إلا مرغما.. وما يجب استيعابه هو وجود آليات وأجهزة الظل والظلام وقوانين مطاطة (موروثة وحسب موازين القوة) تنظم "السير" وتسير الشأن العام وفق مصالح طبقية مضبوطة، بالعنف (العصا) أحيانا وبالجزرة أحيانا أخرى. أما الحكومة، وكل الحكومات السابقة، وما إليها من مختلف المؤسسات الشكلية، فلا تقوم بغير تنفيذ التعليمات الفوقية التي تصدر في غالب الأحيان عن دهاليز الامبريالية ومؤسساتها المالية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، دون حتى أن تدري معانيها أو مصادرها.. لا مجال للعقل أو الضمير..
قد نستمر بدون حكومة (حكومة الواجهة) الى أن تشاء الحكومة الحقيقية، الحكومة الفعلية، حكومة الظل التي تتحكم في رقابنا منذ زمن بعيد، وهي التي بدون شك صاحبة مشروع قانون المالية برسم سنة 2017... وليس التمطيط الحالي المصطنع سوى مسرحية للضحك على ذقوننا وترتيب مراحل استعبادنا وتركيعنا واختبار ذكائنا... وقد يكون مهلة لضمان المصالح الإقليمية السياسية والاقتصادية للنظام على صعيد إفريقيا قبل المصالح المحلية المضمونة أصلا بقوة الحديد والنار..
إن الحقيقة الثابتة بالمغرب (حتى الآن) على مستوى التحكم في رقاب المغاربة هي أن النظام القائم نظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي، بحكم الواقع والقانون (الدستور..)، والى جانبها كحقيقة ثابتة أخرى هي أن الشعب المغربي سيصنع مستقبله السعيد طال الزمن أو قصر. والتضحيات السخية المقدمة بدون توقف من طرف الجماهير الشعبية الكادحة وعلى رأسها العمال والفلاحين الفقراء والطلبة والمعطلين والمهمشين، على طول بلدنا الحبيب وعرضه، مؤشر واضح على ذلك..
20 دجنبر 2016
20 دجنبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓