لم يعد أي جدال، على الأقل وسط الماركسيين اللينينيين المغاربة بالداخل والخارج، في كون تعثر الفعل الثوري ببلادنا يعود بالأساس لغياب الأداة الثورية المكافحة
والمقاومة. الأداة، ولاشيء غيرها، القادرة على جعل فعل، وانخراط، الأغلبية الطبقية من العمال والفلاحين الفقراء والمعدمين والمعطلين والشباب والثوريين، انخراطا من مواقعهم الاجتماعية وعنوانهم الطبقي. لأن التغيير الثوري فعل الأغلبية المنظمة والواعية بالمهام الطبقية الثورية بالضرورة، ولن يحصل دون انخراطها، أي الأغلبية، الكامل والمنظم والواعي في كنس النظام الرجعي القائم، عميل الامبريالية والصهيونية، بكل أجهزته ومؤسساته وأحزابه ومنظماته الطفيلية وثقافته ورموزه.
لهذا، فمهمة اليوم هي مهمة البناء الثوري والعمل القاعدي المنظم والمسؤول، لتأسيس تنظيم ماركسي لينيني من أجل التعبئة والتأطيرالواسعين للطبقة العاملة وتعميق وعيها السياسي، بمعنى تصعيد وتوسيع العمل القاعدي وتوجيه الممارسة السياسية وكل الإمكانيات المتوفرة لدينا باتجاه تحقيق هذه المهمة الثورية. لأن حزب الطبقة العاملة له أهمية قصوى وذو أثر وتأثير مصيريين وحاسمين في الحركة والفعل النضالي لشعبنا. أما مواصلة "الحركة" أو الفعل السياسي بعشوائية وعفوية وفي كل اتجاه دون هدف محدد، وربطهما بمن خانوا وتعاونوا وتوافقوا مع العدو في السر والعلن، ومعانقة المنبطحين والإصلاحيين والانتهازيين والبيروقراطيين والتحريفيين تحت غطاء الشعارات الجميلة والقضايا الطبقية مثل الاعتقال السياسي وقضية الشهداء وقضية التعليم وقضية المرأة.. وبالتالي دفع الجماهير الشعبية المضطهدة بشكل أو بآخر للثقة في أحزاب العدو الطبقي وسماسرته وخدامه والأبطال المصطنعين والقيادات المتهالكة.. وكذلك تسييج الحركة وعزلها وحصارها في حدود رد الفعل والانسياق خلف "المعارك" المتحكم فيها لخدمة أجندات معلومة لقطع الطريق أمام كل محاولة جذرية لتعبئة الجماهير على قاعدة طبقية ضد النظام ومواصلة الخط الجذري لتنفيذ المهام الثورية؛ لن يقدم أي قيمة مضافة للمعركة الطبقية بقدر تقديم الخدمات للعدو، ووضع الحركة في سياقات لا أفق لها، سياقات لا تعني في مضمونها مضطهدي وكادحي شعبنا، مهما كانت "الشعارات" المرفوعة ومهما كان صدق وإخلاص بعض القواعد المناضلة.
ويستدعي الواجب النضالي اليوم أمام تردي، بل وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا أن نتساءل: في أي طريق ستسير حركة الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، في ظل التيه والعبث الحاليين؟ هل تتخذ طريق النضال الثابت ضد النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي وضد التبعية بهدف التحرر من قبضة الامبريالية وحلفائها، أي الطريق الحازم لكسب سلطة الشعب أو تنزلق خلف خدام النظام وحراسه والأبطال المصطنعين والبياعة وأصحاب المصالح الضيقة و"الرحل" ممن لا هم لهم سوى ما تدره الوقفات والمسيرات والاحتجاجات من "ريع" مادي ومعنوي؟ وهل يكفي ترديد الشعارات الثورية وللأسف مع عناق تجار النضال (ومن يعانق عدو شعبنا فهو عدونا بكل تأكيد) للقول إننا على الطريق، وهو الأسلوب الذي لا يزعج العدو؟ أليس بهذا الأسلوب والتكتيك تجر الحركة لخدمة مصالح البرجوازية وتثبت ما يتغنى به النظام من "ديمقراطية" و"حقوق الإنسان"، وتقدم الحركة (تهدى) لقبضة الإصلاحية وتجار الفعل النضالي؟ ويصدق القول بأنه لا معنى لفعل نضالي إن لم يرتبط بالمهام والمصالح الجذرية لشعبنا، وأن من يدافع عن التيه والعبث وعن اللف والدوران يدافع عن النظام.
إن مهمة الثوريين، الملحة والآنية، في الظرف الراهن هي البناء، البناء القاعدي، البناء الثوري، البناء من تحت، وتمثيل المصلحة التاريخية للأغلبية بقيادة الطبقة العاملة، وتجسيد صوتها الجهور وضميرها السياسي بالحفاظ على، وإنتاج الموقف الجذري والعلمي، المعبر عن طموحات الجماهير الشعبية في التحرر والانعتاق، والمنسجم والأهداف التاريخية والإستراتيجية للحركة الماركسية اللينينية المغربية منذ بداية سبعينات القرن الماضي، في ظل الانبطاح المستشري والتيه السياسي المنتشر وحركية الذوبان والخنوع وسط الليبراليين والبيروقراطيين والمتخاذلين والبياعة المتسترين بالشعارات الثورية، والانسياق خلفهم، ومعانقتهم. لأن قضية الثوريين هي التغيير الجذري وليس الإصلاح أو المساومة.. فأحزاب الولاء الخاضعة والمنبطحة والجبانة، والنقابات الصفراء والقيادات البيروقراطية المافيوزية التي احترفت المتاجرة بمآسي العمال والفلاحين الفقراء وشيدت مصالحها الضيقة على حساب كدحهم ومعاناتهم في كل من الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والتحالفات الهجينة المبنية مع القيادات الفاسدة والعميلة التي امتصت وتمتص باستمرار، ومنذ عقود، دماء شعبنا، والعناصر التي انكشفت أدوارها في المتاجرة بالشعارات، المرتبطة إلى أخمص قدميها بمافيا المال والفساد والارتزاق، والمدعومة من طرف النظام؛ كل هؤلاء أعداؤك يا شعبنا العظيم وهم حراس النظام، الذين مارسوا الجرائم الفظيعة في حق أبنائك. فلا يمكن أن تخدعنا رقصاتهم أو قفزاتهم البهلوانية أو ننتظر منهم ترجيح موازين القوة لصالح الكادحين أو أن يقودوا معارك حقيقية لتحقيق مصالح أبناء شعبنا، كما لا يمكن أن ينظموا الجماهير اليوم أو غدا أو أن يوحدوها حول مطالبها ومصالحها الطبقية الحقيقية، وبالأحرى أن يعدوها للمعارك وللانتفاضات الشعبية القادمة لإسقاط النظام، لا محالة، على أرضية المهمات الجذرية والتي هي في العمق مهمة المناضلين الثوريين بالدرجة الأولى..
إننا نتابع بعض الخرجات من حين الى آخر، وخاصة التي تحتضنها مدينة الرباط. ورغم مشروعية القضايا المثارة، إلا أن البهرجة المرافقة لها تسعى في كثير من الأحيان الى خدمة أجندات أخرى بعيدة عن تلك القضايا. وما يجعل هذه الخرجات بدون روح كفاحية هو تسقيفها من طرف قوى سياسية معروفة بتواطؤها وانخراطها في مشاريع النظام وعلى رأسها لعبة "الديمقراطية" المغشوشة. ومقابل تلك الخرجات الفلكلورية، نتابع صمت القبور بشأن قضايا أخرى أكثر حدة وخطورة، ومن بين هذه القضايا الحارقة معارك العمال والفلاحين الفقراء هنا وهناك ومعارك المعتقلين السياسيين وعائلاتهم والاعتقالات المتواصلة والمحاكمات الصورية والاحتجاجات المستمرة بمجموعة من المدن والمناطق (طنجة والحسيمة والدار البيضاء...).
وإذا كان لذلك الكثير من السلبيات ومنها التشويش على المعارك الكبرى وإفشالها، فإن من حسناته كشف ملامح وحدود الاصطفافات أو التحالفات القائمة والممكنة. ففي خضم هذه "الدينامية" يكمن الفرز وتبرز إمكانات التنسيق الواقعية، بعيدا عن الشعارات الفضفاضة، حيث كثيرا ما يلاحظ بالنسبة لبعض القوى والتيارات السياسية قول وتبني الشيء وممارسة نقيضه...
وفي كثير من الشطحات النظرية يردد أن عدونا واحد. صحيح جدا أن عدونا واحد، لكن لا يجب أن تكون هذه العبارة مفتاح خداعنا لتناسى أن عدونا واحد مهما تعددت وجوهه البشعة وأساليبه المفضوحة. أي أن عدونا هو كل المتحدثين باسم لغة رأس المال وكل من عانقوا النظام ومن يخدمونه في السر والعلن وكل حراسه وكل من توافقوا معه بشكل من الأشكال مهما كان موالهم وجمالية شعاراتهم وادعاءاتهم الإيديولوجية.. فطريق كل هؤلاء هي طريق النظام، وطريقنا هي طريق لا تقبل المساومة ولا التنازل ولا التوافق أو المهادنة.. وفي جميع الأحوال لنا معاركنا ولهم "معاركهم"...
طريقنا هو طريق الثورة المغربية التي استشهد في سبيلها خيرة أبناء شعبنا، طريق تكريس العمل المنظم القاعدي الثوري لبناء أداة مكافحة ومقاتلة (تحت نيران العدو) لتغيير موازين القوى السياسية وقلب معادلة الصراع الطبقي لصالح أوسع الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة. ومن أجل هذا الهدف الثوري الدقيق، هذه المهمة النبيلة، نوهب وسنوهب دماءنا وتضحياتنا.
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
29 دجنبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓