من غير المقبول سياسيا تبرير ممارسات أو مواقف أو سلوكات مرفوضة بالغباء أو البلادة أو الجهل. فللحقل السياسي شروطه الصارمة وقواعده أو ضوابطه
الواضحة، دون أن نغفل أن الحقل السياسي اليوم وأكثر من غيره يعرف كل أشكال الانحطاط، بما في ذلك الأخلاقية، حيث صار سوقا وضيعة للمتاجرة في القضايا العادلة وحتى في الأعراض الشخصية.
قد يطول الحديث بهذا الصدد، ويعنيني من خلال هذه المقدمة القاتمة إبراز المسكوت عنه يوم 19 فبراير 2017، خاصة بالعاصمة الرباط، في أجواء الذكرى السادسة لانتفاضة 20 فبراير المجيدة. لقد حضرت مسيرة حركة 20 فبراير صباحا ومسيرة ما يسمى "التنسيق النقابي" مساء. ومن خلال مشاركتي في المسيرتين حز في نفسي كثيرا التسويق الإعلامي الفج للحدثين معا.
لا أستطيع أن أنفي (وليس ذلك من عادتي أو شيمي)، أن الحضور كان فعلا كبيرا رغم الأمطار المتهاطلة. وتقدير العدد هنا نسبي، أي مقارنة مع ما تعرفه مدينة الرباط عادة إبان الوقفات والمسيرات.
إن المسكوت عنه هو السؤال المحرج: "ماذا بعد؟".
فكيف لكل هذا الحضور الكبير، وبشهادة الكل، هذا الحضور الذي هلل له الكثيرون وأعجبوا به حد الافتتان، خاصة والصور المنشورة عبر صفحات الجرائد الورقية والإلكترونية، والملتقطة بعناية وتقنية عالية، أن يقبل بواقع البؤس الذي يعيشه شعبنا؟
لماذا لم يمنع هذا الحضور "الرائع" (عبر الصور المبثوثة) تمرير قوانين التقاعد المجحفة وقانون التوظيف بالعقدة وقوانين أخرى مرفوضة؟
أين كانت "جماعة العدل والإحسان" التي شاركت في المسيرة الثانية (لم تشارك في المسيرة الأولى) إبان الانتكاسات والنكبات السابقة؟ أم يعنيها فقط موضوع "ّأبنائها"، أي "الإعفاء"؟
لماذا لم يقف هذا الحضور بالعاصمة الرباط وبغيرها من المدن والمناطق، حيث الفرح الزائف، في وجه كل هذا التردي، من استغلال واضطهاد، الذي يتخبط فيه شعبنا؟
لا أقصد هنا الفرح الطفولي أو الساذج، إنه "فرح" التواطؤ السياسي في الحقل السياسي..
مرة أخرى، هل عجز فعلا هذا الحضور "الجميل" المسكون بالعناقات الحارة وأخذ الصور التذكارية، عن فرض إطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟ هل عجز عن فضح الفساد...؟
هل عجز هذا الحضور "الذكي" عن إسقاط "حكومة بنكيران" (حكومة "تصريف الأعمال" أو الحكومة الوهمية)؟ (لا مجال هنا للحديث عن "إسقاط النظام")..
لنتعلم، رجاء، كيف نفرح، ومتى نفرح..
نحب الفرح، لكن ليس الفرح الزائف. إننا لسنا بالغباء الذي يتصورون.
يقول المثل المغربي: "كاين شي، ولا غير الفرشي؟". وحقيقة الأمر، هناك فقط "الفرشي". والحضور المكثف ليس سوى رصاصا أبيضا (Cartouche ou balle à blanc). أليس التنسيق مع "الجامعة الوطنية لموظفي التعليم" (الاتحاد الوطني للشغل، الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية الذي "يقود" الحكومة) ضحك على الذقون؟
لقد تخلفنا كثيرا، حيث تقدم النظام كثيرا. فلم يعد يتضايق من "حفلاتنا" الروتينية وغير المزعجة ومن شعاراتنا الباردة والمكرورة..
فكيف نسير في مسيرة بكل نظام وانتظام مرددين شعارات 2011، وكأن التاريخ توقف في تلك اللحظة؟ أين الاجتهاد؟ أين المواكبة للواقع دائم الحركة؟ أين دروس معارك شعبنا المتواصلة (الحسيمة، أزيلال...)؟
ألوم الآخر، نعم.. لكن ألوم نفسي أيضا.. كلنا معنيون، أقصد المناضلين...
إضافة:
لقد حصلت عدة احتكاكات في صفوف مسيرة "التنسيق النقابي".. وحصلت استفزازات تعبر عن عبثية هذا التنسيق (جمع ما لا يجمع). وكصورة معبرة عن عدم الانسجام، وقوف أحد المشاركين باسم نقابة العدالة والتنمية صامتا وحانقا تحت مظلته حيث تهاطل الأمطار، والى جانبه مكرها تحت نفس المظلة مشارك آخر عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل يردد بحماس "بنكيران يا جبان، الأستاذ لا يهان" (وبنكيران لمن لا يعرفه، هو الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، "رئيس" الحكومة التي "تظهر وتختفي")..
20 فبراير 2017
شارك هذا الموضوع على: ↓