في البداية كل الدعم للجماهير الشعبية المنتفضة بمنطقة الريف، وخاصة بالحسيمة. وإذ لا يكفي التضامن عبر الفايسبوك أو باقي المواقع الالكترونية وعبر
ادعاء التضامن بأي طريقة أخرى، فالمطلوب هو الانخراط في المعركة، كل من موقعه؛ إن المعركة واحدة والمصير واحد. والأكيد أن كل المناضلين معنيون بتحمل المسؤولية تجاه كافة معارك أبناء شعبنا. إن المرحلة لا تسمح بالمزايدة أو التباهي (الصورة والصوت...) أو التوزيع العشوائي للتهم المجانية.. لنستفد من دروس 20 فبراير وباقي الانتفاضات الشعبية البطولية، ولنترجمها على أرض الواقع الملموس من منطلق التحليل الملموس...
لقد دخل الشهيد البوعزيزي من بوابة مدينة سيدي بوزيد تاريخ تونس من الباب الواسع، وفتح آفاقا أرحب أمام الشعب التونسي، بغض النظر عن مآل التجربة التونسية الذي لم يعكس حجم التضحيات المقدمة والشعارات المرفوعة، وعلى رأسها الشعار الخالد "الشعب يريد إسقاط النظام". طبعا كان ذلك في ظل شروط ذاتية وموضوعية تزامنت حينذاك والتطورات الإقليمية والدولية المعروفة (ما سمي ب"الربيع العربي").
وماذا عن المغرب بعد جريمة "طحن" الشهيد محسن فكري؟
هناك نهوض نضالي غير مسبوق ومستمر في مدينة الشهيد محسن الحسيمة والمنطقة عموما، وهناك تضحيات بطولية متواصلة، لم يجد النظام القائم بدا من التصدي لها كما عادته وانسجاما مع طبيعته الدموية، بواسطة الحصار والتضييق والاعتقالات والاختطافات.. فبعد لغة المناورة والتضليل لربح الوقت وإجهاض المعارك المتفجرة من خلال أساليب الترهيب والترغيب وتجنيد المرتزقة والأزلام في السر والعلن، عادت لغة القمع والتعذيب والترهيب، بل تمت حملات اعتقال واختطاف واسعة أسفرت عن الزج بالعديد من المعتقلين في المخافر والمعتقلات بالمنطقة وبالدار البيضاء، تحت طائلة تهم محبوكة بعناية.
وباختصار، كل معارك أبناء شعبنا مشروعة في مواجهة بطش واضطهاد النظام القائم بمنطقة الحسيمة وبمناطق مغربية أخرى. وأذكر معارك عمال عوام المحاصرة ومعارك إيمضر ومعارك الطلبة والمعطلين والعديد من المعارك المعزولة والغارقة في الصمت... فالمعارك القوية تفتح أعيننا على باقي معارك أبناء شعبنا وتوفر شروط التلاحم معها. وكل من يشوش عليها أو يشوهها، وهو ما يعني مناهضتها ومواجهتها، يضع نفسه في خندق النظام. وهي حال الأحزاب السياسية الجبانة والمتخاذلة والقيادات النقابية المتواطئة... وليكن شعارنا الأول إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين القابعين في سجون النظام...
وكما هو مطلوب دعم هذه المعارك، مطلوب كذلك المساهمة في توجيهها وتصحيح مسارها كلما بدا ذلك ضروريا، باعتماد مبدأ النقد والنقد الذاتي.. فكل المعارك في حاجة الى التأطير السديد، النظري والعملي (الميداني). فلا ممارسة ثورية دون نظرية ثورية (لينين)، علما أن الأفكار السديدة تأتي من الممارسة السديدة (ماو).
ولأن تجربة 20 فبراير أقرب الينا من حبل الوريد، فلا معنى تكرار نفس الأخطاء التي سادت أثناءها. ومن بين هذه الأخطاء:
- الغموض واختزال النهوض النضالي في المطالب الاقتصادية والاجتماعية وتقليص سقف المطالب/الشعارات السياسية؛
- عدم انخراط المعنيين الأساسيين بالتغيير في المعركة، أقصد جل العمال والفلاحين الفقراء؛
- السقوط في الزعماتية المرضية والمناسباتية الاستعراضية المملة، وابتعاد النقابات والقواعد النقابية بالخصوص عن الانخراط في المعركة؛
- إشراك خليط من القوى السياسية في "دعم" 20 فبراير، ومن بينها القوى السياسية الظلامية المناوئة للتغيير. ثم الحديث عن "الدعم" و"التضامن" وكأن هذه القوى في عالم غير عالم 20 فبراير؛
- تغييب سؤال الذات السياسية المناضلة المنظمة التي بدونها قد تفشل كل التجارب النضالية.
إننا اليوم أمام ملحاحية تجاوز أخطائنا كضرورة نضالية وكمهمة ثورية على عاتق كافة المناضلين من مختلف مواقعهم السياسية أو النقابية أو الجمعوية. إننا اليوم مرة أخرى في موعد مع التاريخ الذي لا نريده أن يعيد/يكرر نفسه بهذه المأساوية. لنعمل على رفع التحدي، تحدي بناء الذات المناضلة تحت نيران العدو.. إننا لا ندعو الى "وقف" التاريخ حتى بناء ذاتنا. إنها سيرورة نضالية في ظل الانخراط الدائم في كل معارك أبناء شعبنا، ومن بينها الآن معركة الريف الملتهبة، وليس بمعزل عنها..
فلا أفق لأي فعل نضالي أو تجربة سياسية بدون بوصلة سياسية. إننا مطالبون، ليس كمناضلين أفرادا فقط، بل كقوة سياسية جذرية حاملة لتلك البوصلة بإنتاج فعل نضالي منظم ومنتظم في صفوف الشعب المغربي عامة، وفي المقدمة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء...
30 ماي 2017
شارك هذا الموضوع على: ↓