2017/06/21

غريب الصياد//منذ انتفاضة 1981، ماذا تغير؟ مياه كثيرة مرت من تحت الجسر.


تأتي ذكرى انتفاضة الشعب المغربي في يونيو 1981 بعد 16 سنة عن انتفاضة
مارس 1965، وحينها كانت قد جرت من تحت الجسر مياه كثيرة. كما مرت ثلاث سنوات لتندلع انتفاضة بطولية أخرى أكثر اتساعا في يناير 1984. وكذلك كان، فقد جرت أيضا من تحت الجسر مياه كثيرة. عديدة هي الانتفاضات الشعبية التي تفجرت بشكل موضوعي إلى غاية انتفاضة 20 فبراير 2011 المجيدة، ووصولا لانتفاضة شعبنا الحالية بالريف لأزيد من سبعة أشهر.

فهل تغير شيء بين الأمس واليوم؟ 
أكيد أن لا شيء يبقى على حاله وأن الكثير من المعطيات قد تغيرت، وهذا يعظم مسؤوليتنا في الانكباب على المزيد من سبر غور مجتمعنا في الظروف الحالية، على ضوء العديد من التطورات العالمية والإقليمية، وعلى ضوء التطور الرهيب للوسائط ولآليات التواصل والإعلام/التضليل، وعلى ضوء تطور الآلة القمعية الجهنمية للامبريالية وعملائها المحليين. لكن هذا لا يمنعنا أبدا من مقارنة الأمس باليوم. فهل تغير شيء بين الأمس واليوم؟
يبدو أن متابعة الوضع ميدانيا وعبر مختلف الوسائط المتاحة يدفعنا لأن نجزم بأننا نعيش حاليا ظروف انتفاضة قادمة لا محالة، بالنظر إلى سياق انتفاضة يونيو 1981 على وجه التحديد، والتي يمكن أن نكثفها في نقط محددة في أزمة الامبريالية المشتدة باضطراد، والظروف الإقليمية الموسومة بالحروب الموجهة بخيوط الرأسمال العالمي وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي والاجتماعي المحلي، بالإضافة إلى الأزمة الذاتية المتجلية أساسا في تسوس الإطارات النقابية والسياسية والجمعوية وعجز القوى الإصلاحية الانتهازية عن تأطير أوسع الجماهير الشعبية عبر شتى القطاعات في ظل رهانها المستتر (والظاهر أيضا) على البورجوازية، وانتهاء بغياب الحزب الثوري.

لقد تميز السياق الاقتصادي العالمي قبيل الانتفاضة بميزة أساس مفادها الأزمة الخانقة، والتي تجلت -على سبيل الذكر لا الحصر- في تدني أسعار المواد الأولية والارتفاع الصاروخي لأسعار النفط والفوسفاط وغلاء البضائع والسلع التجارية، ومنه محاولة تصريف تلك الأزمة على كاهل الشعوب مع انعكاس هذا الوضع على مستوى التصدير المحلي للدول التبعية، الشيء الذي أدى إلى نهج سياسات لا شعبية قوامها التقشف من طرف أنظمتها وحكوماتها وإطلاق يد التحكم المطلق لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، خصوصا بعد فقدان الامبريالية عسكريا لمجموعة من النقط الاستراتيجية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
كما عرف هذا السياق تضررا للرأسمال الصناعي على حساب المالي والتجاري وبقيت عملية ربط عجلة الاقتصادات المحلية اللاوطنية بدورية الأزمات الامبريالية على المستوى العالمي مسألة تحصيل حاصل.

وعلى المستوى الإقليمي، فقد خيم سياق الحرب في الصحراء الغربية على الوضع السياسي المحلي بشكل شبه كامل، ذلك أن تخدير الجماهير بأكذوبة الإجماع كان ضروريا لصرفها عن الانتفاض ضد أوضاعها المزرية. وقد كانت القوى الإصلاحية طرفا في التضليل (الانخراط بشكل ملكي أكثر من الملك في الدفاع عن ما يسمى بالوحدة الترابية) – مما ساهم آنذاك في التلطيف السمج لوقع هزيمة النظام أمام المقاومة الصحراوية وكذا هزيمة النظام الموريتاني وانسحابه من الصراع على وادي الذهب. وكانعكاس اقتصادي لأزمة النظام على المستوى الحربي- العسكري، تم اللجوء الى رفع نفقات الحرب مما ساهم في جعل آلتها الجهنمية تنيخ بكلكلها على الشعب المغربي جراء ثقل المديونية ثم اللجوء إلى الاستدانة من أجل تسديد نفقات القروض السابقة. لقد عم فساد الجيش آنذاك في معظم أركان الحرب العامة وتحول الضباط السامون والجنرالات إلى مصاصي دماء يقتاتون على التجارة في السوق السوداء بمقابل الزج بأبناء شعبنا المغرر بهم في غياهب المجهول/ رمال الصحراء.

من جهة أخرى، تميزت أوضاع الجماهير المسحوقة قبيل الانتفاضة بالتردي والتدهور، في مقابل ازدهار وضع البورجوازية الطفيلية آنذاك. فبعد أن نحا النظام منحى القضاء على الملكيات الفلاحية الصغيرة للفلاحين الفقراء، شرع في ضمها إلى ملكيات كبرى لصالح كبار الملاكين - وهم جزء لا يتجزأ من نسيج التحالف الطبقي المسيطر، مما ساهم في اضطراد وتيرة الهجرة القروية نحو المدن، خاصة الدار البيضاء التي بدت كوجه بشع لأفظع أشكال الاستغلال الرأسمالي التبعي، تجلى في الفرار الجماعي للقرويين من جحيم الفقر إلى جحيم المدينة بالأفواج.
فعلى المستوى الاجتماعي، نمت الأكواخ ودور الصفيح كالفطر، وباتت الكاريانات خزان انتفاضة قادمة لا محالة. واقتصاديا، لجأت البورجوازية الطفيلية المحلية إلى التعويل على إنعاش الزراعات التصديرية على حساب الغذائية في بلد يتم مرارا التبجح أمام المحافل بكونه بلدا زراعيا بامتياز، بلدا يعيش شعبه في واقع الأمر على منتوجات الاستيراد الخارجي وبعض سلع الكومبرادور. ولم يكن غريبا ولا تضخيما القول بأكل الناس من فضلات الأزبال جراء الفقر المدقع.
لقد تدنت القدرة الشرائية في تلك الظروف بشكل مهول وانتعشت السوق السوداء وساد الريع وزادت نسبة التضخم (حسب إحصائيات رسمية حتى). وساهم في وقوع الانفجار إثقال صغار الموظفين بالضرائب على شاكلة لم تكن لتطاق، حتى انسدت كل الآفاق أمام مختلف الشرائح المسحوقة، عمالا وعوائل، شبابا ونساء وشيوخا، انضافت إليه قسوة الطبيعة بفعل الجفاف المعلن رسميا.
لقد كانت القشة التي قصمت ظهر الجماهير إعلان 28 ماي 1981 عن زيادات صاروخية في مواد أساسية كالمحروقات والسكر والحليب والزيت والزبدة... تنفيذا لتوصية صندوق النقد الدولي وخضوع النظام التبعي القائم في المغرب، فانفجرت المظاهرات العفوية في الجهات الأربع للبلاد كما شلت قطاعات معينة يوم 18 يونيو بشكل محدود متحكم فيه. إلا أن ما لم تستطع قيادة الكدش آنذاك التحكم فيه حقا هو الإضراب العام ليوم 20 يونيو وما تلاه، رغم تهديد أزلام النظام للموظفين والتجار والعمال ومحاولات فاشلة لتكسير الإضراب بجلب سائقين بدلاء للحافلات المشلولة مع الترهيب بالقمع تارة وبفزاعة البوليساريو تارة أخرى.
لقد تجاوزت الانتفاضة السقف المفترض لدى الاتحاد الاشتراكي والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، إذ اندلعت المواجهات ووضعت المتاريس وأطلقت أجهزة القمع النار في كل الاتجاهات كما تدخل الجيش وجلبت الإمدادات من مدن أخرى ونزلت المدرعات واستعملت الرشاشات وطائرات الهيلكوبتر في وجه شعب بطل أعزل.
ومرة أخرى، مرت مياه كثيرة من تحت الجسر، ووجهت صفعة أخرى لقوى الإصلاح الملكية المراهنة على لعبة شد الحبل مع نظام دموي في كنهه بغية مفاوضته/ مهادنته، بعد أن انهارت لوهلة (بالنظر للزمن التاريخي/النضالي) تلك الهدنة التي تلت انتفاضة 65 بين النظام والقوى الإصلاحية.
لكن، ورغم ذلك، فقد دونت صفحة أخرى بمداد العز والفخر في سجل تاريخ مقاومة شعبنا البطل. وإننا نأمل أن نستخلص كمناضلين في خدمة قضية شعبنا دروس الانتفاضات بين الأمس واليوم، أكثر منه إعادة للتوصيف والسرد المجردين.

 لقد مرت من تحت الجسر مياه كثيرة حقا، كما أن كل الانتفاضات قوبلت بالحديد والنار، إذ كما يقال، وفي كل انتفاضة، لم يبق حجر على حجر ولا رأس فوق كتف، وكذلك سيكون الشأن مستقبلا إن لم تنظم الجماهير الشعبية نفسها بانتداب قواها الثورية الحقيقية ونبذ القوى الإصلاحية التي تتاجر في معاناة هذا الشعب، ونخص شعبنا بمفتاح التركيز أساسا على قدرة الطبقة العاملة الحاسمة في الصراع لقلب موازين القوى لصالحه، فلا حاجة لتذكير المناضلين القابضين على الجمر بضرورة هذه الطبقة الثورية حتى آخر رمق بقيادة حزبها المستقل عن كل ما قد يعرقل مهام التغيير الجذري ببلادنا ومنه تكرار نفس المعاناة بل وتأبيدها رغم أنه وكل مرة تمر من تحت الجسر مياه كثيرة.
إن النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي سيلجأ للعنف والبطش والقتل عاجلا أم آجلا، فلا صفحة ماض طويت ولا مصالحة تمت ولا عهد جديد حل ولا طبيعة طبقية تغيرت. فلندرك هذه الحقيقة بدل الكذب على شعبنا وخداعه والإسهال في مطالبة نظام دموي بأن يكون ديمقراطيا وحداثيا، بأن يفي بالتزاماته الدولية/ الشكلية، وبأن يسمح لنا عن طيب خاطر باقتسام سلطة أو حتى السماح لنا بالصراخ في وجهه. لنتعلم من دروس الانتفاضات السابقة ومن العبر التي يقدمها صمود شعبنا في الريف، ولنقطع الطريق على المتاجرين سياسيا وإعلاميا بنضالات الشعب المغربي كخطوة أساس لعزل النظام القائم بدل عزل مناضلي شعبنا الأوفياء وفسح المجال للقوى الإصلاحية المنهزمة والمتواطئة وللقوى الرجعية، ومنها الشوفينية والظلامية...

غريب الصياد/ المغرب
20 يونيو 2017.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق