مرة أخرى، لا داعي لإلقاء الورود على بعضنا البعض، كلما نظمنا وقفة أو مسيرة
أو إضرابا... ومرة أخرى، لا داعي للتذكير بأن أي فعل نضالي (أسطر هنا على نضالي) رغم ضعفه لا يمكن إلا أن يشكل نقطة ضوء في مسار نضالات شعبنا نحو التحرر والخلاص. فالتراكم النضالي من شأنه أن يرقى بنا الى مستويات فعل أقوى في حالة دراسته واستيعابه في إيجابياته وسلبياته وسياقاته، وفي أخطائه ونقط ضعفه وفي نقط قوته أيضا..
وبدون شك، لا نسعى الى جلد الذات أو التباكي على عجزنا الذي لا تخطئه العين في كل مناسبة أو محطة. ولنتسلح بإرادة مواصلة المسير على جراحنا بإعلان حقيقتنا (في نسبيتها طبعا) وممارستها، وخاصة في شقها الذاتي، رغم الانزعاج الذي يتملك الكثيرين بسبب قيامنا ذلك.
نظمت مسيرة الرباط ليوم 16 يوليوز 2017 حسب عدة إعلانات ولافتات وتغطيات إعلامية من طرف "الجبهة الشعبية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية"، هذه الأخيرة التي جمعت تنسيقيات عدة (التقاعد، المعطلين، الأساتذة المتدربين...) الى جانب أطراف مختلفة أخرى. وعموما حضرت عدة "أطياف" سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية، وكذلك المتضررون من الحركة الانتقالية في قطاع التربية والتكوين لهذا الموسم، باستثناء "الجماعة". وربما كل الأعين إبان المسيرة كانت تنقب عن وجوه نساء ورجال "جماعة العدل والإحسان".
شهدت المسيرة حضورا متواضعا جدا، مقارنة مع مسيرة الرباط ليوم 11 يونيو 2017 التي أثثتها جيوش "الجماعة". وطبعا، يطرح السؤال المشروع: أين هذه الجيوش اليوم؟ إنه غياب غير مأسوف عليه، ويطرح علينا بالتالي رفع التحدي وعدم تكرار أخطاء الماضي.. إنه غياب يصور بأمانة حقيقتنا العارية (رب "ضارة" نافعة).. وتواضع الحضور لا يعني التشبث بأهداب الجماعة أو استجدائها، فلها رهاناتها وحساباتها في علاقة ذلك بالداخل (النظام) والخارج (الامبريالية).. إنها لحظة تأمل لاستشراف المستقبل بغاية تجاوز هذا "التواضع" الفظيع والمستفز للجميع..
شهدت المسيرة أيضا لقطات ارتباك في التنظيم والشعارات، بما يحيل على مراحل "خفوت" إشعاع 20 فبراير.. ومما يحيل على التساؤل أيضا هو حضور "رمزي" لحزب الأصالة والمعاصرة "بام" من خلال حضور/مشاركة المنظمة الديمقراطية للشغل (ODT)، الذراع النقابي "الجديد" للحزب "الملكي" (الذي يعترف بملكيته ويعتز بها)..!!
رفعت شعارات كثيرة على طول المسيرة، وعلى رأسها شعارات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتضامن مع معارك وتضحيات الجماهير الشعبية بالريف، وكذلك التنديد بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية على طول وعرض بلادنا. إلا أنه يلاحظ من خلال قراءة سياسية للشعارات أن هذه الأخيرة غير دقيقة، وغير معبرة عن مميزات هذه اللحظة السياسية. لقد تم ترديد شعارات بعشوائية غير مقبولة، وبلا روح متجددة ومواكبة للمستجدات والمتغيرات القائمة الآن. وأستطيع القول، إن بعض شعارات 20 فبراير كانت أعمق من شعارات اليوم. وهو مؤشر سيء يدق ناقوس تخلفنا عن التقاط نبض اللحظة التاريخية الراهنة.. ويتجلى ذلك بالكثير من الوضوح أيضا من خلال التسمية "الجبهة الشعبية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية".. إنها تسمية أو شعار يكثف موقف أو مواقف مغرقة في النكوص وغير مستعدة لخوض غمار معارك المستقبل التي من شأنها استقطاب ولف أوسع المعنيين بالثورة المغربية، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية..
ولا تفوتني الفرصة لأسجل استغرابي لبعض الشعارات الخارجة عن السياق، وفي مقدمتها شعار "المخزن خاين وطنا".. أولا، الحديث عن "المخزن" صار متجاوزا، وترديد هذا المصطلح محل النظام القائم صار "رسالة" تميز بين هذا وذاك (الفرز الذاتي)، حتى لا أقول أكثر من ذلك.. ثانيا، ما معنى خيانة "المخزن" لوطننا؟! من له انتظارات لدى "المخزن"؟! هل مرة أخرى ننتظر "دمقرطة المخزن"؟! الحديث عن الخيانة يستقيم عندما يتعلق الأمر بمن كان مع قضية وتخلى عنها، أي خانها أو غدر بها.. وهل كان "المخزن" مع "وطنا" يوما حتى يتخلى عنه أو يخونه؟! المشكل صراحة، ليس في الشعار (لأن من رفع الشعار واع بالهدف من رفعه)، بل في من سمح برفع الشعار، علما أن للمسيرة لجنة شعارات (في إطار الجبهة الشعبية...)!!، كما لها لجنة تنظيمية أيضا. وقد أعلن عن ذلك أمام الملأ قبل انطلاق المسيرة بباب الحد..
لم تقمع المسيرة كما حصل في مناسبات/محطات سابقة أو في طنجة البارحة، لكن هذا لا يدل على شيء يستحق التوقف عنده، لأن طبيعة النظام الإجرامية ثابتة.. وإذا لم يقمع النظام المسيرة اليوم، سيقمع مسيرات أخرى غدا بالرباط وبمدن ومناطق مغربية أخرى.. ولنضع ذلك أمام أعيننا باستمرار.. ويجب أن نقتنع بأن قمع نضالات أبناء شعبنا، وخاصة في المناطق المنسية والمعزولة، هو القاعدة وأن غير ذلك استثناء.. فلا غرابة ولا استغراب!! بدون شك، فالنظام يستجمع قواه لمواجهة تحدي 20 يوليوز 2017 بالحسيمة (أسلوب العصا والجزرة)، وفي غنى عن فتح جبهات أخرى، وخاصة بالعاصمة، حيث الأسماء "الوازنة" والصحافة "الوازنة" وأشياء أخرى..
كل مسيرة، وكل وقفة، وكل محطة نضالية، بالرباط والحسيمة والبيضاء واكادير ومريرت وفاس وطنجة و... الخ، نحن مناضلون حاضرون وبإيجابية ومسؤولية، ونسجل أن درس أو مهمة بناء الذات المناضلة تخيم على كل أشكالنا النضالية.. وبدون الانخراط في معمعان بناء الحزب الثوري الى جانب الطبقة الثورية حتى النهاية، الطبقة العاملة، سنظل ندور في حلقة مفرغة وفي متاهات لا نهاية لها..
لن ننخدع للأوهام ولن يعصف بنا الحماس.. لنا ذاكرة ولنا تاريخ ولنا رصيد نضالي.. لقد صمد المناضلون في وجه شراسة سنوات الرصاص، سنوات الحديد والنار، في الدهاليز السرية والأقبية المظلمة والكاشوات النتنة والزنازين الصدئة.. وكثر منهم يواصلون المعركة بكل عنفوان ونكران الذات، وبكل إخلاص للقضية ولشهداء القضية ورفاق القضية..
كل التضامن مع أبناء شعبنا داخل السجون الصغيرة وداخل السجون الكبيرة.. ولنتذكر أن هناك معتقلين سياسيين منسيين وأن هناك معارك نضالية منسية..
إن النظام يسلط الضوء على منطقة ليستفرد بأخرى.. لنواجه النظام في كل المناطق، ولنفضح أساليبه البائدة..
شارك هذا الموضوع على: ↓