بين 11 ديسمبر 1977 و11 ديسمبر 2017 (40 سنة، "مرت على ضحكتها")، ذكرى
استشهاد المناضلة الماركسية اللينينية المغربية سعيدة المنبهي؛ عاش العالم على أهم التطورات لمجمل نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الحالية. قد نقول مرحلتين تركت تأثيرين متباينين على رؤية الإنسان للنضال، وعلى بناء مصالحه وأهدافه، وعلى نظرته للعالم: مرحلة المد الثوري وانتصارات حركات التحرر الوطني مقابل هزائم الامبريالية؛ ومرحلة يتم التعبير عنها بمرحلة ما بعد انهيار الكتلة الشرقية وبدء النظام العالمي الجديد. وفي هذه الأخيرة شهدنا سقوط العديد ممن كانوا في المرحلة السابقة محسوبين على الصف التحرري وتحولهم لدعاة يلهثون خلف منظري المراجعات؛ وخلصوا الى مسلمة انتصار الرأسمالية، وأن الإنسانية لم يتبق لها من أمل سوى "النضال الديمقراطي" (البورجوازي)، وفتحوا الأبواب على مصراعيها للمتاجرة في الإرث النضالي لشعبنا ونشطوا التسابق/التهافت، بعد إشارة النظام، لإخضاع كل ما يقع بين أيديهم للمزاد، وحولوا التضحيات إلى غنائم تباع وتشترى، ووسيلة في يد النظام لعزل المناضلين الحقيقيين والتشويش عليهم وعلى نضالاتهم وتضحياتهم وترويض أشباه المناضلين وإضفاء طابع "القداسة النضالية" على شخوصهم المريضة وتمويل مشاريعهم والدعاية لها وشراء صمتهم وضبط "الاستقرار" ونشر التضليل والدعاية ل"الانتقال الديمقراطي" وضمان الانتقال السلس للسلطة والدعاية لنهاية الشيوعية وأن الرأسمالية والاستغلال والاضطهاد قدر الإنسانية التاريخي (في الصيغة الظلامية/الرجعية "فضلنا بعضكم على بعض في الرزق")، وأن لا أمل في بناء مجتمع المساواة والحرية والديمقراطية وبالتالي الاشتراكية (ديكتاتورية البروليتاريا)، فالشيوعية..
اليوم، وبعد اختيار مسار المراجعات، أمكن لمجموع المرتدين والمرتزقة وللمصابين بالجبن والتيه و"جنون العظمة"، ومن لم يستطيعوا الالتزام بالقضية والمسار، فكرا وممارسة في معمعان الصراع الطبقي، واستيعاب واحتضان الخط الثوري الذي رسمه الشهداء وفي مقدمتهم الشهيدة سعيدة المنبهي، أمكن لهم تزوير وتشويه الحقيقة و"تهذيب" المسار الثوري لتجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية وما ينطبق والطموحات المستجدة لمسار الردة ولمصالح تجار العمل السياسي، وتكييف تاريخ مجيد، كتب بالدماء سيرا على درب شعبنا في التحرر والانعتاق، وما يخدم أهدافهم الخسيسة، حيث تلتقي وأهداف النظام.
والمؤسف هو أن تشيد "المعابد" (المراكز) المزورة باسم الشهداء لقتل تراث الشهداء وطمس تضحياتهم، وبالمقابل الافتراء عليهم وتمرير أسطوانات الانبطاح التي لا تمت بصلة لمواقفهم وتصوراتهم ومرجعيتهم. إنها حال "مركز سعيدة المنبهي للأبحاث والدراسات"، هذا الأخير الذي يحمل اسم الشهيدة سعيدة المنبهي زورا وضدا على الأخلاق النضالية التي من المفروض أن يتحلى بها من يتشرف بتبني الشهيدة وإرثها وتضحيتها. والمؤسف أيضا أن يسود الصمت، صمت القبور تجاه المبادرة الشنيعة في الوقت الذي يطالبنا التاريخ والوفاء للشهيدة بقول الحقيقة والوقوف ضد المؤسسات المتاجرة في تضحيات الشهداء... إنه التحدي الذي يمتحن صدقنا وشعاراتنا ومواقفنا... فإما أن نقول الحقيقة دائما أو لنصمت الى الأبد...
إن الشهيدة سعيدة لم يروضها الجلاد ولم يقهر صمودها واقتناعها بقضية شعبها. ولا حد السجان من ارتباطها بالمشروع التحرري، ولا لجم طموحا ثوريا ظل سلاحها الفعال في معركة الإضراب عن الطعام والمشروع الذي تمثل روحه سعيدة وزروال وباقي شهداء قضية شعبنا.. فلا يمكن أن يصل، في شروط الصراع الطبقي الدائر اليوم، الى "الإنصاف والمصالحة" والى حزب تحت سقف الملكية والى المؤسسات التي تتاجر بأسماء الشهداء، غير المنبطحين، أعداء شعبنا. إن المشاريع الممسوخة لا مكان فيها لأمثال المناضلة الشهيدة سعيدة... فالشهيدة أكبر بكثير من أهداف المرتزقة والمرتدين والتائهين... لأن سعيدة وهبت حياتها لمشروع الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية؛ ومعركتها دليل إصرارها على الالتزام بالدرب المطلوب حتى النهاية، من دون مساومة ولا تردد ولو أنه كلفها حياتها ومستقبلها...
إنها الحقيقة الساطعة... وإنه التاريخ الذي يستعصي تحطيمه أو تحريفه، مهما كانت الأكاذيب والمغالطات المتناهية في السخافات المغلفة بأكاليل "المجد" في الصالونات المكيفة، تحت غطاء روابط دموية، وروابط مرحلة يتنكرون لروحها ويفخمون كل ما هو قابل لمقلبهم...
واليوم وغدا كما الأمس، لن يمثل، ولم يمثل سعيدة سوى المشروع الثوري، سوى الحقيقة التاريخية...
واليوم وغدا كما الأمس، لن يمثل، ولم يمثل رفاقها الحقيقيين سوى من اعتنقوا هذا الدرب، درب الثورة؛ ووحدهم لهم مشروعية الحديث باسم رفاق الشهيدة ورفاق الشهداء الثوريين...
إن ما يسمى "اليسار" ببلادنا وبجواره بهلوانات وكراكيز مواسم النضال وعشاق الصورة وانتهازيي الفرص واللاهثون وراء الفتات المسموم (في أوج المحاكمات السياسية)، وثوار الألفاظ والشعارات، يسخرون كل تضحيات أبناء شعبنا وكل تاريخ وتراث الشرفاء والثوريين لخدمة هيمنة النظام على كل تصور لما هو ممكن، لحجب مصالح وطموح المستغَلين والمهمَشين والمضطهَدين، وتضبيبها؛ إنه "يسار" اليوم، يسار ممسوخ، و"ثوار" اليوم، ثوار الألفاظ والشعارات، و"مناضلو" اليوم، مناضلو العناق والصورة... إنه "مجمع" لا يتسع أفقه لصرخة رضيع، إنه أحد أسباب فشل تضحيات شعبنا في التخلص من قبضة النظام اللاوطني اللاديموقراطي اللاشعبي.
إن كفاح الجماهير الشعبية للتخلص من النظام، لا يمكن أن يقرن بالنجاح دون أن يكون مصحوبًا بمصارعة الأوهام والتضليل والأكاذيب التي ينشرها الانتهازيون والمرتدون وأحزاب وجمعيات التمويل وبيروقراطية الفساد النقابي وكل من رضوا بمنظومة النظام، ومنظومة الاستبداد والقمع...، إنه في العمق صراع ضد حراس النظام وذيوله. إنه تثبيت لمسار الشهداء، مسار الثورة...
وفيما يلي مقال لي سنة 2016 بمناسبة افتتاح المركز تحت عنوان "مركز سعيدة المنبهي للأبحاث والدراسات... انطلاقة غير موفقة":
تم مؤخرا الاعلان عن قرب افتتاح مركز سعيدة المنبهي للابحاث والدراسات. انها مبادرة مشكورة ومطلوبة ومنذ مدة طويلة بالنسبة للشهيدة سعيدة ولباقي شهداء الشعب المغربي بدون استثناء.
اننا حتى الآن لم نف شهداء شعبنا حقهم. للتاريخ والشعب المغربي كلمتهما بالتاكيد، لكن لابد من القيام بالواجب النضالي بشأن تضحياتهم الغالية. وكم تفاءلنا باعلان ميلاد مركز الشهيدة سعيدة إلا ان تفاؤلنا اصطدم باعلان المركز عن تنظيم ندوتين بمناسبة تدشينه يوم 10 دجنبر 2016 حول (كما ورد في نص الدعوة):
1- "الحركة النسائية في مغرب ما بعد الاستقلال" - واقع الحال الرهانات والآفاق -
2- "الذاكرة، التاريخ والدمقرطة في مغرب ما بعد الاستقلال"- واقع الحال، الرهانات والآفاق-
والمثير في الامر هو الحديث من خلال عنواني الندوتين عن "ما بعد الاستقلال". والكل يعلم (للحقيقة والتاريخ) ان الشهيدة سعيدة المنبهي لم تتبن حكاية "الاستقلال". انها كمناضلة ماركسية لينينية، وكرمز من رموز الحركة الماركسية اللينينية المغربية، كانت ترفض ولم تعترف بما يسمى "بالاستقلال"، اي الاستقلال الشكلي.
ولا نعتقد أن اختيار موضوعي الندوتين موفق، انها انطلاقة غير موفقة. ومما لا شك فيه، ان هناك الكثير من المواضيع التي تليق بندوة افتتاح وتدشين المركز، وايضا بمناسبة الذكرى 39 لاستشهاد سعيدة (11 دجنبر 2016). ولعل أهمها "قراءات في ابداعات وانتاجات وتجربة الشهيدة سعيدة"، وكذلك شهادات في حقها، ودون طبعا أن نملي على أحد ما يجب أن يكون أو أن نتدخل بدون استئذان. علما أن الشهيدة تهم الجميع الذي يشرفها ويخدم قضيتها، قضية شعبها/شعبنا...
نتمنى تجاوز "سقطة" البداية وبالتالي انسجام مسار المركز مع مسار الشهيدة. فخطير أكل "الثوم" بفم الشهداء...
المجد والخلود للشهيدة سعيدة في ذكرى استشهادها، ولكافة الشهداء
2 دجنبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓