تابعت منذ الوقفات والمسيرات التي تلت انتفاضة 20 فبراير 2011 بروز بعض الوجوه
الغريبة التي تتقدم الحشود وترفع الشعارات وتمتطي "الهوندات" (سيارات HONDA) وتحتكر "الميغافونات" (MEGAPHONE)؛ وجل هذه الوجوه من الشباب، إناثا وذكورا. ويتميز بعضها وبشكل بارز بالاستعمال المكثف للماكياج وتقليعات الموضة (تصفيف الشعر وطريقة اللباس وشكله...). وكان حينذاك حديث بعض الأطراف السياسية حول "شباب 20 فبراير" مبالغا فيه... ومن بين هذه الأطراف من احتضنت بعض الوجوه، تمويلا وتعبئة/شحنا، لتمرير شعاراتها ومواقفها وادعاء حضورها الميداني. أما الخلفية السياسية وراء ذلك، فهي العجز عن الانخراط السياسي المسؤول في المعارك النضالية المتفجرة. ونلاحظ ذلك بالمكشوف من خلال اعتماد الصيغ الملتوية، ومن بينها تشكيل "مجلس الدعم"، وكأننا سندعم معارك ليست معاركنا.. يا للغرابة!!
والمثير هو تركيز عدسات المصورين (صحافيين أو غيرهم من الهواة أو المحترفين) على هؤلاء الشباب، لدرجة أصبحنا شئنا أم أبينا أمام "زعماء" يملؤون الساحات (الميدانية والافتراضية) شعارات وضجيجا...
والمثير أكثر هو سقوط أغلب تلك الوجوه الغريبة فيما بعد في أحضان النظام وأزلامه. ولن أتردد في اعتبارها، أي تلك الوجوه، عناصر مسخرة لأداء مهام دقيقة، من أجل إجهاض الأشكال النضالية وتوجيهها، في أفق تشويهها، بل وقتلها. كما لن أتردد في اعتبار جل المصورين أدوات طيعة في يد النظام وأزلامه. وبدون شك، تتحمل مسؤولية ذلك الأطراف السياسية التي عانقت تلك الوجوه الغريبة المنبعثة من العدم، دون التقصي حول ماضيها وتطلعاتها "المتبرجزة". فالعجز أو الضعف السياسيان لا يبرران الارتماء في أحضان "الشيطان" أو معانقته.. إنها "الميكيافيلية" المقيتة (الغاية تبرر الوسيلة)!!
والخطير أنه تكرس لدينا نوع من "الشخوص" الذي يهوى الواجهة والتقاط الصور، سواء كان بريئا أو مشبوها. وهو ما انضاف الى تمييع الوقفات والمسيرات، حيث صارت هذه الأخيرة محطات احتفالية (حد الإسهال) لامتصاص الغضب وإحياء "صلة الرحم" وتوثيقه وتوزيع "الحنان" المفتقد لدى العددين والعديدات، بدون أي بعد أو عمق كفاحيين.
وما ساد في السنوات التي تلت 20 فبراير، انتقل باحترافية واجتهاد الى انتفاضة الريف على مداها الزمني الطويل. وهو ما خلف النهايات المأساوية لتضحيات أبناء شعبنا سواء بالريف أو بغيره، بالأمس واليوم...
وما يحز في النفس الآن، هو التكرار الكاريكاتوري لهذا السيناريو البشع بالمدينة العمالية الثائرة جرادة.
لنراجع الفيديوهات المصورة واللقطات المنشورة، نفس الشعارات (على المقاس وفي حدود السقف المرسوم) ونفس الطقوس واللحن (العزف "الحزين" على العواطف والتجييش بدون أفق واضح أو معلوم...)، وطبعا العديد من الوجوه الغريبة (الشابة والطاعنة في السن) المنبثقة من العدم، منها المسخرة من طرف النظام ومن طرف القوى الرجعية (ظلامية أو شوفينية)، ومنها الوجوه الانتهازية التي تسعى الى كسب الرضى من أي جهة كانت وجلب الأضواء لتسويق منتوجها الموبوء، ومنها للإنصاف الوجوه التائهة، عن حسن نية...
وعلى ذكر "حسن النية"، فلا يعذر أحد، خاصة إذا كان مناضلا، بجهل القوانين العلمية للصراع، وعلى رأسها "إما أن تكون أو لا تكون"...
وللإنصاف أيضا، ففي جل المعارك، من 20 فبراير وعبر الريف الى جرادة، ومن قبل ومن بعد، حضر ويحضر المناضلون المخلصون لقضية شعبهم. ويشرفهم الحضور الواعي والمسؤول الذي يربط النظرية بالممارسة (لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية)، والذي يسعى الى تطوير أداء البديل الجذري الذي من شأنه تصحيح مسار نضالات أبناء شعبنا، وفي المقدمة الطبقة العاملة، وتأطيره وتنظيمه في أفق الخلاص والتحرر الطبقيين من قبضة النظام الرجعي القائم.
والأسئلة المشروعة التي من المفروض أن تطرح هي:
من أين ينبع هؤلاء "الزعماء"؟
أين كان هؤلاء "الزعماء"؟
أين كانت أحزابهم ونقاباتهم وجمعياتهم؟
أين كانت "أوكارهم"؟
لماذا غاب هؤلاء "الزعماء" حتى اليوم، أي بعد كل هذه المعاناة؟
ماذا عن 20 فبراير؟
ماذا عن الريف (الحسيمة...)؟
ماذا عن مصير جرادة؟
ماذا عن المستقبل، مستقبل شعبنا برمته؟
ماذا عن الزعماء الحقيقيين؟
هل الزعماء بديل عن التنظيم الثوري؟!!
فحتى السجون، لم يعد ينبع منها الثوار..
وللتاريخ، وعكس الشعارات المرفوعة، ناذرا ما نبع منها الثوار..
لا بديل عن التنظيم الثوري...
شارك هذا الموضوع على: ↓