مِما لاشك فيه أن تعويم العملة هو الخضوع لشروط الدائنين القاسية جداًّ، أي مزيداً من الإنصياع الحديدي لإملاءات المؤسسات المالية العالمية كقنوات تتيح للامبريالية تمرير أزماتها البنيوية على كاهل الشعوب.
هذه المؤسسات تجبر البلدان المعنية على الذهاب بعيداً في "الإصلاحات"، أي في تنزيل المخططات الطبقية موضوع وَصَفَات صندوق النقد الدولي و البنك العالمي على وجه الخصوص، اي تصعيد الهجوم على القوت اليومي للشعوب، قبل تحرير العملة.
و لا أدل على ذلك أن النظام الرجعي القائم بالمغرب قد قطع أشواطاً متقدمة في الإجهاز على مكتسبات الجماهير الشعبية و إنزال المخططات الطبقية المشؤومة. فاليوم أصبح التعليم بالتعاقد أمراً واقعاً، و تم الإجهاز التام على الحق في الشغل، و لم يتبقى من صناديق التقاعد إلا الإسم. يتم أيضاً المُضي قُدُماً في الإجهاز على صندوق المقاصة، بعدما أصبح الحق في الصحة و التعليم في خبر كان (إلخ).
و يصل مستوى الدَّين العمومي رقماً قياسيا، فقد تحدثت جريدة ليكونوميست (النسخة الالكترونية) عن 851 مليار درهم أي ما يقارب 80 مليار دولار و هو ما يمثل84,4% من الناتج الداخلي الخام. و لست متأكداً من أن هذه الإحصائيات الرسمية تضم خطوط الاتمان التي يعتمدها النظام لتغطية العجز من العملات الصعبة.
و قد وصل العجز التجاري 172,7 مليار درهم (حتى نهاية نونبر 2017). و هو عجز بنيوي يتعمق سنة بعد أخرى مع اللجوء إلى الاستدانة أكثر ل"سد" العجز.
في ظل هذه الشروط و غيرها إذن يلجأ النظام الرجعي إلى سياسة التعويم.
و يتضح جلياً مما سبق بأن تعويم الدرهم يرتبط بأزمة مالية خانقة و بوضع سيء لقيمة العملة المحلية، سيجبر النظام على اللجوء إلى المزيد من الاقتراض الخارجي بتكاليف باهظة أساسها إعادة رؤوس الأموال إلى البنوك العالمية إضافة للفوائد المرتفعة جدا (خدمة الدين).
اقتراض سيتم استعمال جزء منه لتعويض الأموال التي تم ضخها في مشاريع بمختلف البلدان الإفريقية التي حصلت عليها البرجوازية المحلية بشراكة مع الرأسمال العالمي (خاصة الفرنسي). و بالطبع فهذه الشركات (مالكوا وسائل الإنتاج) هي من يستفيد من العائدات من افريقيا التي أصبحت تشكل سنة بعد سنة جزءا مهما من مداخيلها (التجاري وفا بنك، البنك المغربي ت خ، البنك الشعبي، لافارج، أونجي أفريكا، مجموعة الضحى، إلخ). الجزء الآخر من القروض سيتم توجيهها على شكل صفقات لخدمة المستثمرين (ناهِبي رؤوس الأموال) لتوظيفها في "مشاريع" لن تخدم إلا البرجوازية و ستكرس مزيداً من الاستغلال للجماهير الشعبية (بناء الملاعب الرياضية، الطرقات و البنية التحتية لخدمة و تسهيل العمليات اللوجستيكية بين الشركات، إلخ.).
و سيؤدي حتماً تعويم الدرهم إلى انخفاض قيمته في السوق، أي أن قيمة الواردات بالعملة الأجنبية سترتفع فيما سيحصل العكس بالنسبة للصادرات.
و بالتالي سيتم اللجوء إلى المزيد من الاستدانة الخارجية، أي تعميق المزيد من التبعية للدوائر الامبريالية لتغطية العجز المتفاقم بين الواردات و الصادرات. مع العلم أن نسبة مهمة من المواد المصدرة (الصادرات) لا تعود بأية فائدة لسد العجز. فالمعني هو الشركات المحلية أو العالمية التي تحضى بقوانين تفضيلية كالإعفاءات الضريبية السخية أو امتلاك حسابات بنكية بالعملات الأجنبية (كالدولار أو الأورو) تجنبها خسائر التداول بين الدرهم و العملات العالمية الأخرى، إضافة لعدم خضوع تحويلاتها المالية للبنوك الأجنبية لأية مراقبة. و بالتالي ففائض القيمة يتم تحويله للدول المعنية (الامبريالية) دون عناء لتستفيد منه البرجوازية الأوروبية و الامريكية، إلخ. أي أن فائض القيمة الذي تنتجه الطبقة العاملة المغربية يوزع على شكل أرباح أو/و يوظف في مزيد من الاستثمار (محليا أو عالميا) في إطار دعم العلاقات الإنتاجية الرأسمالية.
تعويم الدرهم سيؤدي أيضا إلى تعميق مستوى التضخم لأن البنك المركزي ("بنك المغرب") سيكون مجبراً على إصدار المزيد من الأوراق النقدية كوسيلة لتغطية العجز الحاصل على جميع المستويات.
و ل"معالجة" التضخم سيتم اللجوء إلى رفع الضرائب و الأسعار أكثر فأكثر دون رفع الإجور (أي خفضها). و النتيجة مزيداً من ضرب "القدرة" الشرائية للجماهير الشعبية(هذا إن وجدت أصلا).
خلاصةً فإن المستفيد الأكبر من تعويم الدرهم هو الامبريالية و أديالها. فمن جهة سيتم اللجوء إلى المزيد من القروض و ما تدره من من فوائد باهضة. و من جهة أخرى ستستفيد البرجوازية من انخفاض سعر صرف الدرهم مقابل العملات الأجنبية لبناء المزيد من المشاريع المربحة (فائض القيمة)، أي فتح المجال أكثر للرساميل لامتصاص المزيد من دماء الجماهير الشعبية التي ستحصل، في أحسن الأحوال، على فرص لتكريس المزيد من استغلالها مقابل أجور زهيدة و بشروط مجحفة جداً عنوانها المرونة في الشغل و المرونة في الأجور.
كما أن الواردات ستؤدى بأكثر من قيمتها، بحيث ستتيح المزيد من الأرباح للشركات المصدرة للمغرب، أرباح نحن من يؤديها في آخر المطاف.
إن شرارة الاحتجاجات التي اشتعلت في مناطق عديدة من وطننا الجريح، كاستمرار لنضالات الشعب المغربي من أجل التحرر من نير الإستغلال، ترتبط بواقع البؤس الذي أنتجه ارتباط النظام القائم بالدوائر الامبريالية و عدم تحقيق الاستقلال الوطني الناجز و استكمال مهام التحرر الوطني في صيرورة بناء نظام اشتراكي يستجيب لتطلعات الجماهير الشعبية. و المطلوب من كل المناضلين الشرفاء هو الالتحام الفعلي بهذه النضالات، كل من موقعه، في طريق بناء الأداة الثورية القادرة على استيعاب هذه النضالات و توجيهها نحو الهدف المنشود.
إضافة:
هناك أمر مهم و هو أن التعويم سيتيح للبرجوازية و السماسرة الملتفين حولها تهريب الأموال تحت غطاء و تشريع النظام القائم (La sortie massive des capitaux) مع العلم طبعا بأن الأموال كانت تهرب تحت نفس الغطاء و هي موجودة بمختلف البنوك الأوروبية و الأمريكية
و هناك النمودج المصري حيث الاتجاه نحو الانهيار الشامل الذي تغطيه لحد الآن الجماهير الشعبية على حساب قوتها اليومي، في انتظار الانفجار...
فقد أجبرت المؤسسات المالية العالمية النظام الرجعي القائم بمصر على تعويم الجنيه للحصول على قرض إضافي مقداره 12 مليار دولار (12.000.000.000 $)...
التاريخ هو أبريل 2016، بعد ذلك انهارت قيمة الجنيه ب 30% ثم ب 50%...
هم السابقون و نحن اللاحقون.....
شارك هذا الموضوع على: ↓