06‏/04‏/2018

حسن أحراث// من دهاليز ابن رشد (موريزكو)-- "با محمد"

في أحد الصباحات الربيعية الجميلة من شهر أبريل سنة 1986، وأنا، كالعادة، مقيد الى سرير يكاد يلامس الأرض، أرض الزنزانة/الغرفة بدهاليز ابن رشد (موريزكو)،
ومقتنع بمصير مجهول كان من المحتمل أن يطول حتى سنة 1999 (تاريخ انتهاء المدة التي حكم علي بها، و"إذا خرجت العاقبة بخير")، حدث ما يصعب تصديقه. طارئ جميل حمل كل معاني المفاجأة السارة. عناق حار ودموع وفرح ودفء...
عانقت أمي وأختي أمينة، دون أن أصدق عيني. أخذت أمي تتلمس جسدي النحيف لكي تتأكد أني أنا ولست أحدا آخر. إنه عناق بعد حوالي سنة من العزلة القسرية، بعد انقطاع الأخبار كليا عن العائلة.
كانت أمي تردد: "واش أنت حسن؟ ولدي؟"
"حرام عليهم"
ماذا حصل بالضبط؟
رغم وجودنا بجناح فوق مقاطعة المستشفى الجامعي ابن رشد (موريزكو)، حيث لا يمكن أن تصعد إليه دون أن تلتقطك أعين المخازنية والأعين الجاحظة المبثوثة باستمرار في كل أرجاء المستشفى، وخاصة حول الجناح، ورغم الحراسة الرسمية المكثفة داخل الجناح، ورغم طاقم التمريض "غير المنسجم" والذي قد تخونه شجاعته أو أنانيته، استطاع، بل نجح "با محمد"، البركادي المسؤول على طاقم الحراسة، دون معرفة مسبقة بيننا، أن يرتب تسلل عائلتي لتحظى ببضع دقائق الى جانبي وأنا في وضعية إضراب عن الطعام قارب السنة.
لقد كانت لحظة مؤثرة، انتزعت الدموع من أعين بعض الممرضات وعناصر الحراسة...
كانت لحظة إنسانية بامتياز... كانت محاكمة حقيقية لأعداء الإنسان والإنسانية...
بعد ذلك اليوم، الصباح الجميل، غاب "با محمد" عن جناحنا، وكأنه أتى "من السماء" لينفذ تلك العملية البطولية فقط. سألت عنه بعض عناصر الحراسة، فتأكد لي أن الرجل الشهم "بخير وعلى خير".
مرت حوالي ثلاث سنوات على المفاجأة السارة، وفي أحد صباحات سنة 1989، مرة أخرى، رأيت "با محمد" "بقده وقديده" يقطع الممر الفاصل بين الغرف/الزنازين "طالع نازل". وفي لحظة خاطفة، وكأنه قطع الشك باليقين، اقتحم غرفتي، نفس غرفة 1986، وسألني باندفاع "هل تذكرني؟".
"بالتأكيد با محمد".
ابتسم، وسألني عن أحوالي وغادر الغرفة.
استمر تردده على جناحنا هذه المرة لمدة حوالي شهر.
تصوروا، كان يمدني بجريدة كل فترة من فترات حراسته!! وكان يحرص على أن أقرأها في هدوء وفي سرية تامة، وأحيانا تحت مراقبة بعض عناصر الحراسة التي كان يشرف عليها ويثق فيها بدون شك.
لماذا أنا؟ 
لم تتح لي الفرصة لأسأل "با محمد".. 
إنه حقا أب، ونعم الأب..

(عن كتاب "مجموعة مراكش، تجربة اعتقال قاسية"، يتبع)

إضافة رقم 1: لم تتح لي فرصة التواصل مع "با محمد" بعد مغادرتي السجن. فقط، لن أنسى جميله ما حييت...؛

إضافة رقم 2: إن في الماضي ما يستحق الحياة. أعترف أني "أهرب" الى الماضي، لكن بهدف مواصلة معركة اليوم والغد. إنه التذكر الذي يحملنا المسؤولية، والزاد الذي يغذي فينا واجب مواصلة مشوار الشهداء. ألسنا نحن اليوم، هم من عاهد الشهداء بالأمس على مواصلة المشوار؟



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق