كثيرون، يتحدثون عن "الحياة" وعن المال والجاه وأشياء أخرى.
كثيرون، يتحدثون عن المستقبل، يتحدثون عن مستقبلهم.
يتحدثون عن "كل شيء"، وعن "لا شيء". يتحدثون عن الذي يأتي أو لا يأتي.
يتحدثون عن "القضاء والقدر".
تيه مرضي مسكوت عنه...
قليلون، يتحدثون عن الحياة وعن السعادة وعن الكرامة...
قليلون، يتحدثون عن حياة الكل وعن سعادة الكل وعن كرامة الكل...
قليلون، يتحدثون عن المستقبل، يتحدثون عن مستقبل الكل؛
يتحدثون عن الثورة، وبالواضح.
نعم، نحلم. لكننا نعمل من أجل تحقيق حلمنا...
فلم نعد نحتمل الكذب أو الخوف أو الانتظار. لم نعد نصدق الشعارات المنمقة والكتابات التافهة...
لم نعد نقبل الغموض أو "الصبر"...
لا معنى للموقف "الرمادي"...
أعترف أني دخلت معترك السياسة من باب الصدق بمفهومه الأخلاقي. فعنما أدركت علميا معنى الصدق، أدركت في نفس الآن ضرورة ممارسته (لا صدق دون ممارسة الصدق). وممارسة الصدق، علميا وليس أخلاقيا أو دينيا، هي ممارسة السياسة. وبالتأكيد السياسة هنا بالمعنى الإيجابي (سياسة الصدق)، وليس بالمعنى السلبي (سياسة الكذب أو فن الكذب).
وسياسة الصدق تفرض الالتزام والوضوح وبالتالي التضحية. فلا التزام ولا وضوح ولا تضحية مع الانتهازية والحربائية والتخاذل...
لقد "حكم" علي الصدق بسنوات طويلة من السجن والإضراب عن الطعام والتوقيف عن العمل؛
لقد "سرق" مني سنوات عمر جميل، يسمى الشباب؛
لقد "فوت" علي لحظات حميمية الى جانب الأهل (الأم والأب والأخوات والإخوان والأصدقاء...)؛
لقد "زرع" في جسدي البريء ما يكفي من الأعطاب الدخيلة؛
لقد أشعل في شخصي نار الافتراءات الواهية والادعاءات المغرضة والمؤامرات الخسيسة؛
لقد أجج الضغينة في النفوس الضعيفة...
ورغم ذلك وبصدق، فالصدق جعلني "أسعد" إنسان على الأرض (معذرة عن المبالغة)...
إن الصدق يفرض أن تتبنى الحقيقة، في نسبيتها بدون شك، وأن تجهر بها. وليس ذلك فقط، فالصدق أن تمارس هذه الحقيقة التي تقتنع بها وتدافع عنها...
وحتى الصديق، فمن صدقك (الفتحة على الدال)، أي من واجهك بالحقيقة ولو تكن مرة، وليس من صدقك (التشديد على الدال).
أن تكون صادقا يعني أن تكون ثوريا. وغير ذلك، فليس غير أشكال أخرى من السذاجة والغباء و"الوسطية" المقيتة؛ وأخطر من ذلك الخيانة (الناعمة)...
فكيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تقبل الظلم والاضطهاد والفقر؟
كيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تقبل الحيف والاستغلال والبؤس؟
كيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تسكت عن الكذب وعن المؤامرات التي تحاك ضد الأبرياء؟
كيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تصمت عن تغييب الحقيقة التي لا تخفى عنك؟
كيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تسكت عن الإجرام والفساد؟
كيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تسكت عن اعتقال المناضلين الصادقين، أي الأبرياء؟
كيف يمكن أن تكون صادقا، وأن تسقط في فخ المجاملات الزائدة والابتسامات والعناقات المصطنعة؟
إن الصدق هو الثورة، والثورة هي الصدق. فأن تكون صادقا، يعني أن تكون ثوريا... فلا يمكن أن تكون صادقا وفي نفس الوقت خنوعا وحربائيا...
إن الصراع الطبقي لا يسمح بلعب "الدور" ونقيض "الدور"؛
فإما أن تكون "ضحية" أو جلادا؛ أي أن تكون "مع" أو "ضد".
أن تكون أو لا تكون...
إن الصدق، باختصار شديد، هو الصدق. والصدق هو الثورة...
نحن صادقون، وبأي ثمن...
شارك هذا الموضوع على: ↓