يعد فاتح ماي، في أحد أبعاده الكفاحية، موعد الطبقة العاملة ومناضليها على
الصعيد الأممي، وكذلك الغيورين على قضايا الشعوب المقهورة في عصر الامبريالية، في الساحات العامة وفي الشوارع لتجديد رفضهم لنظام رأس المال ولديكتاتورية رأس المال ولتصريف أزماته المتتالية على حساب قوتهم اليومي وكرامتهم ومآسيهم التي لا تنتهي...
إنه عيد العمال الأول، ونستعير بالمناسبة قول الشاعر: "بأي حال عدت يا عيد"...
إنه يعود مجددا كموعد أيضا لرموز البيروقراطية النقابية مع الكذب والتضليل والكلام المزيف على المنصات... وللدقة أكثر، نقول وعلى المكشوف، ليجدد أبطال الجريمة الصعود على جثامين الشهداء وحرية الأحياء من مناضلي الطبقة العاملة ومعتقلي الانتفاضات الشعبية والحركات الاحتجاجية؛ وهم محميون بكل عناية، بترسانة أجهزة النظام القمعية، لينشروا بحديث منمق أكاذيبهم وأوهامهم على الملأ وبأصوات عالية وبأسلوب احترفوه، وتمرسوا عليه، منذ تنصيبهم الخالد على جراح الطبقة العاملة وعموم الشغيلة. ومن بين خرافات زمن التردي هذا ما يسمى ب"الحوار الاجتماعي"، أي بورصة "الشناقة" باسم العمل النقابي.
والبطولة هنا تقاس بمعيار الانبطاح والخيانة والتخاذل والمتاجرة في عرق ودم العمال والعاملات وفي تضحياتهم ومعاركهم، وفي مكتسبات أبناء شعبنا، وفي رصيد شهدائنا... إنها مفتاح كل الأبواب ودرج الصعود الى المنصات ومقياس التنصيب في القيادة والصفوف الأمامية والوقوف أمام الكاميرا والتهريج عبر الأبواق المملوكة المكتوبة والمسموعة والمرئية.
نسجل هذه الحقيقة المرة جهرا وفي كل المناسبات. وهي حقيقة ساطعة ومفجعة، لا يمكن لأي تكتيك سياسي أو جملة ثورية أن يبررا السكوت عنها أو يبرهنا على عكسها. فمن يذكر معركة شرسة واحدة خاضتها أو تشبثت بها القيادات النقابية البيروقراطية، أو أي مكسب من مكاسب شعبنا حافظت عليه أو قاتلت من أجله، خارج حساباتها الضيقة ومصالحها الخاصة؟ ومن يأت بقضية من قضايا شعبنا لم تتاجر بها هذه القيادات المتواطئة؟ وهل من شهيد حافظت على دمه الطاهر من الاسترزاق والتوظيف والبيع والشراء؟ إنها أسئلة حارقة تسائلنا جميعا. إنها أسئلة مشروعة تسلط الضوء على مآل قانون الإضراب وعلى أنظمة التقاعد والتعاقد وعلى واقع المدرسة العمومية وباقي المرافق الاجتماعية وعلى ارتفاع الأسعار وتسريحات العمال والتشغيل عن طريقة شركات المناولة والعطالة... إنها حقائق تفضح جرائم الدهس والطحن والاختطاف والاعتقال والتعذيب...
إننا وبكل جرأة ومسؤولية، نؤكد أن القيادات النقابية البيروقراطية متورطة من رأسها إلى أخمص قدميها الى جانب مافيا المال والفساد ومهندسي الجمر والرصاص والطحن والدهس... إنها مرتبطة وملتزمة بحراسة النظام وأزلام النظام. وإن ما ترفعه من شعارات براقة لن تخدعنا، فهي مطروحة من وجهة نظرها ووفق تخطيطها لتنفيذ مؤامراتها لإجهاض حلم العمال والشغيلة المغربية وتعطيل احتداد ووتيرة الصراع الطبقي. وأهدافها من كل ذلك ليست إلا الحفاظ على النظام وخدمة مصالحه الطبقية ومواصلة الدعم والدعاية بطريقتها لنفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية للديكتاتورية، والتي هي كذلك حفاظ على مصالحها ومواقعها وتحسين حصتها في عملية النهب والمتاجرة.
في الأمس القريب، أي البارحة، انتفض شعبنا بالمدينة العمالية جرادة. وقبل ذلك وليس ببعيد عنه، انتفض شعبنا بالريف العظيم. واليوم، وكما الأمس، حصار عسكري ومناورات مكشوفة واعتقالات ومحاكمات... وبموازاة ذلك، كانت الدعوات للوقفات أمام البرلمان والمسيرات هنا وهناك والتصريحات "النارية" والتقارير المشبوهة والفيديوهات والسيلفيات... لينتهي كل شيء في غفلة من الجميع، ويستمر الحصار والمحاكمات والبؤس والذل... فهكذا إذن تكون الاحتجاجات بلا أفق وبدون تأطير أو تنظيم، عندما لا تكون سوى برامج تسخين وتبريد لقوى سياسية لا تعنيها في التحليل الأخير الانتفاضات الشعبية، ولا مواصلة مهمات الدفاع على المطالب التي فجرتها، ولا المعتقلين السياسيين، ولا الشهداء، بقدر ما تعنيها تأدية دورها في السيرك السياسي المغربي، لتحسين مواقعها وتحصين غنائمها وإثارة المزيد من الفرجة" المبكية.
إن تجاهل دروس انتفاضة 20 فبراير وتراجع مد حركة 20 فبراير كان لهما أثرا عميقا على موازين القوى لصالح النظام. كان ذلك تدشينا لمرحلة عنوانها الإجهاز على ما تبقى من مكتسبات شعبنا في مجالات التعليم والصحة والسكن والتشغيل وضرب الحريات العامة والديمقراطية وتجريم النضال والمناضلين...
فواقع اليوم هو نتيجة لمسار كامل من الهزائم والخيبات. وهذه الحقيقة أزال عنها التاريخ كل الغبار وكافة اللبوس الماكرة التي صممت باحترافية تضليلية لحجبها عن الجماهير، وعن الطبقة العاملة بالدرجة الأولى.
وفي الوقت الذي تصاعد هجوم النظام وكشر عن أنيابه وشرع يلتهم ما تبقى من مكتسبات شعبنا ويجهز على قوته اليومي زادت درجة تدحرج ما يسمى ب"اليسار" للمنحدر وصار يفقد على المكشوف، كل يوم، ما يشيعه عن نفسه من هالة الدفاع عن الجماهير ويتبين أكثر مما سبق أنه "يسار" بلا هوية طبقية، ويلتحق عمليا وموقفا بالليبرالية، موهما أن المعركة هي معركة ضد "المخزن" في خلط انتهازي مفضوح بين المفهوم القديم للكلمة، وبين مفهوم يتوخى الشعبوية، خلطا لا براءة منه، كأسلوب ماكر لتضبيب طبيعة الصراع الطبقي وأطراف المعركة، بهدف الإجهاز على الفهم العلمي للطبيعة الطبقية للنظام القائم ولطبيعة المعركة الطبقية التي تعني اليسار الحقيقي فعلا، وهو في العمق عمل مقصود ومدروس لمحورة معارك الجماهير...
إننا في تيار البديل الجذري متشبثون بقناعة راسخة بأن هجوم النظام على مكاسب شعبنا لن يتراجع بالشعارات أمام أبواب البرلمان ولا من مقرات هذا الحزب أو ذاك أو هذه النقابة أو تلك، ولا باجتماعات أو التنسيقيات النقابية التي تقف علي رأسها قيادات بيروقراطية مريضة وفاسدة وذات تاريخ عريق في الخيانة والمتاجرة وعاشت طوال تاريخها شريكا عميلا وحارسا لرأس المال والدولة على حساب العمال والموظفين الصغار، أو إثر مداولات الائتلافات أو لقاءات قيادات قوى "اليسار" التي لا يقرر منخرطوها غير ما يقرره سادة مكاتبها التنفيذية إن كان لها منخرطون بالمعنى الدقيق للكلمة، ولا باللقاءات والحوارات مع الوزراء أو بعقد اتفاقات مع الحكومة ككل...
إن النظام سيتراجع، أو يسقط، فقط حين تنهض الجماهير في كل مناطق البلاد، وفي كل مدينة وفي كل قرية وفي كل حي وفي كل معمل وفي كل جامعة وفي كل مدرسة... سيتراجع وستتغير الموازين تحت ضغط ونهوض الشوارع عندما تعود إليها الجماهير منظمة تحت قيادة سياسية ثورية منسجمة وواضحة الرؤية السياسية والإيديولوجية. والأوضاع مازالت مفتوحة على كثير من الاحتمالات وحركة الجماهير الشعبية عموما مازالت تختزن الكثير من القدرات على خوض الصراع الطبقي، ومهمات الثوار تتعاظم أكثر وأكثر وتتطلب المزيد من الصمود والتحدي، وهو الذي لا يمكن تجسيده دون القيام بمهمة الاتصال والتواصل مع حركة العمال الجماهيرية اتصالا أوثق، والاطلاع على أوضاعها، والعمل على تشبعها واقتناعها بالاشتراكية العلمية، والدعاية للماركسية اللينينية كنظرية ثورية في صفوف العمال المتقدمين، وبالموازاة مع ذلك التقدم في التحريض السياسي بصدد الشؤون الجارية بين الجماهير الغفيرة من الطبقية العاملة والفلاحين الفقراء والفئات الكادحة، وفي إنجاز مهمة بناء الأداة الثورية تحت تصاعد نيران العدو ووحشيته في كل لحظة...
إن العمال اليوم ليس من مصلحتهم إسناد أي طرف يقف إلى جانب مستغليهم ومضطهديهم أو يقدم عربون الولاء والخضوع للسماح له بالعبور لدائرة الحكم لمواصلة سياسات الاستغلال والقهر والتبعية؛ العمال اليوم من مصلحتهم بناء تنظيمهم السياسي؛ العمال اليوم من مصلحتهم مواصلة النضال على قاعدة مطالبهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هذه المطالب التي هي جزء لا يتجزأ من المهمات الثورية المطروح تحقيقها؛ موقع الطبقة العاملة الحقيقي والطبيعي في النضال اليوم هو أن تكون على رأس المقاومة والحركة الثورية؛ معركة العمال اليوم هي ضد القيادات النقابية البيروقراطية الخائنة والمساومة والجبانة وضد النقابات الصفراء باعتبارها معركة ضد النظام. إن من واجب ومسؤولية كل النقابيين المعارضين فعليا لتوجهات القيادات البيروقراطية الحسم بكل وضوح بين خط يجسد المقاومة لكل أعداء الطبقة العاملة وخط المساومة والمتاجرة والخيانة، فلا مجال للتردد والتذبذب في المعركة، فخط المقاومة يستلزم إعلان الموقف بكل جرأة وتفعيله على أرض الواقع. وبذلك فقط، يكون الاختيار للطريق الصحيح، طريق مواصلة المقاومة والصراع ضد أعداء الطبقة العاملة. وغير ذلك لا يمكن أن يكون وبالملموس إلا ركوعا وراء عملاء النظام، ولا يمكن للجمل الثورية أن تبرره أو تحول دون مفعوله المؤثر سلبا على الطبقة العاملة وعلى الحركة الثورية عموما. إن النقابيين الملتزمين بالمبادئ الثورية مدعوون اليوم إلى رفض الركوع وراء قيادات نقابية خنوعة اختارت نهجا نقيضا للطبقة العاملة، نهج قطب الثورة المضادة.
إن الثوريين، الماركسيين اللينينيين، ليست مهمتهم الذوبان في كؤوس المتخاذلين والليبراليين.
إنها معركة العمال، معركة شعبنا حتى النصر...
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
شارك هذا الموضوع على: ↓