على ضوء الدعوات والإعلانات المتعددة لتخليد ذكرى يوم ''النكبة'' المشؤوم،
نستحضر حركة المقاومة الفلسطينية الباسلة منذ الاحتلال أو ما قبله إلى يومنا هذا، باعتبارها تجربة رائدة من تجارب حركات التحرر الوطني إقليميا ودوليا. إننا نستحضرها وليس من باب البعد القومي أو الديني أو الشوفيني حتى. فلا تنطبق علينا مقولة ''العقل للغرب والقلب للشرق''، بل من باب النضال التاريخي المرير والملاحم الكبرى التي بصمتها هذه التجربة على شعوب العالم ومدى تأثيرها على حركات التحرر الوطني عبر العالم.
لا يخفى على أحد الشروط المادية والتاريخية التي تم فيها فبركة الكيان الصهيوني من طرف القوى الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي أزاحت شيئا فشيئا كل من بريطانيا وفرنسا، لتبسط سيطرتها على العالم. وفي المقابل كانت حركات التحرر الوطني إقليميا ودوليا تعرف مدا نضاليا قويا وتشكل خطرا كبيرا على الدول الاستعمارية، وأصبحت تهدد استمرارية وجودها كمستعمر بالإضافة إلى الصراع الحاد مع التجربة الشرقية. وكان لابد من محاصرة هذا المد بشتى الوسائل ومنها الأساليب الإجرامية. فكانت فكرة المولود الجديد (70 سنة اليوم) بمثابة الدراع الواقي من شر الزحف الأحمر ومن أجل الهيمنة على المنطقة اقتصاديا وعسكريا. ولم تقتصر الدول الاستعمارية على هذا الكيان لصد الزحف التحرري بل لجأت إلى تغذية ودعم واحتضان العناصر الرجعية لضمان استمرارية المشروع الاستعماري.
هكذا وجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام شكل استعماري من نوع خاص، أمام محتل مدعوم كل الدعم من طرف قوى عظمى عالمية. فكان خياره الوحيد والأوحد هو المقاومة حتى الاستشهاد. لقد شكلت المقاومة الفلسطينية من خلال مختلف فصائلها نموذجا سياسيا واضح المعالم، وغاب عن التشكيلة السياسية اللون الظلامي، أفضت إلى ولادة منظمة التحرير الفلسطينية بتناقضاتها وصراعاتها الداخلية والخارجية، هذه الأخيرة عرفت تطورا عنيفا حيث كانت تجسد بالواضح الإطار العام للصراع السياسي القائم الذي كانت تسوده الضبابية، ويهيمن عليه الخط المهادن.
عرفت التجربة الفلسطينية في شخص منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المكونة لها صراعا سياسيا قويا من حجم المهام الجسيمة الملقاة على المناضل الثوري حول البرنامج الضامن للهدف المنشود والقادر على تأطير الجماهير الشعبية وعموم الشعب الفلسطيني، كان المهيمن فيه داخل المنظمة ولعدة عقود الطرح السياسي لحركة فتح، طرح يراهن على الانظمة الإقليمية الرجعية ومستعد لتقديم التنازلات والقبول بالفتات. وهذا ما حصل على مر الوقت...
وفي خضم هذا الاحتقان الداخلي وبالإضافة إلى شراسة العدو الصهيوني، المحتل كانت جهات رجعية تستهدف المنظمة وفصائلها، وخاصة الفصائل الثورية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...) وتشكك في مشروعيتها. وتكن لها كل العداء، هذا الصراع سيفرض ذاته بشكل قوي وواضح في بداية التسعينيات تحت عنوان من هو الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني؟ هكذا وجدت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها أمام صراع في العلن مع حركة حماس والجهاد الإسلامي...
هذا الواقع المر عرفته جميع قوى التحرر الوطني في مختلف مناطق العالم. ولازالت تعيشه إلى يومنا هذا، فالقوى الرجعية عرفت توسعا ملحوظا منذ زمن ليس ببعيد، زادت من تغذيته القوى اليمينية الظلامية والشوفينية...
ففي الوقت الذي كانت الفصائل الفلسطينية تتصارع من أجل القاطرة كانت القوى الرجعية تعبئ القواعد ضد منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة الفصائل الفلسطينية الثورية، وتطعن فيها. حاولت المنظمة أن تتصدى لها وتصر على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. لكن في واقع الحال، كانت حماس والجهاد الظلاميتان تزحفان بغاية السيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية من خلال التحالفات المشبوهة والمؤامرات المكشوفة، على طريقة فتح وقيادات فتح...
أما اليسار الفلسطيني اليوم، فانقسم إلى يسار ارتمى كليا في أحضان الظلامية، ويسار يغازلها. وتبقى القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني من نير الاحتلال الصهيوني بالدرجة الأولى. وستستمر المقاومة الفلسطينية حتى اجتثاث الكيان الصهيوني ودحر الصهيونية والرجعية والامبريالية...
كل الإدانة للإجرام الصهيوني وللتواطؤ الرجعي والامبريالي...
وكل الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطيني وكافة الشعوب المضطهدة...
شارك هذا الموضوع على: ↓