بداية، إن منطلقنا هو الاقتناع بأن الأنظمة الطبقية وما تحمله من مساوئ وأضرار للإنسانية لا يمكن تغييرها وإزاحتها إلا بالقضاء عليها وإقامة أنظمة بديلة، كحقيقة يثبتها التاريخ. وفي السياسة الثورية لا شيء يمكن أن يقدمنا على الطريق الصحيح، لإنجاز هذه المهمة، دون الرؤية الواضحة المستندة إلى المصالح الطبقية للجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة. بمعنى دون الاستناد إلى خطها، والذي هو أولا وأخيرا لن يكون سوى خط المقاومة، بوعي طبقي عميق وواضح ومناهض للنظام وكل أذياله من أحزاب سياسية طيعة وعميلة وقيادات نقابية منبطحة وبياعة وجمعيات ممولة ومنصاعة.
لكن السؤال: هل يمكن بناء خط المقاومة وقيادتها من خلال العالم الافتراضي؟ وأكثر من ذلك هل يمكن بناء بديل سياسي أو سلطة سياسية بديلة من خلف الشاشات؟
إن البديل السياسي الحقيقي هو التنظيم السياسي الثوري المؤهل مبدئيا وسياسيا وتنظيميا وإيديولوجيا لقيادة مقاومة الجماهير ميدانيا. والسلطة البديلة هي سلطة الجماهير الشعبية من خلال هياكلها القاعدية التي تشيد في صيرورة الصراع والنضال الثوري لهدم النظام القائم. وقيادة الشعب الحقيقية هي القيادة التي تبنى على مبادئ الصدق والإخلاص والحقيقة (مبادئ الثوار الحقيقيين) لتقود وتؤطر الجماهير وتنظمها في الميدان، بمعنى تقود المقاومة الحقيقية، وتمثل المصلحة التاريخية للأغلبية. وبمثل هذه القيادة سيتمكن الشعب من التوحد على هدف واحد وهو عدم القبول باستمرارية قبضة النظام المسؤول عن كل المآسي. أما الوسائل والأدوات وأشكال المواجهة فسيفرضها الصراع الطبقي وستجد الجماهير طريقها لتحقيق انعتاقها وأمنها وسيادتها، دون طبعا انتظار الذي قد يأتي أو لا يأتي.
وهذا التصور للقيادة الذي تمليه النظرة الثورية للواقع الملموس فعلا والعاكسة لأبعاد الجد والمسؤولية في التغيير لواقع الأغلبية بشكل جذري، لا يمكن تمثلها من خلف شاشات العالم الافتراضي مهما كانت قوة هذا الفضاء في خلق وتوفير إمكانيات عظيمة للتواصل المتقدم والسريع وللنقاش وللتعبئة بشكل واسع وللتحريض والدعاية. فالقيادة لا تتشكل بالاجتماعات واللقاءات والنشرات في العالم الافتراضي بل تتألف من روح المقاومة وفي ميدانها وعلى رأس قطاعات المقاومة وتحت نيران العدو. فمن خلف الشاشات المرتبطة بالعالم الافتراضي يمكن لصاحب الحساب أن يتقمص أي شخصية وأي مبدأ وأي خطاب. فالحساب وما يعكسه على فضاء المواقع الاجتماعية لا يحمل الحقيقة الواقعية لأصحابها وليس بفضاء لبناء المناضل الحقيقي أو للتمييز بين من هو المناضل وغير المناضل. وما بين من هو مؤهل لهذا المركز من المسؤولية أو ذاك.. فبإمكان أن يكون مناضلا وثوريا في ظرف وجيز أيا كان من خلف الشاشة، ويتحدث باسم الجماهير ويقرر بدلها، بمن فيهم العناصر العميلة والمخبرة، وناهيك عن الطفيليات السياسية. إن الثورة لا تتطلب من الثوريين تطليق المبادئ والذوبان في محيط متنوع أو في محيط قد يبدو متجانسا. فالنضال الثوري لا يحتمل استبدال القيادة الثورية بقيادة افتراضية. وهذا لا يعني أننا قد نستهين بقوة وأدوار مواقع التواصل الاجتماعي المتقدمة والعظيمة في التحريض والدعاية والنقاش ونشر الفكر الثوري وضمان التواصل السريع، كما غير مسموح لنا تغافل ما برز وقد يبرز في التطبيق الشعبي، سواء من خلال تجربة انتفاضة "20 فبراير" وما تليها من انتفاضات ومعارك (الريف، جرادة، زاكورة...)، أو من خلال تجربة ما يعرف اليوم ب"المقاطعة"، وما يتطلبه الأمر من استيعابها وخلفياتها وسياقاتها ومن دراسة لاستخلاص الحكمة، أي القانون، والعبرة بصدق ومسؤولية.
إن الوقوف اليوم على هذا الإشكال بكل جرأة تمليه بالدرجة الأولى المسؤولية أمام شعبنا. فنحن اليوم مطالبين بالحديث بصدق ووضوح وإعلان بدون لبس: هل مع الإصلاح أم مع المناورة للالتفاف على مطالب شعبنا أم مع التغيير الجذري، أي الثورة لتخليص شعبنا من واقع البؤس والفقر والاضطهاد والاستغلال؟ هل الوقوف ضد حزب العدالة والتنمية يتطلب الهدنة أو التملق للنظام أو لإحدى أحزابه أو شخصياته؟ هل نصارع النظام وكل ممثلي النظام أم حزبا أو شخصا بعينه؟ هل يمكن تغيير الواقع بشخصنة الصراع؟ وهل هذه التساؤلات لها أجوبة واضحة ومنسجمة على مواقع التواصل الاجتماعي؟!
إن شعار إسقاط الحكومة أو الدعوة الى إقالتها أو إقالة بعض عناصرها ليست طريق مواصلة النضال من أجل خلاص شعبنا، إنها طريق ترسيخ شرعية عصابة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار، والالتفاف على مطالب الجماهير الشعبية وتضحياتها. فالنظام هو النظام وإن تعددت مؤسساته وأجهزته وتعدد ممثلوه وحراسه. وقد يحتد الصراع بين حراسه، ولكن في الأخير يظل صراع وتنافس في تقديم الصيغة الأكثر خدعة للجماهير لحماية النظام. لهذا، فكل ممثلي النظام يستحقون منا شعار "ارحل"، وليس فقط حزب العدالة والتنمية الظلامي أو أخنوش أو زيد أو عمرو. ولا معنى لنضال غير مرتبط بمواصلة معارك شعبنا ومقاومته وتضحياته للتخلص من مضطهديه. ومن لا يستوعب هذه الإشكالات والحقائق لن يكون جذيرا بقيادة الجماهير الشعبية ولا جذيرا بالتخلص من ميول التقديس للعفوية والانجرار خلف عالم افتراضي ملغوم بقوة الواقع ولا يخلو من المدعومين من الخلف لجعل تضحيات شعبنا وقودا للنزاع بين ممثلي النظام حول من سيتولى قمعنا وخداعنا وتضليلنا لسنوات قادمة. وإغفال كل ما سبق ذكره لن يستفيد منه سوى النظام وجوقته المخلصة.
فالنظام لا يمكن إسقاطه من خلف الشاشات كما لا يمكن لقيادة افتراضية أن تواصل تنفيذ المهمات الثورية. والقيادات الافتراضية قيادات ملغومة وفوقية ومفتوحة أمام العدو لإغراقها بالمندسين والخونة كما هي مفتوحة بحكم حقيقتها أمام كل الطفيليات السياسية. وهذا لا يعني أنها تخلو من مناضلين وطاقات نضالية تحمل حرقة شعبنا وهمومه، إننا لا نشك في صدق وإخلاص واقتناع العديد من المناضلين وفي انخراطهم بخلفية نضالية بعيدة عن كل الشبهات والتشويش وخلط الأوراق. ولهؤلاء أقول إن معركة شعبنا في حاجة لقيادة ثورية تبنى على الميدان وفي معمعان الصراع ضد العدو ونخوضها على قاعدة غير القاعدة التي يقف عليها أعداؤنا. وإن ذلك شرط لابد منه للتقدم في معركة تغيير ميزان القوى لصالح المضطهدين.
شارك هذا الموضوع على: ↓
bonjour camarades
ردحذفAvant tout MERCI pour l'existence de site
Est il possible que les articles soient proposés, aussi, en version Word?
En vous remerciant
Tahiyati Nidhaliya