أولا، "حكومتنا" لا تحكم. "حكومتنا" أداة الواجهة لتصريف المخططات الطبقية للنظام في مختلف المجالات، وبما ينسجم ومصالح الامبريالية وتوصيات مؤسساتها المالية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...
ففي ظل دستور ممنوح (لاديمقراطي) وانتخابات مزورة وأحزاب سياسية انتهازية مهترئة (رجعية أو إصلاحية) لا تحمل من معاني الحزب السياسي إلا الاسم، وفي واقع الفساد المستشري، بل الموجه، في مختلف مناحي الحياة العامة، وللدقة في ظل نظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي، لا يمكن انتظار حكومة فعلية لها سلطة القرار السياسي لتنفيذ برنامج سياسي واضح المعالم.
ثانيا، "نقاباتنا"، سواء الأكثر تمثيلية أو أقلها (بعض الاستثناءات)، لا تمثل الشغيلة فعليا. "نقاباتنا" المحتجزة من طرف القيادات البيروقراطية، بل المافيوزية، آليات لتمرير المخططات الطبقية وإضفاء المشروعية عليها. إن القيادات النقابية المتواطئة مع النظام، وليس فقط مع الحكومة، تنوب عن النقابة رغما عن القواعد وعن الديمقراطية الداخلية في التقرير في مصير الشغيلة.
باختصار شديد، الحكومة هي النقابات والنقابات هي الحكومة؛ على حد قول الشاعر محمود درويش "أمريكا هي الطاعون، والطاعون هو أمريكا؛ سواء تعلق الأمر بهذه الحكومة أو سابقاتها، أو تعلق بهذه النقابة أو تلك.
وماذا عما يسمى ب"الحوار الاجتماعي" في 2018؟
إنه "المونولوج" (MONOLOGUE). إن ما يسمى ب"الحوار الاجتماعي" مسرحية هزلية مملة، تتكرر من حين الى آخر لذر الرماد في العيون ولخلق "الفرجة" وشد الأنظار وتعليق الانتظارات؛ وباللغة السياسية، تنشيط الحياة السياسية واختبار موازين القوة؛ استعدادا للمحطات (الاستحقاقات) القادمة. وأخطر ما تقوم به هو قتل القضايا الملحة وذات الراهنية وإجهاض المعارك المتفجرة في كل مناطق بلادنا، وخاصة معارك العمال والفلاحين الفقراء. أما حكاية 400.00 درهم (الزيادة في الأجور بالنسبة للسلم الخامس إلى العاشر ب200 درهم ابتداء من فاتح يناير 2019، و100 درهم ابتداء من فاتح يناير 2020، و100 درهم ابتداء من فاتح يناير 2021) أو 100.00 درهم (الزيادة في التعويضات العائلية) أو 1000.00 درهم (منحة الولادة)، فإهانة للشغيلة واستهزاء بذكائها ونكران وتنكر لرصيدها النضالي... ومعلوم أن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب المحسوبة على حزب الاستقلال قد قبلت العرض المسموم ببعض التوابل أو الاشتراطات الشكلية!!
مما يؤكد أن "التحالفات" النقابية (غير المنسجمة) ليست غير توافقات مصلحية ظرفية تهم أجندات النقابات أو بالأحرى القيادات النقابية وعرابيها لا غير...
وبدون شك، فالمحطة الرئيسية المنتظرة أو الحاسمة هي الانتخابات التشريعية المقبلة. فمن الآن تلوح في الأفق ملامح المستقبل الذي سيعصف بحزب العدالة والتنمية، وقد يأتي بغريمه حزب "الأحرار" في سياق التحالفات القائمة على التعليمات والأوامر كما دائما (جمع ما لا يجمع). لقد انتهى زمن قوى "الإسلام السياسي" أي القوى الظلامية (ولو الى حين)، ومنها من يحتظر، بالمغرب وخارجه، حسب توقعات الخريطة السياسية الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا استحضرنا هذا المعطى، ندرك عمق "مسرحية" ما يسمى ب"الحوار الاجتماعي".
فلا تملك "حكومتنا" ما تقدمه "لنقاباتنا" (وليس للشغيلة)، وتعمل على إدارة ما تبقى من الوقت الميت في مباراتها الخاسرة. والنقابات تدرك ذلك، وتقوم بالضغط الشكلي لتوفير مناخ "الصفقات" السياسية المتوقعة. فلا يهم النقابات نتائج "الحوار"، إن ما يهمها هو الرشوة باسم "الدعم" والسكوت عن اختلالاتها، إن لم أقل جرائمها في حق الشغيلة. فيكفي أن "نفتحص" مالية هذا "القائد" أو ذاك لنقف على مدى أحقيته في قيادة النقابة. إن لكثير من الزعماء النقابيين مكان في صفوف الباطرونا أو في "مكان" آخر بتهمة "خيانة الأمانة" (على الأقل). يعتقلون المناضلين الشرفاء (عمال وفلاحين وطلبة ومعطلين وإعلاميين...)، ولصوص المال العام وناهبو ثروات شعبنا في البر والبحر والسماء يعبثون فسادا ليلا ونهارا وأمام مرأى الجميع.
والسؤال الكبير الذي لا يريد أحد الاقتراب منه وهو سؤال المصداقية: ماذا عن مالية النقابات؟ وبعدا أو قبلا، ماذا عن مالية الأحزاب السياسية؟ أما مالية الجمعيات، فعالم ذو شجون...
أما السؤال الأكبر، فهو: أين الأحزاب السياسية القريبة أو البعيدة من النقابات "ذات التمثيلية"، أقصد بالدرجة الأولى نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، حيث "اشتغال" الأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار في هاتين النقابتين؟ وكذلك، أين المناضلين والتيارات السياسية المحسوبة على اليسار أو اليسار الجذري؟
لماذا "تسكت" القواعد النقابية عن تواطؤ/خيانة، بل جرائم ""قياداتها"؟!!
إننا في حاجة نضالية الى نقابات مكافحة وقيادات مناضلة، وليس الى هياكل عظمية تستبيح تضحياتنا وتساهم في الإجهاز على مكتسباتنا...
فما يسمى ب"الحوار الاجتماعي" لا يهم فقط النقابات. إن الكل معني في معركة واحدة، لأن هذه الأخيرة معركة سياسية بالدرجة الأولى.
أين الأحزاب السياسية وكذلك النقابات مما يسمى ب"قانون المالية"، وخاصة المحسوبة على "المعارضة"؟ إنها صفقات تصنع في الظلام من طرف الفاعلين الحقيقيين، وتمر في النور من طرف الفاعلين الشكليين...
إننا أمام مسؤولية المناضلين من داخل النقابات ومن خارجها، سواء كانوا منظمين أو غير منظمين..
إنه الصراع الطبقي أولا وأخيرا. وبدون الحزب الثوري، ستستمر المعاناة الطبقية للجماهير الشعبية المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. سيستمر التواطؤ النقابي والسياسي والجمعوي، وستستمر الخيانات والمؤامرات... وسيستمر التيه والانزلاقات..
ونحن، أيننا من كل هذا؟ هل نحن "ملائكة"؟!!
هل خلقنا "للثرثرة" فقط؟
نعم، لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية..
وفعلا، لنا بوصلتنا النظرية، التحليل الملموس للواقع الملموس..
لكن لنعمل، وكما قال ماركس، ما معناه ليس عيبا أن نحلم، لكن العيب ألا نعمل من أجل تحقيق حلمنا...
شارك هذا الموضوع على: ↓