يأكلون الحلوى، داخل البرلمان وخارجه، وكل أشكال الحلوى وحتى الجيفة، مجازا واصطلاحا؛ وخاصة ثروات بلدنا الحبيب.
ولن تنسينا الحلوى أو حكاية الحلوى (المصطنعة والموجهة) مرارة الواقع الفاسد والنهب الفظيع للثروة وصلب المعركة التي تنتظرنا...
ومقابل ذلك، الشعب المغربي يأكل البيضانسي، وهنا اصطلاحا وليس مجازا؛ ليس فقط داخل السجن، بل خارجه أيضا (داخله في جميع الأحوال).
وما معنى البيضانسي؟
البيضانسي بلغة السجن هو "الخبز" (الحافي) الذي يقدم للمعتقلين، وكثيرا ما يكون "خبزا" ملوثا وقديما (خبز بايت بالدارجة المغربية) ومعرضا لعربدة الحشرات. فتناول البيضانسي كتناول السم (القتل البطيئ).
تذكرت البيضانسي لأن رائحته تقترب مني (استدعاء ولاية الأمن بمراكش وتبعاتها). فليلتهموا الحلوى، وليلتقط المتخاذلون الفتات...
أما نحن فمصيرنا البيضانسي مكرهين..
وهذه لوحة من الماضي البعيد/القريب عن البيضانسي (مقتطف من كتابي الثاني بعنوان "مجموعة مراكش: تجربة اعتقال قاسية"):
"... وكان أن توصلت بنصيبي مضبوطا: بيضانسية واحدة، وقبل أن أعرف فيما بعد أنها تسمى كذلك، كنت أسميتها "خبيزة بايتة". وما حصل، هو ما كان يحدث في نفس التوقيت بالتقريب من كل يوم بعد أن يسمع صوت محرك سيارة ينقل بواسطتها البيضانسي من السجن (بولمهارز) الى الكوميساريا؛ ليس إلينا فقط، بل الى ضيوف قبو كوميسارية جامع الفنا الرسمي والعلني، أي جيول (Geôle). ويستضاف في هذا الأخير كل من طالته مخالب أصحاب الوقت، ويعتبر موردا ماليا مهما لجيوب المحظوظين...
بيضانسية واحدة طيلة أربع وعشرين ساعة. وتجوع حتى يصبح صوت محرك السيارة بمثابة جرس السوفياتي بافلوف (Ivan Pavlov). وترى البيضانسية اللئيمة قطعة شوكولاتة من الصنف السويسري الممتاز (...). لم أشعر بالجوع في يومي الأول أمام "كرم" الضيافة و"حسن" الاستقبال، وأدخلت بيضانسيتي القبيحة التي اشمأزت منها نفسي حتى قبل أن تراها عيناي (كنت معصوب العينيين) أو يتذوقها لساني، في "قب" الجلابة (كنت لحسن حظي أرتدي جلابة صوفية من إهداء أبي الراحل مشكورا)، واتخذتها وسادة لا يوجد أحسن منها هناك؛ جلابة ووسادة أغبط، وقد أحسد عليهما بدون شك في تلك الحقبة الصقيعية بمدينة مراكش..."... كم تنكرت لي هذه المدينة المشاكسة.. أغرقتني في 15 سنة سجنا نافذا وتبحث عن المزيد... أكلت شبابي وتسعى الى قضم مشيبي..
عموما، والى حين، لهم الحلوى ولنا ولشعبنا البيضانسي...
شارك هذا الموضوع على: ↓