حتى أنت أيها الموت (معذرة إذا كان لفظ "الموت" مؤنثا)!!
ماذا دهاك؟ نراك تحاصرنا من كل صوب وحدب.. تقتنص خيرة رفاقنا...
من أوصاك باقتفاء أثرنا الواحد تلو الآخر؟
أليس لحمنا مرا ودمنا حنظلا؟
لقد "متنا" منذ قتلنا النظام.. ماذا تريد بعد؟ فهل في الحياة الثانية موت؟
تبا، إننا نولد من رمادنا..
المناضلون لا يموتون؛ هل تعرف، أيها "الرقاص" المشؤوم؟ كما الشهداء والشعوب والقضايا العادلة، لنا الحياة الأولى والثانية، لنا الخلود، لنا التاريخ...
ما أبشع الموت الجبان، الموت الغادر..
هل تعلمون، الفقيد/الشهيد تناول فطوره اليوم (21 فبراير 2019) قبل أن يسقط صريعا..
ما أبشعك أيها الموت..
وهل تعلمون، مدى صمود رفيقنا حسن العلمي البوطي؟
لقد خبر الموت مبكرا الى جانب رفيقنا الشهيد عبد الحق شبادة في شهر غشت سنة 1989.
لقد عاش فعلا حياة ثانية. وها هو يعيش الخلود...
أذكر بطرقنا الخاصة، ونحن صرعى في دهاليز المستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء (موريزكو)، ومباشرة بعد استشهاد رفيقنا عبد الحق شبادة يوم 19 غشت 1989، صدور بلاغ للوزارة الأولى الى الرأي العام بشأن حالة المعتقلين عبد الإله بن عبد السلام وحسن العلمي البوطي وعبد الفتاح بوقرو بالرباط وحالة المعتقلين نور الدين جوهاري وحسن أحراث بالدار البيضاء...
كان ذلك انتصارا باهرا لمعركتنا، معركة الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري ورفاقهما، ولمعركة رفيقنا الشهيد عبد الحق شبادة ورفاقه.
لقد تم حينذاك تنقيل الرفاق الثلاثة (عبد الفتاح بوقرو وحسن العلمي البوطي وعبد الإله بن عبد السلام) وباقي رفاقهم الى السجن المركزي بالقنيطرة.
أسجل هنا بالمناسبة وللتاريخ (أعتذر منك رفيقي لتسجيل هذا البوح المر)، أننا توصلنا برسالة مكتوبة بدهاليز ابن رشد (دائما بطرقنا الخاصة) من لدن رفاقنا بالسجن المركزي بالقنيطرة تدعونا الى الالتحاق بهم، كما هو حال رفاقنا بسجن لعلو وأحد رفاقنا من مجموعة مراكش، فرفضنا...
رفضنا، لأن معركة الشهيدين انطلقت من أجل هدم كل السجون، أو على الأقل لتجعل من كل السجون سجن القنيطرة...
غادر رفيقنا حسن السجن يوم 16 غشت 1991. ومنذ ذلك الحين وهو يعاني تبعات إجرام النظام وسادية الجلاد البغيض "العاود".. كانت معاناة صامتة.. كان التحدي.. لقد قدم الفقيد/الشهيد صحته وشبابه قبل أن يقدم حياته خدمة لقضية شعبه...
حسن العلمي البوطي بطل بكل المقاييس.. بطل من طينة الأبطال المنسيين..
عار علينا ألا نتذكره حتى سقوطه!!
أهكذا سنفعل تجاه رفاق آخرين يحتضرون أو يعانون في صمت!!
معذرة رفيقنا البطل، لقد انشغلنا عنك بالأبطال المزيفين، "الأبطال" الذين لم يذوقوا مرارة الاعتقال والتعذيب والإضرابات عن الطعام وتشرد العائلة...
بئس الانشغال...
بئس حياة الذل والهزيمة...
إن رحيلك وخزة في أجسادنا المترهلة، لعلها تستيقظ من سباتها وتستعيد ذاكرتها المفقودة والتائهة...
إن سقوط رفاقنا تباعا، يحملنا مسؤولية عظيمة تجاه الذاكرة والقضية..
ومن يتنكر لرفاقه ليس غير تائه، بل تافه.. إنه ميت منذ الوهلة الأولى...
لقد قتل النظام أسماء وأخرى. لكن المناضلين لم يموتوا...
مات الجبناء والمتخاذلون والانتهازيون والخونة، ولو "أحياء"... وعاش المناضلون والشهداء... وعاش الشعب...
وإن أذكر ما ذكرت اعترافا وتقديرا، لا يمكن أن أنسى أن بيت عائلة الرفيق حسن بحي بوقرون بالرباط كان مفتوحا أمامي في كل حين. فعندما كنت أغادر مدينة مراكش نحو مدينة الرباط، كنت أعرف مسبقا أن بيت عائلة رفيقي الفقيد/الشهيد بيتي؛ وكذلك بيت عائلة رفيقي العزيز عبد الإله بن عبد السلام.
ولا أخفي، صدقا وحقيقة، أن حسن العلمي البوطي هو عبد الإله بن عبد السلام، وأن عبد الإله بن عبد السلام هو حسن العلمي البوطي...
نعم الصداقة والرفاقية... نعم التضحية والوفاء.. نعم القيم النضالية الجميلة..
إنه درس لنا جميعا...
فما أحوجنا لهذه الصداقة وهذه الرفاقية...
لترقد روحك رفيقي البطل حسن في سلام...
وهنيئا لك رفيقي البطل عبد الإله، لقد أديت الرسالة...
لنواصل معركة الواجب تجاه رفاقنا والقضية...
لندعم عائلة رفيقنا/شهيدنا، دائما وأبدا...
كل العزاء لرفيقة فقيدنا/شهيدنا السيدة بشرى وابنه علي...
فما أحوجنا لبعضنا البعض أيها الرفاق النبهاء...
إن التاريخ يتعقبنا قبل الموت...
إضافة:
اللوحة رفقته من إبداع رفيقنا حسن العلمي البوطي، هدية لروح رفيقنا الشهيد بوبكر الدريدي وأمنا السعدية الدريدي (بنرزوق)، ولنا جميعا ولشعبنا المكافح وللتاريخ...
شارك هذا الموضوع على: ↓