تناسلت في الآونة الأخيرة عدة كتابات منددة بوضعية المعتقلين السياسيين بسجون النظام الرجعي، خصوصا بعد تأييد الأحكام الابتدائية في حق معتقلي الريف وتفريقهم/تشتيتهم على مجموعة من السجون وإعلان البعض منهم خوض الإضراب عن الطعام.
إنه لمن الجيد جدا الكتابة والتشهير بالاعتقال السياسي وبالقمع السياسي، ومن الواجب النضالي مؤازرة المعتقلين السياسيين وعائلاتهم ودعم كل عمل يقوم على فضح جرائم النظام في حق أبناء شعبنا البطل. لكن من الخطأ الفادح أن ننساق وراء كل تلك الكتابات دون تدقيق أو تمحيص، نظرا لما تحمله من مواقف وآراء قد تسيئ، وهي تسيئ بقصد أو بدونه، لقضية الاعتقال السياسي باعتبارها قضية طبقية. والخطير أن نميز بين المعتقلين السياسيين وبين عائلاتهم. إنه من المخجل تجاهل أوضاع العديد من المعتقلين السياسيين رغم خوضهم الإضرابات عن الطعام تلو الأخرى، ورغم المضايقات التي تطالهم وعائلاتهم بمختلف السجون...
إن الاعتقال السياسي مرتبط ارتباطا جدليا بالصراع الطبقي داخل المجتمع. وله جذور عميقة في تاريخ صراع الطبقات، عبر مختلف مراحل صراع الذين لا يملكون وسائل الإنتاج ضد الذين يملكونها. وإنه لمن التعسف، بل التزييف عزله عن هذا السياق وإعطائه بعدا آخر. إننا أمام قضية طبقية، وبالتالي وجب معالجتها طبقيا. والتعامل العاطفي والانتقائي مع مثل هذه القضايا لن يساهم إلا في تأجيل موعد الحسم/الحل، لأنها ليست قضايا إنسانية (فقط) تتطلب منا التعاطف وتقديم المواساة والتعازي، وهؤلاء المعتقلون ليسوا سوى ضحايا كارثة طبيعية أو حادث عرضي أو تصرف طائش أو شطط في استعمال السلطة. إن الأمر يتعلق بالصراع الطبقي المحتد داخل المجتمع المغربي؛ كما كان الأمر منذ القديم، سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات والألفية الثانية. إنه نتاج للصدام المباشر وغير المباشر بين الجماهير الشعبية المضطهدة والنظام القائم. وحتى لو ذرفنا بحارا من الدموع، فلن يغير ذلك من الوضع القائم شيئا، ولن يحرر معتقلا سياسيا واحدا، ولن يحرك لدى المسؤولين الجاثمين على صدورنا ذرة "ضمير" (لا ضمير لديهم). إن هؤلاء المسؤولين تم اختيارهم وتكوينهم/تدريبهم على خدمة المصالح الطبقية للبرجوازية بجميع الوسائل حتى ولو يتطلب المقابل أنهارا من الدماء. وليس عبثا القول: "إن حروف التاريخ مزورة حين تكون بدون دماء"...
ولو نحن أعدنا تقييم المرحلة السابقة برمتها، ومرحلة 20 فبراير وما تلاها من أحداث ومسارات، نرى أن التركيز المبتذل والانتهازي على بعض المعتقلين السياسيين دون الكل، قد أثر بشكل كبير وملموس على مطالب وأهداف الانتفاضة الشعبية المجيدة والمعارك البطولية بالعديد من المناطق المغربية، منها الريف وجرادة وزاكورة...
إن الاعتقال السياسي قضية طبقية، قضية مرتبطة بطبيعة النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، ونتاج موضوعي للصراع الطبقي. وبالتالي فإنها تتطلب إجابة طبقية ومواقف سياسية جذرية وجريئة ذات ارتباط وثيق بمصالح الجماهير الشعبية المسحوقة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. إنها ليست خطابات وشعارات عاطفية لدغدغة عواطف عائلات المعتقلين السياسيين دون أن تدلهم على السبيل الصحيح والقويم لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كافة المعتقلين السياسيين...
لنطرح الأسئلة: لماذا استمرار الاعتقال/القمع السياسي؟ لماذا استمرار سنوات الرصاص...؟ لماذا استمرار القهر والاضطهاد والاستغلال...؟
إنها أسئلة سديدة تتطلب منا الأجوبة السديدة...
شارك هذا الموضوع على: ↓