04‏/09‏/2019

حسن أحراث // عندما زارت نعيمة مراكش لأول مرة.

نعيمة، رفيقتي، زوجتي..

لنا ثلاثة أطفال: أسماء (مراكش 1994) وسامية (مراكش 2000) ويونس (شفشاون أو الشاون 2004).
نعيمة ممرضة ألحقها مسؤولو مستشفى ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء، كوافدة/موظفة جديدة من مدينة سيدي قاسم، بكهفنا في يناير 1990. لم يكن سهلا الاقتراب منا. كنا حسب التعليمات الصارمة مجرمين خطيرين و"عديان سيدنا". التحقت بنا بعد تنقيلنا الى أحد الأقبية النتنة المنسية/المهجورة بنفس المستشفى.
لكن رغم ذلك، اندمجت بسهولة في طقوس أهل كهفنا. لأنها ليست الوحيدة التي شنفت أسماعها تلك الأسطوانة الترهيبية.
الكل تقريبا، كان يحترمنا ويتفهم وضعيتنا الشاذة..
والكثيرون (ممرضون وممرضات وعناصر الحراسة)، كانوا يتعاطفون معنا، بل ويخدموننا رغم أننا من أخطر المجرمين وأعداء الملك..
سجلنا عليها مرة أنها لم تقم "بواجب" الدخول الروتيني الى غرفتنا/زنزانتنا، واقترحنا عليها "استفزازا" لها البقاء بعيدا إذا لم تكن تطيق الحالة التي كنا عليها: قيود وروائح كريهة وشعر كث وأظافر طويلة ومتسخة..
لكنها اعتذرت بلباقة، وأضافت أنها لم تكن تقصد ذلك. بل لسبب أو لآخر، لم تقم بإطلالتها الصباحية على زنزانتنا.
ومنذ ذلك الحين، ووتيرة الارتباط بنا (جوهاري وأنا) أخذت تكبر وتكبر وتكبر..
كانت تخفي الجرائد والكتب التي كنا نطلبها منها تحت ملابسها الداخلية. ومن بين الكتب التي بذلت مجهودا خارقا للحصول عليها، كتاب "دار بريشة أو قصة مختطف" للمهدي التجكاني. كانت بالفعل صلة الوصل بيننا والعالم الخارجي الذي حرمنا من شمسه وهوائه ونسائمه...
لقد خربت الحصار الذي كان مضروبا علينا..
لقد وضعت حريتها فوق كف "عفريت"، وكذلك مهنتها/وظيفتها ومستقبلها..
كانت جريئة الى حد نكران ذاتها وعائلتها..
كانت قوية الى حد هزم الجلاد وجيوشه وأسواره...
وخوفا عليها، وتفاديا لأي هفوة منا قد تفضح سرها، لقبناها ب"أسماء". ولذلك لم نجد صعوبة في تسمية ابنتنا البكر، فكان اختيارنا "أسماء" تلقائيا.
وعندما لبت طلبي في نهاية أحد أسابيع شهر غشت 1990 بزيارة العائلة بمدينة مراكش عمت السعادة الكهف، وأحسسنا (جوهاري وأنا) نشوة الانتصار قبل الأوان.
لم يسبق لها أن زارت مدينة مراكش. ورغم ذلك، لم تتردد في قبول الطلب الصعب.
وضعنا الترتيبات اللازمة لسفر عصفورتنا: مخطط مضبوط، الوجهة حارة الصورة (قرب حي الموقف)، درب سيدي بوحربة رقم 3. عنوان أختي سعيدة. تفادينا عنوان الأسرة (الأب والأم) بحي باب تاغزوت تجنبا لأي مفاجأة غير سارة.
حملت معها رسالة الى الأسرة وبعض العلامات لكسب ثقتها.
كان الصيف حارا وكانت المهمة صعبة.
إنها صورة من صور تضحيات أبناء وبنات شعبنا؛
إنه الأداء الرائع لبنات وأبناء شعبنا؛
إنه الغذاء/الزاد الذي يقوي صلابة وصمود المناضلين على جبهات النضال، داخل السجون وخارجها...
عادت بطلتنا منتصرة وعلامة انتصارها/انتصارنا بادية على يديها، كاعتراف لها بشهامتها وتضحيتها...
فقد زينت الأسرة يديها بالحناء.

* النص منقول ببعض التصرف عن كتاب حسن أحراث "مجموعة مراكش.. تجربة اعتقال قاسية"؛
* النص لقطة من بين لقطات عديدة تغذي صمودي وتنير طريقي؛
* تحدثت عن صلابة نعيمة (كانت قوية الى حد هزم الجلاد وجيوشه وأسواره...)، لكن رقتها ولطافتها تفوقان صلابتها وقوتها...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق