كثيرا ما تلجأ الأنظمة الرجعية إلى إحداث ضجات إعلامية خادعة بواسطة
الأبواق المملوكة والمرتزقة، وذلك للتستر عن أحداث كبيرة أو الكشف عن فضيحة يكون بطلها/كبش الفداء أحد العملاء أو أحد الموظفين الكبار، وأحيانا أحد المقربين من مراكز القرار إذا تطلبت الخطة ذلك؛ ودائما من أجل تفادي انكشاف الجرائم الكبرى في حق شعبنا أو تمرير مخطط طبقي في غفلة من الجماهير الشعبية المضطهدة… وهذا ما تعيشه بلادنا في الآونة الأخيرة من كثرة الأحداث المفبركة والمناورات المحبوكة بدقة متناهية، لدرجة أن عددا كبيرا من المناضلين وحتى بعض "الثوريين" قد انساقوا دفعة واحدة وراء تلك الأحداث التي أخرجتها أجهزة المخابرات إخراجا، لدرجة أنه أصبح من السهل على النظام القائم بالمغرب خلق أي نقاش أو ضجة للإلهاء وجس النبض، وبالمقابل تمرير هذا المخطط أو ذاك دون مقاومة أو مواجهة حقيقية.
ونؤكد في هذا الصدد، أن النظام مستعد للتضحية بأكبر خادم له مقابل ضمان استمراره وخدمة مصالحه الطبقية ومصالح البرجوازية الكبيرة والامبريالية، وهذه حقيقة يؤكدها تاريخه الدموي في عمليات التصفية المشبوهة لعملائه بعد انتهاء أدوارهم القذرة.
ومناسبة هذا التقديم العام هو التقرير الأخير عن سنة 2018 الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات في النصف الأول من شتنبر الحالي، والذي يرصد من خلاله (حسب بعض فقراته) اختلالات وتلاعبات وتضخيم في أثمنة بعض المقتنيات التي باشرتها بعض المجالس الجماعية والمصالح الخارجية... إلخ. هذا بالإضافة إلى رصده لعمليات التهرب الضريبي لدى الكثير من الشركات والهيئات الخاضعة للضريبة. وحسب ذات التقرير (الذي اعتبره البعض بأنه تقرير جريء و"ثوري" على شاكلة خطاب 09 مارس 2011)، فإن المداخيل الجبائية يؤديها أقل من 1 في المائة من الواجب عليهم أداء الضريبة... إلخ. للإشارة فإن صدور هذا التقرير جاء مباشرة بعد المناظرة الثالثة حول الجبايات بالمغرب المنظمة بداية ماي المنصرم بمدينة الصخيرات، وهو ما يفيد وجود تنسيق مسبق بين مؤسسات النظام وأجهزته لتوجيه النقاش، مما سيشكل أرضية لتزيل تشريعات جديدة للتغطية عن العجز المالي ومحاولة الموازنة بين الناتج الداخلي الخام والمديونية الخارجية التي وصلت إلى أرقام (نسب مئوية) خيالية من الناتج الداخلي الخام حسب المعطيات الرسمية.
إن هذا التقرير لم يمس بأي شكل من الأشكال المصالح العليا للنظام والبرجوازية الكبيرة (الكمبرادور والملاكين العقاريين)، ولم يكشف عن حجم الجرائم الاقتصادية والمالية والإدارية المرتكبة من طرف مختلف الشركات والمقاولات المحمية والمحصنة، خصوصا أن أغلب هذه "المافيات" تتهرب بشكل "مقنن" و"مشروع" من أداء الضرائب. كما أنه لم يشر إلى حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد المحلي من جراء التسهيلات الجمركية والإعفاءات الضريبية والتسهيلات القانونية للشركات والمقاولات الأجنبية التي تنبت كالفطر في المناطق الصناعية المسماة "حرة"...
إن "المجلس الأعلى للحسابات" كآلية مراقبة شكلية على المقاس وتحت التعليمات عاجز عن قول الحقيقة كاملة. ببساطة، لأن النظام من نصبه ليتستر عن الجرائم الكبرى في كل المجالات، وليقدم أكباش الفداء كلما دعت الضرورة لذلك.
إننا في المغرب، لسنا في حاجة الى مثل هذا المجلس الشكلي، فروائح الفساد تزكم الأنوف وتتجاوز الحدود. فوحدها التقارير الدولية يمكن أن تفضح المستور (الصحة والتعليم والسكن والتشغيل...). وأكثر من ذلك، فأسماء المتورطين في الجرائم السياسية والمالية والإدارية معروفة (نار على علم). أما شعار "ربط المسؤولية بالمحاسبة" فلدر الرماد في العيون والاستهلاك والواجهة الخارجية. كما أنه سيف على رقاب "المتمردين"، والصغار منهم بالخصوص...
فأين هو المجلس/أداة التضليل من التقارير عن الشركات والمجموعات التابعة للنظام ومحيطه، والتي تتربع على عرش المحتكرين والناهبين لفائض القيمة، بعد الشركات الامبريالية المستثمرة في خيرات البلاد المعلومة وغير المعلومة، هذا الفائض الذي تنتجه الطبقة العاملة، ولا تستفيد أي شيء سوى المعاناة تلو المعاناة؟
إننا لا ننفي ما ورد في التقرير من فساد صغير/"أصغر" ومعلوم لدى العموم، لأن كل المؤسسات والمقاولات والإدارات ينخرها الفساد، بل إنها قائمة على الفساد والريع حتى تساهم في نهب خيرات البلاد وتكديس الثروة في "معسكر" طبقي عميل للإمبريالية. وفي ظل نظام فاسد ويرعى الفساد لا فائدة من التغني بمحاولات إصلاحه، بل المطلوب النضال بحزم ومسؤولية من أجل كنسه إلى مزبلة التاريخ وتأسيس نظام شعبي وطني وديمقراطي.
شارك هذا الموضوع على: ↓