تحل اليوم ذكرى انتفاضة 14 دجنبر 1990 بمدينة فاس؛ فبعد مرور زهاء ثلاثين
سنة على المجزرة لازالت الجراح العميقة لم تندمل بعد، ولازال الجرحى والمعطوبين يصارعون الكوابيس التي علقت بأذهانهم من هول المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها قوات النظام وأجهزته القمعية في حق الجماهير المنتفضة، ولازالت المقابر الجماعية والفردية، لعشرات، بل المئات من الشهداء مجهولة. كما أن الأساس الذي قامت عليه الانتفاضة الشعبية لازال قائما.
إن القمع والبطش والقتل المنظم والعشوائي الذي تعاطى به النظام مع الانتفاضة الشعبية يوم 14 دجنبر 1990، كما هو شأن باقي الانتفاضات الشعبية المجيدة السابقة واللاحقة، لم ولن تخفيه شعارات النظام المنمقة حول "الانتقال الديمقراطي" والانصاف والمصالحة" وحقوق الإنسان وهلم جرا من الشعارات التي انساق وراءها المتخاذلون والانتهازيون الذين انهاروا وانبطحوا ونظروا للهزيمة مع سقوط سور برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي. إن أولئك الذين طبلوا لتلك الشعارات وتغنوا بها هم من يشكل الدرع الواقي للنظام وصمام أمانه من كل انتفاضة أو انفجار اجتماعي وشيك، ومن هؤلاء من صنع منهم النظام "أبطالا" "معارضين" و"زعماء" "ودودين ومسالمين" يضرب بهم المثل في "الوطنية" و"تغليب مصلحة الوطن على المصلحة الفئوية"، وقد تخلص منهم بعد انتهاء مدة صلاحيتهم ولجأ الى آخرين في طابور الخنوع...
إن ما ترتب عن الانتفاضة الشعبية 14 دجنبر- (على المستوى السياسي والنقابي) يعطينا فكرة واضحة عن أساليب الأنظمة الرجعية في ضرب نضالات الشعوب.
لقد شكلت الانتفاضة صفعة قوية لكل من استبدل الصراع الطبقي بالتهافت على الفتات المتطاير من "الجدار المنهار"، لقد كسرت جدار الصمت وزعزعت طاولة الحوار الاجتماعي (خيانة الطبقة العاملة) الذي هيأ له النظام بعد انتفاضة يناير سنة 1984 المجيدة.
لقد حاولت القيادات النقابية البيروقراطية (الكنفدرالية الديمقراطية للشعل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب) استباق انفجار الوضع الذي كان وشيكا بالدعوة للحوار والتشبث بالحصول على بعض مكتسباتها هي (وليس الطبقة العاملة) لدرجة أن الحوار استمر لعدة ساعات يوما قبل الإعلان عن الإضراب العام، الدعوة للإضراب أتت بنتائج عكسية لما توقعته تلك القيادات، فالإضراب العام وحده لم يكن ليشفي غليل الجماهير الشعبية التي اكتوت بوضع الأزمة الخانقة الناجمة عن سياسات النظام (سياسة التقشف، التقويم الهيكلي...) التبعية لقرارات القوى الامبريالية وأذرعها المالية (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي...).
إن انتفاضة 14 دجنبر 1990، والانتفاضات السابقة واللاحقة، وبالرغم من الاختلاف البين في تفاصيل وحيثيات كل واحدة منها، الا أنها، كلها، تزكي حقيقة تاريخية ما فتئت الامبريالية وعملاؤها الرجعيون والصهاينة يبذلون قصارى جهدهم لطمسها وتشويهها ومحاولة جعلها مجرد حلم أصبح من الماضي، هذه الحقيقة مفادها أن الجماهير الشعبية، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، لم ولن تكف عن الانتفاض على أوضاعها المزرية بكل السبل وبشتى الوسائل وفي أحلك الظروف، وهذا الوضع، أي الانتفاضات شبه الدورية والمستمرة، لن تتوقف ما لم تنتزع الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة خلاصها من طغيان وسيطرة الرأسمالية وتحقيق الاشتراكية على طريق الشيوعية، وهي الحقيقة التي تزعج من اختاروا طريق الردة والخيانة مقابل وضع اجتماعي مريح على حساب القضايا المصيرية لجماهير شعبنا والطبقة العاملة على الخصوص.
وبالمناسبة، وعلى سبيل الخاتمة، أتوجه إلى الرفاق، الثوار الحقيقيين، الصامدين في زمن الردة والخيانة، في زمن سيطرة الرجعية والانتهازية على أغلب القلاع التي كانت في السابق حصنا وبؤرا للقوى الثورية، أقول للرفاق، إن صمودنا وحفاظنا على ذواتنا أفرادا و"تيارات"، ومواجهة الواقع الصعب، وتحدي الصعاب مهما اشتدت حدتها، والصمود أمام هذه الرجة/ الموجة الجارفة هو الحصانة لمستقبلنا السياسي/الثوري، فبصمودنا وثباتنا على مواقفنا الثورية المشرفة، ودفاعنا المستميت عن تصورنا/تصور البديل الجذري، نقدم خدمة عظيمة لقضية تحرر الطبقة العاملة من نير الاستغلال والعبودية المأجورة.
شارك هذا الموضوع على: ↓