لا يمكن للقوة المادية أن تحقق وتفرض الهيمنة وتسيطر وتستنزف خيرات الشعوب إلا إذا رافقتها بالتوازي إيديولوجية مبررة لوضع قائم ومزيفة للحقائق.
مع الأسف الشديد لا زال الكثير منا تخدعه الإمبريالية بوسائلها المعتادة والمتجددة (التكنولوجيا) من وهم وتضليل وتزوير للحقائق؛ فرغم كل التجارب والأحداث التي عايشناها عبر مراحل التاريخ من حروب ودمار كلفت ملايير الدولارات وملايين القتلى والمشردين والتي كان الهدف منها إعادة تقسيم العالم الى دويلات، بغية السيطرة على الموارد الطبيعية واستنزاف المزيد من خيرات الشعوب، وتفقير وتهجير أهلها تحت مبررات عدة، فمن أفغانستان الغنية بالثروات مرورا بالعراق الغني بالنفط ثم سوريا واليمن... والى ليبيا، كل هاته الحروب المدمرة كان للعنصر الديني دورا فعالا وحاسما في غزوها وتدميرها، حيث كان على الامبريالية لكي تحكم قبضتها على هاته المناطق أن تستعمل قنابل موقوتة وبإيديولوجية محكمة ومدمرة من أجل إنتاج وعي زائف لدى الشعوب؛ الشيء الذي يجعلها ترى الواقع من منظور مزيف وغير حقيقي، واقع وهمي كفيل بأن يخدم مصالح الامبريالية والرجعية والصهيونية، إنها الأيديولوجية الدينية.
لا يمكن للإمبريالية أن تعتمد كليا على نفسها في بناء إيديولوجية قادرة على تزييف وعي الشعوب وإخفاء الحقائق وتبرير أعمالها الاستغلالية والتدميرية في مناطق كثيرة من العالم، إذ يكمن الحل في الاعتماد على الوكلاء من السعودية وتركيا والمغرب...؛ إذ يكفي صدور كلام مغلف بالدين من أي شيخ من مشايخ الظلامية حتى يمسي لدى الكثيرين بمثابة كلاما مقدسا لا يمكن مناقشته ولا مخالفته. وعلنا، عشنا مع فتاوى الظلامية من القرضاوي وأمثاله في الملف السوري، وكيف استجابت وتفاعلت معه الكثير من أكباش فداء، دمروا وذبحوا وسرقوا وعذبوا وهجروا ملايين السكان باسم الدين.
لقد رأينا في الآونة الاخيرة خرجات بعض المشايخ والأئمة التي تدعو إلى ضرورة التحالف مع أمريكا "المحبة للسلام". ومن هذا المنطلق جعلت أمريكا وحلفاءها ووكلاءها الرجعيين من الأنظمة المتعفنة من دول الخليج السعودية قطر الإمارات... وتركيا، وحان الوقت لتلعب دورها في ليبيا الآن، بمثابة أجهزتها الإيديولوجية لتحقيق هيمنتها والمزيد من التبعية والاستنزاف.
هذا الواقع المر الذي نعيشه معا وهاته المهازل التي تمارس على الشعوب وهاته المسرحيات المفبركة الوهمية رغم انكشاف حقيقتها للعالم واتضاح مغزاها الذي يصب في تجاه مصالح الامبريالية، يبقي منطق التبعية وتكريس ثقافة الانبطاح هما السائدان لدى الكثيرين...
فحرب المصالح وبالضبط الاقتصادية منها تجعل الأقطاب المعنية يخوضونها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، لكن تبقى الشعوب هي أكباش فداء ويكون البعض منا طرفا في المعادلة بدون وعي. هكذا
هم الذين يهللون وهم بالملايين في كل الأقطار الرجعية ويملؤون كل صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بنداءات تخدم مصالح أطراف معينة بدون وعي (وأحيانا بوعي). يستعملون كأبواق لا أقل ولا أكثر، وهذا ما ينطبق مثلا على النداءات التي تدعو الى دعم مسلمي بورما أو شعب التبت والايجور في الصين.
يجب أن نمتلك الجرأة لنقول الحقيقة ونرفع اللبس عن ملفات وقضايا تم تزويرها لصالح طرف معين. فالصين كقوة صاعدة على جميع الأصعدة والتي تعمل جاهدة من أجل "نزع" (أو مزاحمة) الهيمنة الامريكية على العالم الى جانب قوى أخرى كالهند والبرازيل و...، لا يمكن أن تشق هذا الطريق بدون ضرائب سياسية واقتصادية. إن الصراع بين الأطراف وصل الى قمته، فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل جاهدة من أجل خنق الصين وجعلها قزما أمام الهيمنة الأمريكية. ففرض المزيد من الضرائب على المنتجات الصينية بل حظر البعض منها والحد من المد التي تعرفه الشركات الصينية الكبرى كشركة هواوي، كذلك لم تكف الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم شعبي التبت والايجوريين واستعمالهما كورقة ضد الصين في أي صراع معها، مستغلين فقرهم واضطهادهم ومطالبهم بالمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع باقي السكان.
وما الاحتضان الأمريكي لشعب التبت ورعاية "الزعيم" الدالاي لاما إلا الوجه الآخر لاحتضانهم للإيجور و"زعمائهم" في جماعة "الصحوة الوطنية لتركستان".
إن الدول التي استقدمت "المجاهدين" الايجوريين بدعم أمريكي للجهاد في سوريا وشكلت لهم كتائب الإيجور والترك هم أنفسهم اليوم الذين يتزعمون الحملة ضد الصين دعما للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا..
أغلب أخبار وصور وفيديوهات الايجور ومشاهد التعذيب.. إلخ، مفبركة على طريقة بورما، وإحيائها الآن بدافع سياسي تزامنا مع قمة كوالالمبور بماليزيا التي تهدف لإنشاء كيان سياسي إسلامي "محايد" عن السعودية الموالية للإمبريالية الأمريكية برعاية الصين وروسيا.
الحملة الآن على الصين هي سياسية في جوهرها، لا تتعلق بشعب الايجور بتاتا (كطائفة). ولكنها تكرار لما حصل في السابق ضد الاتحاد السوفياتي بطريقة دينية وخلق مقاربة عقائدية قوامها كالتالي، الشيوعية كفر والرأسمالية إيمان؛ البوذية كفر وشرك، بينما المسيحية إيمان وأقصد الكاثوليكية. وهي المقاربة التي سادت الشرق الأوسط طوال الحرب الباردة، وعن طريقها "استحمروا" الشعوب العربية الى أن أصبحوا وقودا في حرب الغرب ضد السوفيات. الآن، يريدون إحياء هذا المشهد بجعل "المستهلكين" وقودا في الحرب ضد الصين الذي سيتحول الى نداءات بمقاطعة المنتوجات الصينية وبالتالي تكفيرها وشيطنتها لخدمة المصالح الرأسمالية للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها.
الشعب الفلسطيني يشرد ويقتل يوميا على يد الكيان الصهيوني وأمام أنظار العالم منذ زمن بعيد، أم أن الأمر لا يهمهم؟!!
أطفال اليمن يقتلون ويستشهدون جوعا جراء الحصار والدمار الذي تفرضه الرجعية السعودية وكل من لف لفها، لماذا لم نسمع لهؤلاء الأبواق نصف هذا التنديد الذي يهللون به الآن ضد الصين!!؟
أعداد هائلة من شعب سوريا قتلت وأخرى هجرت، وما قبلها العراق. واليوم نشاهد حجم التكالبات التي تمارسها كل الأنظمة الرجعية بالوكالة على من تبقى من الشعب الليبي، أين كانت هاته الأبواق؟
الجواب، هي فقط التي أباحت الدم السوري واليمني، وهي التي تطبع وتنادي علنا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية.
الشعب الايجوري طالب منذ زمن بعيد الانفصال عن الصين وليس وحده فقط. والنظام الصيني منذ زمن وهو يستغل ويضطهد الشعب الصيني وشعوبا أخرى مضطهدة..
لا توجد مشكلة للإسلام في الصين بتاتا كعقيدة، ولكن قيادات الايجور ذهبوا لأمريكا ومن تم طالبوا بالانفصال ضمن حركة تسمى "الصحوة الوطنية لتركستان الشرقية" برعاية وبتمويل وبتوجيه من الولايات المتحدة الامريكية.
إن قمة ماليزيا المدعومة من الصين سياسيا وإعلاميا هي بمثابة نواة لتكتل جديد سيتسع فيما بعد ليتبنى وجهة نظر الصين في "قيادة" العالم. لذا فالمعادلة بسيطة جدا، أي أن المتضرر من القمة هم الذين يشعلون الآن حملات التضليل والكذب وحملات الإعلام المشوه ضد الصين بسبب الايجور.
لا أدافع عن الصين، وليس المجال للحديث عن أوضاعها الداخلية التي لا تخلو من استغلال واضطهاد طبقيين أو عن علاقاتها الخارجية المدعمة لأعداء الشعوب المضطهدة، لكن أحاول ما أمكن أن أعطي للصراع بين القوى المهيمنة سياسيا واقتصاديا وعسكريا مكانه الصحيح، بعيدا عن التضليل الإعلامي. فما دامت التناقضات والفوارق الطبقية قائمة بالصين والولايات المتحدة وغيرهما، فالصراع قائم.
فالشعوب المضطهدة تناضل من أجل غد أفضل خال من الطبقات ومن الاستغلال الطبقي...
شارك هذا الموضوع على: ↓