إن الفنان إنسان يعكس الى حد ما موضوعا يرتبط بالحياة اليومية.
وإنتاجه هذا ليس مستقلا عن مستوى تطور ونضج الصراع؛ قد يعكس الفنان تفاهة الواقع وثقافة الوضع القائم التي تجسدها البرجوازية من خلال منابرها الإيديولوجية. فالفنان يلعب دورا، نعم، لكن لا ينبغي إعطاءه أكثر من حجمه/حقيقته. صحيح، إن البرجوازية تحاول أن تجعل منه شخصية تتجاوز مستوى حقله لتستغله في مجالات أخرى كالتجارة، كما هو الشأن بالنسبة للإشهار لأحد منتجاتها. وهو هنا عبارة عن مرتزق لا أقل ولا أكثر، وقد تستغل شهرته للترويج لمشاريعها وبرامجها السياسية، خاصة في مناسبات حاسمة، نموذج ما يفعله النظام الرجعي القائم بمصر، والعديد من الأنظمة الرجعية الأخرى، من بينها النظام القائم بالمغرب. فغالبا ما تستضيف قنواتهم ومنابرهم الإعلامية شخصيات من الميدان الفني لمناقشة قضايا سياسية تهم شعوبها. فالفنان المرتزق، كما السياسي المرتزق والنقابي المرتزق والجمعوي المرتزق، ممثل يتقمص الدور جيدا، وبشهرته يحاول أن يمحور النقاش المحددة نتائجه سلفا لما يخدم مصالح النظام القائم. الفنان هنا ممارس للسياسة الرجعية، وهو يمارسها دائما ويعبر عنها بأشكال ثقافية مختلفة، ك"مثقف رجعي". لكن ماذا عن الفنان الملتزم؟ ينبغي أولا تحديد معنى الفنان الملتزم، فهو إنسان تبنى قضية الشعب ويحاول التعبير عنها بأسلوبه الفني. وهذا التعبير يتطور بتطور الصراع الطبقي ونضج البعد النظري والسياسي للفنان ذاته. فليس من غنى أغنية تهز المشاعر والعواطف يعتبر فنانا ملتزما. يمكن أن نقول إن عمله ذاك قد لامس جزء من التزام الفن بالقضية، والتزام الفن بالقضية في عمل فنان ما لا يعني بالضرورة أنه فنان ملتزم حق الالتزام بقضايا الشعب.
إن الفنان الملتزم مناضل، أي أسبقية المناضل هي التي تحدد معنى عمله وهويته وليس العكس. وانخراطه في معمعان المعارك الطبقية ووعيه بضراوتها وتبعاتها (ضريبتها/ثمنها) وفهمه للصراع السياسي والنظري يؤهله برؤيته/موهبته الفنية أن يعبر عن القضية بأسلوبه الفني وبصمته الفنية. لذا لا يحق لنا أن نصف هذا أو ذاك بكونه فنانا ملتزما قبل أن نتأكد من التزامه/نضاليته وعطائه الميداني والنظري. فكثير من المرتزقة التي اكتسحت المجال الفني باسم الالتزام والقضية، وفقط من أجل النجومية والربح السريع...
والأهم ليس "صناعة" فنان ملتزم، بل الأهم هو "صناعة" مناضل. وحين "نصنع" المناضل إذا توفرت لديه الموهبة الفنية (الذكاء الفني)، فمن الطبيعي أن يسخرها لخدمة قضية شعبه. إن أي قضية عادلة تحتاج الى المناضلين في تعدد مواهبهم/ذكاءاتهم. وهذا يجعل دور الفن متكاملا مع المهام النضالية الأخرى في خضم الصراع الطبقي. ويبقى الأهم هو توجيه السهام النظرية والسياسية والعملية الى صدر العدو المشترك. ومن خلال هذا المجهود ينبعث الفنان الملتزم (الرسام والشاعر والمسرحي والسينمائي والموسيقي...).
شارك هذا الموضوع على: ↓