اليوم 28 مارس 2020، المغرب يعلن أن عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا
وصل 402، وعدد الوفيات وصل 25 وفاة. بالنسبة للبارعين في المقارنة مع الدول الأخرى، أقول هذا الرقم لا يعني شيء. فهو لا يدعونا للتفاؤل لقلة المصابين ، ولا يدعونا للتشاؤم لأنه إذا كان معبراً بشكل تقريبي عن الواقع، فالمغرب سيكون بلداً محضوضاً. للأسف، عدد المصابين لا نعرفه الآن لأن وثيرة التحليلات بطيئة جدا في المغرب بنسبة 250 تحليلة في اليوم مقارنة ب12000 تحليلة في اليوم في فرنسا مثلا(بعد ان كانت 5000 في الأيام الماضية) و 500000 في الأسبوع بالنسبة لألمانيا. الأنظمة الرأسمالية في أوروبا تخلت عن قطاع الصحة منذ عقود كالمغرب، ففضحتها هذه الأزمة وهم الآن يطبقون ما سموه "طب الحرب". النظام الأمريكي ليس احسن حال؛ فاليوم أعلن بعض الأطباء في نيويورك انهم توصلوا بتعليمات جديدة تشبه ما هو معمول به في اسبانيا وإيطاليا. حسب هذه التعليمات، العناية الطبية تعطى لمن له حظوظ أكثر للبقاء على قيد الحياة. هذه هي الرأسمالية تتخلص من الإنسان كما تتخلص من قطع الغيار غير الصالحة. أما في المغرب، فزد على هذا المنطق واقع الزبونين والمحسوبية والرشوة في زمن السلم وتخيل كيف سيطبق "طب الحرب" في مستشفياتنا!!!
قد يقول قائل؛ ولكن المغرب اتخذ إجراءات احترازية في الوقت المناسب!و.. كثير من أصحاب هذا القول يشيدون بالنظام ويسعون إلى تحميل الشعب مسؤولية ما ستؤول اليه الأوضاع. وهم يستعينون بمعجم "الشعب غير الواعي"، "غير المسؤول"،"الفئات الطائشة" و ما شابه ذلك حتى لا أذكر النعوت النابية. نعم، على كل الناس أن يلزموا منازلهم إلا في حالة الضرورة القصوى لحماية أنفسهم وعائلاتهم قبل كل شيء. لكن، ألم يكن مهندسو النظام يعرفون أنه فقط 3 مليون و300 ألف شخص هم المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأن بقية الشعب من المياومين والمعطلين والطلبة..لن تجد القوت اليومي إن هي التزمت بالحجر الصحي!! لماذا لم يفكر فيهم فور الإعلان عن القرار لتتم طمأنتهم؟ربما كانوا مشغولين بترتيبات تدخل وحدات الجيش لضبط"الأمن والاستقرار" أكثر من ترتيبات إنقاذ الأرواح!!! فلو كانوا مهتمين بإنقاذ الأرواح، ما كنا نرى تدخلات القواد و مساعديهم بدون الحد الأدنى من الاحتراز ! وهو الحفاظ على مسافة مترين بين كل شخصين، عدم التصافح وعدم لمس شخص آخر والابتعاد عن وجه من يتكلم وغسل اليدين. لزوم البيت لا ينطبق عليهم طبعا!. أما ما شاهدنا، فعكس هذا؛ فهؤلاء تشابكوا وتدافعوا وصفعوا وركلوا وتكلموا في وجه المارة عن قرب وأزبدوا وكشكشوا !! ولم نر أي غسل او تعقيم بعد "غزواتهم".. وبعد تداول تسجيلاتهم على نطاق واسع، صدرت تعليمات بمنع تصوير تدخلاتهم، والمعني بهذا القرار هي صحافة العياشة التي أضرت بهم من حيث أرادت التنويه. ولهذا لم استغرب حين قرأت خبر إصابة قائد بمراكش بمرض كرونا وكذلك زوجته وبناته.
هناك عامل آخر لعدم التزام كثير من الناس بإجراء الحجر الصحي يضاف إلى الحاجة والبحث عن القوت اليومي وهو أزمة الثقة. تعودنا في المغرب أن الخطاب الرسمي غالبا ما ينطوي على الأكاذيب. لذلك فالبعض لم يصدق إعلان كورونا جائحة عالمياً ولم يصدق بان الحجر سيغير شيئا إن كان الخبر صحيحًا. وهذا الواقع يتحمل مسؤوليته النظام ومنتجو أكاذيبه. كيف سيثق الشعب الذي سمع ان دعم المواد الأساسية سيذهب لجيوب المواطنين مباشرة ولم يرى إلا الغلاء!؟ الذي يسمع دائما عن فتح تحقيق ولجنة تقصي الحقائق ولا يرى نتائج!؟ الذي رأى وسمع رئيس حكومة ينكر استفادته من الريع ويهدد وبعد أن بسطت أمامه الحجة، جند اتباعه للتبرير!؟ الذي تابع نصب شركة"النجاة" على أبنائه أيام عباس الفاسي وبمساعدة مؤسسات الدولة، وبقدرة قادر خرج الكل من الملف براءة ولم يتم تعويض الضحايا ولا الالتفات الى عائلات المنتحرين منهم!؟الذي يسمع أن سكان المغرب أتوا من اليمن عن طريق الحبشة ومصر ، والحفريات والأبحاث العلمية تؤكد وجود الإنسان بالمغرب قبل مئات آلاف السنين!؟..بعد كل هذه السنوات من الكذب والتدليس، النظام يريد أن يعيد المصداقية لخطابه وبالاعتماد على نفس الأدوات القديمة؛ أي الأعوان الذين يتلاعبون حتى برخص الخروج!!
النظام تدخل الآن استنادًا إلى نصائح المنظمة العالمية للصحة وحلفائه في أوروبا من أجل حماية الاقتصاد من الانهيار إذا استمرت الجائحة بنفس الوتيرة. أما صحة المغاربة فهي آخر اهتماماته مادام هناك احتياطي كافي من اليد العاملة للمصانع والضيعات ولأجهزته القمعية. وأرقام وزارة الصحة تفضح ادعاءاته. مثلا، مجموع أطباء القطاع العام هو 12034 طبيب ومجموع المستشفيات هو 149 فقط دون الحديث عن مستوى التجهيزات. هل هذا العدد كافي لتقديم الخدمات اللازمة لحوالي 36 مليون نسمة؟ طبعًا لا. لكن لدينا من يملأ الفراغ! لدينا 5471 ضريحًا و1588 زاوية أنفقت عليهم وزارة الأوقاف في سنة واحدة 146 مليون درهم(2018) حسب إحصائياتها. هذه الأماكن تعد أوكارا للخرافة والشعوذة واحتراف التطبيب اعتمادًا على البركة وتسخير الجن وما إلى ذلك!! وتوفر جميع التخصصات حتى تلك غير المتوفرة في مراكز وزارة الصحة!!! الفرق ربما هو انك ملزم بالأداء قبل رؤية الطبيب في المستشفى، بينما في الضريح أو الزاوية يمكن أن تحصل على تسهيلات كأن تأتي بالذبيحة أو الهدية بعد الشفاء!! يملأ الفراغ أيضًا الراقي الذي فهرس آيات القرآن كما تفهرس الأدوية في الصيدلية وجعل كل واحدة منها دواء لداء! هكذا يتعايش كثير منا مع مرضه حتى تأتي ساعته.
كما ان هذه الجائحة عرت واقع البنية التحتية للنظام ، فقد عرت أيضا واقعا بئيسا للثقافة التي سيدها النظام بشكل مباشر وغير مباشر طيلة عقود . فقد ألغى مادة الفلسفة من المدرسة واعتمد الحفظ والاستظهار بدل النقد والتحليل في التعليم وسلط على جماهير المصلين أئمة يقصفونهم كل يوم جمعة بخطب جامدة حتى أصبحوا فريسة سهلة لكل التيارات الإسلامية تقودها حتى للتظاهر ضد كورونا!!! وبؤس هذا الجانب من الثقافة يتجلى في تحييد شعبنا من الصراع الدائر حول مواجهة هذا الفيروس. فشعوب أوروبا وأمريكا تضغط على أنظمتها من أجل توفير العلاج والعناية الطبية للمصابين في الوقت الذي تميل أصوات كثيرة هناك لارتكاب جريمة تاريخية في حق المسنين والمرضى باعتماد سياسة "مناعة القطيع". وتضغط أيضًا للتوقف المؤقت عن العمل غير الضروري وتوفير وسائل العيش للجميع في هذه الفترة العصيبة. وأخرجت نقاش اللقاح والدواء من نطاقه الطبي الضيق إلى نطاق واسع مجتمعي وفلسفي. أما عندنا فالتيارات الإسلامية وفقهاء الدين يجمعون على أن كورونا جند من جنود الله سلطه علينا غضباً وليس أمامنا إلا الدعاء!! والبعض منهم هلل شاكرًا كورونا لانه فرض النقاب وأوقف الحفلات ... ولم يبق له إلا إعلان التنجيد الإجباري تحت راية جند الله!!! ونسوا هكذا كل ما قالوه في خطبهم السابقة عن أن الله خلق الكون وأتقنه أحسن إتقان ورتبه أحسن ترتيب، بما يفيد أن كل ماهو موجود فهو محكوم بقانون دقيق ولا مجال فيه للغضب والاعتباطية! وبنفس المنطق الديني، خرج البعض منهم ليقول بأن كل ما يجري في العالم هو فقط مؤامرة ضد الإسلام لغلق المساجد و غلق بيت الله الحرام (النهاري مثلا). للإشارة، الرئيس الأمريكي يحتاج لخطباء مثل هؤلاء يشجعون الناس للذهاب إلى العمل هذه الأيام ولم يجدهم حتى في ادارته! ألا يعلم هؤلاء أنه في زمن الكوليرا، أصيب الحجاج في بيت الله الحرام ونقلوا العدوى إلى بلدانهم عند عودة من بقي على قيد الحياة! ألا يعلم هؤلاء أن زمن المعجزات قد ولى! وأن الكبش بعد ذبحه لا يعود إلى الحياة! لهؤلاء أقول أنكم أكبر مؤامرة ضد الإسلام، فخطابكم البئيس حول الاسلام الى دين يعادي العلم ، ينشر العنصرية بدل التآخي بين الشعوب، دين لا يعير أي قيمة للحياة الإنسانية..
تساؤلي الأخير هو هل سيؤطر هذه الأزمة نقاش من السبب: أمريكيا أم الصين؟ أم نقاش جذور أزمتنا المغربية والبحث عن الحلول والانخراط فيها؟
محمد سعيدي
28 مارس 2020
شارك هذا الموضوع على: ↓