2020/04/21

حسن أحراث// الصمود أو الانهيار.

تمر الشعوب من محنة الى أخرى، ويعتبر الاستغلال والقهر الطبقيين أخطر
هذه المحن. وتكمن خطورتهما في القتل البطيء والجماعي للمضطهدين، ومنهم على الخصوص العمال والفلاحين الفقراء؛ وذلك من خلال حرمانهم من أبسط شروط الحياة الكريمة، رغم أنهم صناع الثروة، صناع الحياة الجميلة والمستقبل السعيد. ولن تزول هذه المحن إلا بعد تقرير الشعوب المضطهدة لمصيرها عبر انتفاضاتها وثوراتها.
أما ما نعيشه اليوم، أي محنة اليوم، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كما أنها ليست سوى عبء آخرا يثقل كاهل المضطهدين ويعمق معاناتهم. وأكثر ما نهابه الآن، ليس انقراض الشعوب، بل انهيار المناضلين.
إن الشعوب لا تنقرض وإرادتها لا تقهر. تنقرض الأسماء والأماكن والحكام وتتغير الحدود، وتخلد الشعوب وتستمر. فرغم الخسارات والانكسارات والتضحيات الجسيمة أمام دموية الأنظمة الرجعية والصهيونية والامبريالية، تنبثق الشعوب من رمادها وتتجدد وتتطور. إن التاريخ لا يعيد نفسه...
وماذا عن المناضلين؟ ما هي أدوار المناضل؟
لا تتحدد أدوار المناضل الآن. ولن نتفرغ أو نسابق الزمن تحت ضغط اللحظة لابتكار المناضل سوبيرمان (SUPERMAN)، كما البحث الجاري لاكتشاف علاج كوفيد-19 أو الدجل المرافق له. ولسنا خارج التاريخ، وهي التهمة التي تحاصرنا دائما كلما جهرنا بالحقيقة. المناضل يعرف أدواره وإلا بأي حق يحمل صفة مناضل. وأقصد المناضل المنظم أو المقتنع بالتنظيم القائم على المركزية الديمقراطية. ولعل أبسط أدواره التنسيق/التواصل والالتزام وإنجاز المهام النضالية المنوطة به في الزمن والمكان المناسبين وبشكل مبدع ومساير لدينامية الصراع الطبقي. ومن باب تفسير الماء بالماء، إذا قلنا إننا نتفاعل مع هذه اللحظة السياسية وفق المعطيات والمستجدات الحاصلة. إنه تحصيل حاصل...
قد نتفهم تخلف المناضل عن القيام بدور من أدواره النضالية في ظل الشروط الذاتية والموضوعية الراهنة، وطبعا بما لا يفسد للنضال "قضية" (النقد والنقد الذاتي). لكن صمود المناضل، بمعنى الثبات والتشبث بالمبادئ والمواقف بشكل خلاق ومنسجم، لا يناقش (لا نقصد الجمود والعناد). فإما الصمود أو الانهيار...
كثيرون انسحبوا تحت تأثير النكوص المدمر الحالي، ومنهم من التحق بخندق النظام تحت هذا المبرر أو ذاك. كثيرون لم يعودوا يقوون على مجابهة النظام القائم والقوى السياسية الرجعية ومن بينها القوى الظلامية والشوفينية رغم استفحال التردي الاقتصادي والاجتماعي والاستهتار بأرواح العمال. كثيرون عجزوا (وكثير من العجز بمعنى التواطؤ) عن التصدي للبيروقراطية ومكر القيادات النقابية التي حطمت كل الحواجز بينها وبين الباطرونا وعن فضح مساهمتها في قتل العمل النقابي وتقديم أعناق الشغيلة لمقصلة النظام وقاعدته الطبقية، أي البورجوازية الكبيرة (الكمبرادور والملاكين العقاريين). كثيرون يتفرجون على استنزاف العمال بمختلف المواقع الإنتاجية (مثال عمال وأطر امانور بطنجة وتطوان والرباط) وعلى غرق المعتقلين السياسيين في السجون وغياهيب النسيان...
إننا في منعطف تاريخي فارق، إنها ظرفية "غسل الأدمغة" وتسييد التعاون الطبقي وتجييش الموالين للمشاريع السياسية المهادنة. إنها مخططات امبريالية صهيونية ورجعية تنزل إقليميا ودوليا على نار هادئة.. وإذا كانت انتفاضات الشعوب إبان ما عرف "بالربيع العربي" أرضية لإعادة ترتيب أولويات منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وبما يكرس مآسي شعوب هذه المنطقة ونهب خيراتها، فإننا مع وباء كورونا فيروس سنستفيق قريبا على خريطة جديدة بالضرورة ستكون الشعوب المضطهدة ضحيتها كما دائما...
كثيرون يبررون ما لا يبرر، وفي مختلف المجالات السياسية والنقابية والثقافية... ومن الطبيعي أن يكثر كذلك الدجل والدجالون والشعوذة والمشعوذون، على حساب العلم والفكر العلمي...
هؤلاء "الكثيرون" المدعومون كانوا دائما كثيرين ومدعومين، ومنهم خريجي الجامعات والسجون والجمعيات والنقابات والمنظمات السياسية السرية... الجديد هو ارتفاع سرعة الانسحاب وتفاقم وتيرته. وهذه المرة تقمص بعض هؤلاء "الكثيرون" شخصيات (انتحال صفة) الكهان والوعاظ ولبسوا المسوح والعباءات ونشطت لديهم غدد الانبطاح و"التسامح" السياسي وازدادت لديهم إفرازات هرموناتها، حتى لم نعد نسمع غير التوبة والندم والمسامحة والواقعية والتعاون (حتى مع "الشيطان") وفعل الخير بالمعنى الأخلاقي أي التصدق... وكأننا بهم أمام ثورة "أخلاقية"...
المناضل اليوم مطالب بالصمود أكثر من أي وقت مضى، سواء كان وراء القضبان أو أمامها؛ أما السجن، فواحد...
إن المناضل بين يدي الجلاد، أو بمعنى آخر المناضل بين المطرقة والسندان. لذا فالصمود خط/حد فاصل.
إن المناضل اليوم مطالب بالثبات والحفاظ على التوازن والانسجام في علاقة مرجعيته/النظرية بالممارسة في ظل العجز الذي يطوقنا جميعا. فذلك من بين آليات المقاومة والانفلات من قبضة الضعف والتيه. وليس عيبا أن نعترف بعجزنا، العيب أن نقبل به أو أن نتعايش (التطبيع) معه كنوع من الاستكانة والخنوع والقبول بالأمر الواقع. كما أن العيب ليس في الحلم، بل في عدم العمل على تحقيقه (قول حكيم)...
وبدون شك، قد ينفذ الصمود كما الصبر في غياب مقوماته المادية، ومنها الفعل والدعم الرفاقي. فأن يصمد المناضل يعني أنه مقتنع بقضيته وقادر على التحدي وتغذية صموده، أي أنه قادر على الفعل...
تحية لشهداء شعبنا..
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين..
تحية للعمال الصامدين..
تحية لرفاقنا الصامدين رغم كل الإكراهات القائمة..
تحية لكافة أبناء شعبنا الصامدين..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق