08‏/04‏/2020

حمان الأطلسي// الصورة الإيجابية مقلوبة في العلبة السوداء للواقع

إن الحديث عن أي إيجابية خارج فهم قوانين الصراع الطبقي هو فقط حديث
للترفيه عن النفس، وإخراج المكبوت اللحظي لظرفية عامة تتجاوز فكريا وعاطفيا الواقع المر الذي يعيشه شعبنا، خاصة الفقراء من عمال وفلاحين ومعطلين ومهمشين. حقيقة، ليس هناك أي صورة إيجابية خارج التفاعل النضالي في الوقع المر. إن التمييز بين ما هو إيجابي وسلبي في هذه الظرفية المرة يقاس بمدى إسهامنا فرادى وجماعات في الصراع. أما استحضار لحظات فردية متفرقة لإحداث نوع من الإيجابية هو كأننا أمام تجربة إكلينيكية نفسية لا أقل ولا أكثر. فلن تغير في الواقع شيئا، لأن الأزمة الحالية هي أزمة اقتصادية وسياسية زادها وباء كورونا حدة. وإذا لم نقرأ تبعات نتائج هذه الظرفية على الفقراء وعلى العمال والفلاحين والمياومين الذين يدفعون فاتورة هذه الوضعية نكون كمن يغطي الشمس بالغربال.
كيف سأقنع عاملا طرد وشردت عائلته، ومياوما فقد مصدر قوته وفلاحا فقيرا حسم الجفاف موسمه، وتلميذا لا يتوفر على أدنى شروط الحياة وهو مطالب بالدراسة عن بعد ولا يتوفر حتى على جورب يغطي بها تشققات قدميه؟!! إن صورتي في الفضاء الأزرق ستخلق لديه إيجابية، إنها يا سادة هلوسة كورونا في بعدها الطوباوي الخيالي لعلاقات افلاطونية يعيشها الوعي البرجوازي الصغير في انكماشه في غرفة العزل الصحي.
إن ما تتطلبه اللحظة ليست الإيجابية الفضفاضة، بل الواقعية والتحليل الملموس للواقع الملموس. ولكي لا ننسى، فإن عمال شركة امانور وهم في يومهم السابع والسبعين من الاعتصام المفتوح قد رسموا معالم إيجابية في النضال وبتحد للظرفية التي عكست استغلال البرجوازية للوضعية الإعلامية والسياسية والقانونية "لتشرعن" غطرستها واستبدادها لهم. ومع ذلك، حافظوا على إيجابيتهم، ليس بعيدا عن الواقع، بل في معمعان الصراع الطبقي على أرض الواقع، وليس افتراضيا.
وحتى لا ننسى كذلك، فإن قادم الأيام سيعرف التسريح بالجملة للعمال تحت يافطة الحجر الصحي وبدواعي الأزمة الوبائية وغيرها، وبصفة "قانونية"، حيث الكل منشغل بالوباء. إن البرجوازية استفادت وعلمتها لغة السوق أن الفرص تأتي مرة واحدة، وينبغي استغلالها.
فماذا نحن فاعلون بإيجابيتنا المزيفة إزاء هذا السيناريو الذي صار حقيقة بالفعل؟
إن الواقع لا يقبل الصور المنمقة، وأي صورة بعيدة عن حقيقة قوانين حركيته فهي مقلوبة في علبته السوداء.
لنحافظ على نضالنا وعلى مبادئنا، فهي سلاح الفقراء الآن وفي قادم الأيام .




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق