2020/05/13

محمد سعيدي // من دروس أزمة الكورونا عند رئيس الحكومة

أي دروس يمكن استخلاصها من جائحة كورونا؟ طرح هذا السؤال على رئيس
الحكومة العثماني أثناء خرجته الأخيرة (لقاء خاص بث يوم الخميس 7 أبريل ) ، فكان مجمل جوابه أن سر النجاح الذي حققه المغرب كان بفضل الالتفاف حول الملك والصبر. وعن سؤال تصوره للمستقبل، كان جوابه هو مزيد من الالتفاف والصبر، ومزيد من الدعاء للحكومة. وبما أن موضة اليوم هي الحديث عن المقاربة التشاركية، فجواب العثماني حدد لكل طرف دوره؛ للحكومة الاجتماع والتفكير والتدارس، وللشعب واجب الالتفاف والصبر والدعاء، وإلا فقانون الكمامة (20-22) سيكون له بالمرصاد.

كثيرة هي الدروس التي يمكن استخلاصها من أزمة الكورونا، لكن العثماني اختار الاختباء وراء لغة الخشب. يكفي التفكير بجد في مظاهر أزمتنا لاستخلاصها. دخلنا الأزمة بمستشفيات غير مؤهلة وغير كافية، وفقط بثلاثة مختبرات في بلد أجهز على كثير من المكتسبات الاجتماعية باسم "اللامركزية واللاتمركز"! وقبل الأزمة، زج بمن طالب بمستشفيات إضافية في السجون وبأحكام قاسية! دخلنا الأزمة باقتصاد يعتمد بشكل شبه كلي على الخارج، ونظام يهمش التعليم والبحث العلمي. وقبل الأزمة زج بكثير من الطلبة فقط للمطالبة بتحسين وضعية الجامعة والمدرسة العمومية! نقترب من نهاية الشهر الثاني تحت الحجر الصحي، وهناك عائلات كثيرة لم تتوصل بالمساعدات المعلنة والهزيلة (2000 أو 800 درهم) مقارنة مع الحاجات الأساسية للمواطن(كراء مسكن، مأكل). وفوق هذا كله، فهذه المساعدات تمول من صندوق لجمع التبرعات (الصدقة التي تأتي وقد لا تأتي)، في حين أن دولًا أخرى تقدم المساعدات لمواطنيها وللشركات من ميزانيتها، ولم يرى العثماني أي درس في هذا! وهذه الدول لا تقدم الأموال بمنطق الصدقة، بل للحفاظ على مستوى الطلب على السلع، والتقليل من حالات الإفلاس بالنسبة للشركات والأبناك. وأحيلكم على اجتماع مجموعة العشرين يوم الخميس 26 مارس 2020، حيث أعلن عن نية ضخ 5000 مليار دولار في الاقتصاد العالمي للتخفيف من حدة أزمته. يمكن أيضًا النظر في المستوى الهزيل للثقافة التي يروج لها النظام عبر الإعلام والفن مثلا ، في وقت يحرم فيه الجمعيات الثقافية الجادة حتى من حق التأسيس ( رفض تسليم وصل الإيداع)، ويحاصر ويقمع المثقفين الجادين. وما أن أعلنت حالة الطوارئ، حتى خرج نفس الإعلام الذي ينشر التدجين والتجهيل ليستغرب من مستوى الوعي عد الجماهير ويعيرها بذلك. سأكتفي بهذه الأمثلة التي توضح التناقض الصارخ بين طموح الشعب في التقدم وبين سياسة النظام.

العثماني بدا خلال اللقاء تائها و بلا بوصلة. أثنى على بعض المغاربة الذي سلم اختراعه مجانا للحكومة من أجل المساعدة على تجاوز الأزمة، ولم يتساءل عما خصصه في ميزانية حكومته للبحث العلمي! لست أدري هل يعول على التبرعات حتى في هذا المجال للنهوض باقتصاد البلاد، خاصة ان التوقعات تشير إلى انكماش عالمي مباشرة بعد الحجر الصحي. هل تهميش التعليم والبحث العلمي وانتظار التبرعات وقت الأزمة غير كافي لاستخلاص دروس غير الصبر والالتفاف؟! البلدان المتطورة كلها اعتمدت العلم وأنفقت عليه، وهذا ما ساعدها على كسب الملاحم الحقيقية والمجازية. وهنا أحيل العثماني على أحد دروس "دولة الخلافة العثمانية". لقد اعتمدت في توسعها على جيش الانكشارية الذي كان بمثابة القوة الضاربة في غزو شعوب حيلتها ضعيفة. وأغدقت على عناصره وقيادته بسخاء من الأموال والإقطاعات. لكن ما أن اعتمدت القوى الأوربية على جيش يعول على التعليم والتدريب والصناعة الحربية، حتى بدأ العد العكسي لانهيار القوة الضاربة. وتوالت هزائم جيش الانكشارية خاصة في أواخر القرن 18. مع ذلك، ظل الأغلبية من قادته يعتمدون على "صلاة الاستخارة" لجلب النصر ويعارضون التداريب لانها "من عمل الكفرة"! وهذه ليست انطباعات، بل وقائع ذكرها مؤرخون ومنهم إحسان أوغلو في كتابه "الدولة العثمانية" (أنظر أسفله).

رئيس الحكومة تحدث عن ملحمة نعيشها هذه الأيام، وهناك بعض الأقلام كي تعطي معنى لملحمتنا هذه تحلينا على تاريخ الخمسينات من القرن الماضي. أما أنا، فلست متفائلًا لأن يؤطر مرحلتنا شعارًا على شاكلة الالتفاف او الإجماع ..عاش الشعب المغربي ملاحماً في مقاومة الاستعمار الفرنسي والاسباني، وما إن خرج من هذه الحقبة حتى صيغ شعار "ثورة الملك والشعب". ولازمه إلى أن تم القضاء على إرث المقاومة وصفي رجالها الذين رفضوا تسليم السلاح حتى يتحقق الاستقلال الفعلي. ثم دخلنا مرحلة شعار "الإجماع الوطني". وكانت المحصلة تصفية المعارضة ولوائحاً طويلة من الشهداء والمختطفين والمنفيين.. لهذا فشعار العثماني هذا لا يبعث على الطمأنينة، وخاصة أن الخروج من الحجر الصحي سيتم افتتاحه بقانون تكميم الأفواه المعروف! لا نريد استثماراً في السجون، نريد الاستثمار في الإنسان . إن كنا فعلا نعيش ملحمة كملحمة المقاومة، فليس هناك في الأفق ما يدل على لن نعيش المأساة التي عاشها أجدادنا وآباؤنا. الذين عقدوا آمالًا على الدولة الناشئة حينئذ، صدموا لما رأوا أصدقاء الاستعمار وأبناؤهم هم الذين ورثوا هذه الدولة وثروة البلاد. أما المقاومون وأبناؤهم، فكان مصير كثير من الناجين التشريد والتهميش. من حقنا نشر الصور الإيجابية تخفيفًا على الأزمة النفسية المتولدة عن الحجر، لكن ليس من حقنا نشر الآمال الكاذبة. إن الوجوه التي توارت عن الأنظار هذه الأيام من أشباه السياسيين وأشباه الفنانين وأشباه الإعلاميين..، سيعودون في غفلة منا للتربع على المشهد من جديد بعد غيمة الكورونا. خرجة رئيس الحكومة قطعت الشك باليقين.
قد يقول البعض بأن رئيس الحكومة له صلاحيات محدودة وان هناك "تماسيح وعفاريت" يقيدون عمله، وأنه ليس على اطلاع على الملفات، وهذا ما يفسر تحفظه الشديد في الكلام! هذه الحجة ضعيفة ، فهو وحزبه شريكان للنظام في السياسةالتي نعاني منها. وإن كانت صلاحياته محدودة فهو منخرط بكل نشوة وحماسة في الاجهاز على المكتسبات الشعبية. ولم يقدم أي نقد ولم يعبر عن أي ندم على القرارات المتخذة . ولحد الآن، لم يعلن عن أي مشروع قرار لصالح الشعب وتمت معارضته من طرف "العفاريت "، اللهم الحديث على عهد سلفه عن التحكم. وإن رجعت لهذا التحكم، فهو لم يتعدى الصراع على الكعكة بين أحزاب الأغلبية ، أي حول المناصب والحقائب الوزارية.

هامش:
من كتاب" الدولة العثمانية، تاريخ وحضارة"، مجموعة من المؤلفين بإشراف إحسان أوغلو:
الصفحة 78:" ..كان السلطان سليم الثالث يريد بعزم مواصلة الحرب.. غير أن حالة الفوضى المتفاقمة التي كانت عليها الجيوش العثمانية لم تكن تبعث على الأمل في استمرار الحرب بنجاح، فقد عجزت عن الحيلولة دون سقوط مواقع خطيرة مثل كيلي وإسماعيل في أيدي العدو .. وكان إقدام الصدور العظام الذين يتولون زمام الأمور في تلك الأيام الحرجة على تنفيذ أعمالهم عن طريق "القرعة" او "صلاة الاستخارة" علامة بارزة على انعدام الحيلة التي وقعت فيها الدولة".
الصفحة 79/80: "..تجاوب السلطان سليم الثالث مع الأفكار الإصلاحية الرامية إلى حل جذري، وقرر إقامة جيش حديث يجري تدريبه وتنظيمه بالأساليب الأوربية .. ولم يمض وقت طويل حتى ظهر أن جنود الانكشارية كانوا يعارضون حتى التدريبات على الأساليب القديمة ناهيك عن التدريب على النظم الحديثة..وظهرت التحركات المناهضة مدعية أن "التدريب من عمل الكفرة".
محمد سعيدي
12-05-2020





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق