تتساقط أمامي العديد من الأفكار، وتحثني على الكتابة بالكثير من التودد والإغراء.
وتوالد هذا الزخم من الأفكار ليس غير نتيجة لخصوبة الواقع وثرائه، بالمغرب وخارجه. أحيانا، أعجز عن الكتابة كرقابة ذاتية. لأن مجال التواصل المراقب لا يسمح بكشف جميع الأوراق، أي مجالا لا يتيح إمكانية التحليل العميق والتعبير الحر. فيكفي أن تثير بعض "الحقيقة" لتُكفَر وتُدان وتُلام، وقد تُعتقل أو تُغتال. وفي أحيان أخرى، أخجل من نفسي؛ فكيف تستقيم الكتابة الآن إذا لم تتناول معاناة ومعركة عمال امانور بطنجة وتطوان والرباط. إن الكتابة السياسية الملتزمة ليست ترفا أو تعابير إنشائية عاطفية في مناسبات أعياد الميلاد أو السفر أو الزواج أو الوفاة، إنها مواقف طبقية منحازة وبالكامل الى المستغَل أو الى المستغِل.
طبعا، عمال امانور عنوان عريض لوضع سياسي واقتصادي واجتماعي كارثي يخنق عمالا آخرين في مناطق أخرى؛ ومعركتهم البطولية التي تجاوزت أربعة أشهر في ظل التكالب الفظيع والصمت الرهيب للجهات التي تتحمل مسؤولية استمرار القتل البطيء للعمال وعائلاتهم، أم المعارك. إنها "البداية" والنهاية، لأن انتصارها انتصارنا و"فشلها" فشلنا. وليتحمل المناضلون مسؤولياتهم من مختلف مواقعهم...
إن الكتابة عن عامل واحد هنا أو هناك يعد دعما لجميع العمال. والكتابة المطلوبة هنا بمعنى التعريف بالقضية وفك الحصار عنها وتسجيل التضامن والدعم وفضح الاستغلال والاضطهاد الطبقيين وبالتالي المتابعة النضالية، بل الانخراط في المعركة سياسيا وطبقيا...
ومن مسؤولية المناضلين مواكبة أوضاع العمال في كل مكان. لأنه بتضافر الجهود نتجاوز الانتقائية في التعاطي مع المعارك العمالية وكذلك الارتباك الذي يؤثر سلبا على العلاقات الرفاقية التي يجب أن تحتكم الى العطاء النضالي المتواصل وليس الى الصورة النمطية (الكاريزما) المكتسبة، عن جدارة أو بدونها، من الماضي العتيق. ومن تحصيل الحاصل أن من يناصر قضية العمال لا يمكن أن يتجاهل القضايا المجتمعية الأخرى (الفلاحون الفقراء والطلبة والمعطلون والمهمشون...).
ومسؤولية المناضلين النقابيين أعظم، لأنهم معنيون بحث تنظيماتهم النقابية على مؤازرة معارك العمال، وخاصة المعارك المحاصرة، وفي مقدمتها معركة عمال امانور، وذلك من منطلق الفهم السديد للصراع الطبقي. فليس مناضلا من يصمت من داخل حزبه أو نقابته أو جمعيته، وإذا لم يرفع صوته عاليا ليناصر قضايا العمال وباقي الكادحين، بل ولينخرط فيها… والخطير أن النظام يسعى وزبانيته من هيئات سياسية وقيادات نقابية وجمعوية، الى تقديم ملحمة امانور كدرس لإرغام العمال على تقديم الولاء والرضوخ للأمر الواقع الذي تفرضه الباطرونا، بما يتماشى ومصالحها الطبقية.
لقد "شبعنا" فشلا، لننتصر ولو لبعض المرات... لنجعل الأمل حيا والمستقبل متاحا... وبدل أن نفتري على الذاكرة بدواعي أو أخرى، لنقل الحقيقة المُرة ولو مرَة ولنفضح خدام النظام والمتواطئين معه. ومن يسكت عنها يعبر عن انتمائه الى خندق النظام عاجلا أو آجلا...
والإحساس المفرط بالمسؤولية الفردية لا يبرر غياب المسؤولية الجماعية، بل هو عينه دعوة الى كافة المناضلين للانخراط في البناء الجماعي لصرح الذات المناضلة القادرة على بلورة الأشكال النضالية المناسبة وممارستها. لقد زال الغموض واللبس اللذان سادا لردح من الزمن، وافتضح أمر الأيادي القذرة المشوشة التي غذت ذلك (ما يدوم غير الصح). ونكرر أنه آن الأوان ليس لرسم معالم طريق المستقبل النضالي لشعبنا، بل للانخراط فيه...
شارك هذا الموضوع على: ↓