معلوم أن مجموعة مراكش (44 معتقلا سياسيا) اعتقلت إثر انتفاضة يناير الشعبية سنة 1984.
ومعلوم أيضا أن هذه المجموعة قدمت شهيدين إثر إضراب بطولي عن الطعام تجاوز الستين يوما، وهما بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري. هناك أمور كثيرة معروفة حول مجموعة مراكش 1984، لكن رغم ذلك هناك أمور كثيرة أيضا غير معروفة. ومن هنا واجب التعريف بتفاصيل تجربة المجموعة ونضالاتها وتوثيقها. والأمر لا يهم فقط هذه المجموعة، بل كل المجموعات وكل حالات الاعتقال السياسي الفردية والجماعية. إن غياب التوثيق ساهم في "اندثار" عدة تجارب رائدة وغيب دروسها وإشعاعها. ويعود جزء كبير من المسؤولية الى المناضلين المعنيين بها.
ومناسبة هذه التوطئة المختصرة هدية من رفيق عزيز ضمن مجموعتنا، مجموعة مراكش 1984. اليوم، 25 يناير 2021، قدم لي رفيقي كمال سقيتي (KAMAL SKITI) وثيقة بخط يدي تهم معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري تعود الى 25 نونبر 1984. وثيقة/رسالة ما كنت أظن أنها على قيد الحياة، بسبب ظروف الاعتقال الصعبة رغم وجودنا بالمستشفيات من جهة أولى، ومن جهة ثانية وجودنا بمستشفيات متفرقة (مراكش واسفي والصويرة)، ومن جهة ثالثة مرور أزيد من 36 سنة عن تحريرها. ألف تحية وتقدير للرفيق كمال، وكل الشكر على الهدية القيمة التي بدون شك تقدم صورة عن مرحلة فاصلة من مراحل معركة الشهيدين البطلين بوبكر ومصطفى. وإنها دعوة صادقة الى جميع المناضلين لتوثيق التجارب النضالية، سواء كانت تجارب اعتقال أو تجارب نضالية أخرى...
فيما يلي نص الوثيقة/الرسالة:
"25/11/84
رفاقنا في الصويرة ومراكش:
تحية نضالية:
بعد توصلنا بوجهة نظركم (الرفاق في مراكش) فيما يخص الأسلوب النضالي اللازم في الظرف السياسي الحالي، توصلنا كذلك بخبر عدم دخولكم في إضراب الأسبوع (20-26/11/84) الذي تم الاتفاق عليه سابقا. فعندما طرح التأجيل، فسواء دخلنا في الإضراب أم لا، فليس لدينا الوقت الكافي لتبادل الرأي (توصلنا بالتأجيل يوم 15/11/84). ولذلك كان دخولنا وفق التاريخ المحدد من طرف رفاقنا بالصويرة.
للأسف حصل ما قد توقعناه، وتم توقيفنا للإضراب في حين علمنا بالخبر (مباشرة بعد نهاية مدة الزيارة -12.30/14.00-) مراعاة منا لعامل الوحدة) كان يجب على الأقل استمرارنا الى غاية 12.00 ليلا ونكون بذلك قد دخلنا في إضراب لمدة 72 ساعة بدل أسبوع بدعوى تنبيه المسؤولين اتجاه وضعنا داخل المستشفى ونقلنا الى مراكش قصد العلاج الضروري).
إذ لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين، فقد أصبح ضروريا ضبط أشكال تنسيقاتنا وبشكل مسؤول حتى لا نسقط فيما هو أفدح وخاصة أننا مقبلين على ما هو أصعب.
أيها الرفاق:
إن وضعنا داخل المستشفى أصبح يسير من سيء الى أسوأ:
- الحرمان من الشمس منذ توقيفنا للإضراب مرحليا
- النقص في الوجبات وخاصة في الآونة الأخيرة
- غياب أطباء اختصاصيين
- الحرمان من الكتب (إلا ما جاد به الرفاق -10- الموجودين في السجن) والمجلات والجرائد والراديو.
- استفزاز عائلاتنا وبشكل دائم.
- قصر وقت الزيارة (ساعتين) ويومين في الأسبوع فقط.
رغم هذا فالمهم بالنسبة الينا هو ما جئنا من أجله الى المستشفى وسقط شهيدان عزيزان من أجل فرضه.
من خلال وجهة نظركم (الرفاق بمراكش)، كان فعلا صحيحا دخولنا في الإضراب من داخل السجن ويبقى المستشفى لاسترجاع بعض القوة والتفكير مليا في آفاق معركتنا التاريخية والبطولية، وإذ أقول هذا أقول كذلك باحتمال تشتيتنا على السجون من منظار إسكات كل مجموعة بما يتوفر عليه كل سجن مع العمل على قطع حبال الاتصال فيما بيننا. ولذا وجب التفكير في ما العمل حين مفاجأتنا بقراراتهم، بمعنى كيفية تصريف الصيغة المقترحة سابقا (مع مراعاة حالة الرفيقين الانصاري والسد اللذين لم يبق على انتقالهما الى السجن الكبير سوى شهرين تقريبا). أما رفاقنا بالصويرة، فإننا نجهل تماما وجهات نظرهم فيما يتعلق بنوعية الخلاف الحاصل حول الصيغة النضالية الأخيرة وخاصة أنه تم الاتفاق عليها سابقا.
وإذ نوجه رسائلنا الى مراكش، فباعتباركم أقرب منا بالعائلات والمناضلين لإيصال مقترحاتنا لرفاقنا بالصويرة.
اقتراح:
- ممارسة الصيغة المقترحة سلفا في حالة نقلنا الى السجن قريبا (إضراب لامحدود بعد إضراب إنذاري مع بيان للرأي العام الوطني والدولي) هذا في حالة نقلنا كمجموعة وعدم تحقيق مطالبنا كاملة.
- في حالة بقائنا في المستشفى أكثر من شهر، نمارس نفس الصيغة وخاصة في غياب حوار جاد ومسؤول وتمادي المسؤولين في التعنت اتجاه أوضاعنا داخل المستشفى.
- في حالة تشتيتنا على السجون، فبعد وضع الترتيبات الضرورية نمارس نفس الصيغة مع التشبث بالجمع كشعار أساسي، ودائما في حالة عدم تحقيق مطالبنا.
اقتراحي هذا أيها الرفاق جاء في إطار تبادل وجهات النظر والمقترحات للسير بقضيتنا نحو الأمام وبخطى سديدة، إنها مسيرة حتى النصر.
إضافات:
* بخصوص وضعيتنا داخل المستشفى استقر رأينا (الرفاق الأربعة) على:
- كتابة بيان للرأي العام الوطني والدولي موقعا من طرفنا كمجموعة فيما يتعلق بأوضاعنا داخل المستشفى وخاصة باسفي والصويرة وإهمال المسؤولين لقضيتنا.
- كتابة رسائل الى المسؤولين المحليين
- تحرك العائلات وبشكل جماعي واتصالهم بالمسؤولين.
* تكثيف نقاشاتنا مع العائلات من أجل:
- تصليب جبهتهم ورص صفوفهم
- حثهم على التحرك الجماعي وتجاوز ما هو ثانوي
- تعميق فهمهم لمساندتنا ووضع نضالاتهم في الإطار الصحيح أي اعتبارنا معتقلين سياسيين وليس لأننا أبناءهم فقط
رفيقكم أحراث
نشد على أياديكم"
ملاحظات:
- حافظت على النص كما هو باستثناء تصحيحات نحوية طفيفة (النص الكامل وبأخطائه مصور رفقته)؛
- عشنا محنة التنسيق الذي كان يتم عبر العائلات فقط، ومن زيارة الى أخرى وعبر ثلاثة سجون/مستشفيات (مراكش واسفي والصويرة)؛
- شخصيا، كنت باسفي الى جانب الرفاق محمد فخر الدين غندي وجمال بنيوب وعثمان حاجي، بعد نقل الرفيق لحبيب لقدور الى مراكش بسبب مضاعفات صحية خطيرة؛
- أغتنم المناسبة لأصحح معلومة خاطئة متداولة كثيرا. يتردد أن الشهيد مصطفى بلهواري خاض عدة إضرابات عن الطعام واستشهد بالصويرة. الصحيح أن الشهيد مصطفى خاض إضرابا واحدا عن الطعام واستشهد إبانه باسفي. وكذلك الشهيد بوبكر، بدوره خاض إضرابا واحدا عن الطعام واستشهد إبانه بالصويرة؛
- بالصورة التي تجمع بعض عائلاتنا يوجد الرفيق كمال ضمن الواقفين.