يتحدثون عن "الوحدة"..
بالأمس واليوم، وغدا ودائما..
الاتحاد قوة، كما الصمت حكمة..
نعم، بدون شك. لكن عن أي اتحاد/وحدة نتحدث وعن أي صمت؟ نحن بالمغرب، نقول "سبق الميم ترتاح"، بمعنى "ما سمعت" و"ما رأيت" و"ما نطقت"..
الاتحاد توصيف جميل، كما الصمت.. ما أجمل الاتحاد، وما أروع الصمت.. فالاتحاد يضمن القوة والصمت يضمن الحكمة..
حتى الآن، الأمر مفهوم ومقبول. وبوكماخ "المسكين" (يعرفه المغاربة من جيلي جيدا)، بدوره ألح على ذلك وروج له بحماس وبدعم من النظام القائم.
وماذا بعد؟
لا مجال للعاطفة، سياسيا.. أن تكون أو لا تكون، حرب طبقية مفروضة...
"الوحدة" بالمعاني السابقة، قادت الى الدمار والتفتت، وكذلك الصمت أنتج التواطؤ والانهيار؛ فهل نكرر نفس الأخطاء القاتلة؟
لقد تمت عدة مبادرات للتوحيد في صفوف "اليسار" المغربي بالغث والسمين وبإشراك جل المعتقلين السياسيين السابقين في بداية التسعينات من القرن الماضي (القريب)، بالنظر الى رمزيتهم وتجربتهم/حنكتهم، وما هي النتيجة الآن؟
الكثيرون التحقوا بجوقة النظام وبوجه مكشوف (الأسماء معروفة وبكل مسؤولية)..
الكثيرون أيضا تواطأوا سياسيا ونقابيا وجمعويا مع النظام (الأسماء كذلك معروفة وبدون مزايدة أو اتهامات مجانية)...
لا داعي للحديث عن بعض الأسماء/الرموز التي قدمت الهدايا للنظام القائم ضدا على مصلحة وحقوق الضحايا (رفاق الماضي)، ضحايا الاعتقال السياسي، وفي آخر المطاف ضدا على مصلحة شعبنا..
إننا نتطلع الى المستقبل والى الغد المشرق والسعيد، وطبعا دون نسيان أو تناسي الماضي الأليم بمعاناته وآلامه. لنا ذاكرة قوية، وهي ذاكرة شعب أكثر مما هي ذاكرة أشخاص عابرين. فللماضي بانتصاراته وانكساراته أثر خطير على واقعنا الراهن وعلى مستقبلنا.. لنا هدف أساسي هو بناء الذات المناضلة التي بدونها سنكرس الهزائم تلو الأخرى، كلنا أمل مع احتداد الصراع الطبقي ومع التضحيات البطولية لأبناء شعبنا وفي مقدمتهم العمال والفلاحين الفقراء..
واضطرارا، ومن باب المسؤولية النضالية وبعيدا عن العموميات أو المزايدات، أي وحدة مع من يعانق وهم أو مهزلة الانتخابات، سواء الجماعية أو التشريعية؛ والكل يعرف اليوم التجاوزات اللاديمقراطية وديمقراطية الواجهة (الدستور الممنوح) وواقع النهب والاستغلال الطبقيين دون أي اعتبار للشعارات المرفوعة، مثل احترام حقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية بهذا الشأن. هناك الخروقات الفجة بالجملة، وليس أدل على ذلك مما يعانيه عمال امانور بطنجة وتطوان والرباط لما يزيد عن السنة، وكذلك المعتقلون السياسيون وعائلاتهم والطلبة والمعطلون والأساتذة...
والأمر هنا بالواضح يهم أحزاب تحالف اليسار الديمقراطي (حزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي). ليس تحاملا على هذه الأحزاب السياسية كما يمكن أن يفهم البعض أو كما يروج البعض الآخر بهدف التشويش والتضليل والإساءة، بل من باب تحمل المسؤولية ووضع الأصبع على الجرح، جرحنا جميعا.. لقد انكشفت حكاية "التغيير من الداخل" وظهرت معاني ودلالات استغلال أو الاستفادة من "الهامش الديمقراطي"...
ونفس الشيء أيضا، وبدون تحامل كما يمكن أن يفهم البعض أو كما يُروج البعض الآخر بهدف التشويش والتضليل والإساءة المجانية لتغطية الشمس بالغربال، ومن باب تحمل المسؤولية ووضع الأصبع على الجرح، جرحنا جميعا، أي وحدة مع من يدعو (حزب النهج الديمقراطي) الى إشراك أحد مكونات الإسلام السياسي ولو ميدانيا، كمكون رجعي بالدرجة الأولى ومتورط في اغتيال رفاقنا وفي مناورات فجة تخدم النظام القائم، ونذكر على سبيل المثال الانسحاب من حركة 20 فبراير في ظرفية سياسية حاسمة وبخلفية سياسية مفضوحة.
نحب بعضنا البعض إنسانيا واجتماعيا، ونقدر بعضنا البعض كرفاق، ونحترم بعضنا البعض كمناضلين.. نعم، بل جميل جدا.. على الأقل لا نختلق ما يفرقنا ولا نسعى الى قتل أو تدمير بعضنا البعض.. لا نسعى الى التشفي أو الى ممارسة "سياسة الأرض المحروقة" أو "أنا وبعدي الطوفان" أو "أنا وحدي نضوي البلاد".. نحن، بل شعبنا، في حاجة الى كل المناضلين الصادقين الذين يهمهم خدمة قضية عادلة، قضية شعب مقهور ومضطهد...
لكن من حق كل منا، من باب الديمقراطية على الأقل، أن يعبر عن رأيه وأن يذهب في طريقه.. ولا طريق أهم من طريق شعبنا، وللدقة طريق العمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين..
أمام الملأ وللتاريخ، لماذا نعشق التضحية ونحن من جرب ثمن التضحية الثقيل/الغالي من تعذيب وتقتيل وسنوات طويلة من الاعتقال والإضرابات عن الطعام وتشريد ومعاناة العائلات..؟
بوضوح أكثر، لماذا ندعو الى الثورة ونحن كأشخاص، مثقفين/مناضلين ثوريين ومتضامنين...، جلنا في وضع "مريح"؟
نحن، المناضلين المبدئيين، مع الوحدة النضالية، ومن يرفض هذه الوحدة ليس مناضلا. لكن الأسئلة المطروحة دائما هي: عن أي وحدة نتحدث؟ وعن أي مكونات؟ وعن أي أهداف، مرحلية أو استراتيجية؟
عشنا العديد من تجارب "الوحدة" بالمغرب وخارجه، إلا أننا لم نتعلم ولم نستفذ بما يكفي من دروس هذه التجارب السياسية الفاشلة. لقد آن الأوان للتفكير بصوت عال وبجرأة، وبدون تقديس للأشخاص أو للأفكار، وبإعمال التحليل العلمي، أي التحليل الملموس للواقع الملموس.
لا نناقش مقاطعة الانتخابات (تحصيل حاصل) أو أي أشكال نضالية أخرى (الحركة الطلابية مثلا). نناقش التحالفات السياسية الممكنة خارج إجماع النظام وبعيدا عن القوى الرجعية، ظلامية أو شوفينية.
لنتحل ببعض الجرأة النضالية، ونقطع مع القوى الرجعية وضمنها القوى الظلامية والقوى الشوفينية.
لنعلن موقفنا من القوى السياسية المتواطئة مع النظام بهذا الشكل أو ذاك، ومن القيادات البيروقراطية داخل هذه المركزية النقابية أو تلك، وخاصة الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل... والهدف هو رسم المسار النضالي أمام القواعد المناضلة، القوى الطبقية الحاملة لمشعل المستقبل النضالي لشعبنا، وخاصة القواعد العمالية...
إن منطلق الوحدة هو أولا إعلان الموقف السياسي المسؤول وثانيا ممارسته على أرض الواقع (الانسجام السياسي)...
لا معنى للغموض والحربائية سياسيا أو نقابيا..
لا معنى للشعارات "الغليظة" بدون ممارسة فعلية..
لنعلن الممكن ولنمارس الممكن...
ولنحاسب على "غير" الممكن، إعلانا وممارسة...
لنتعض من التجربة الفلسطينية ودروسها في الوحدة وفي النضال، ولنأخذها كمرآة لذاتنا في علاقة الأمر بقضية شعبنا وبموقفنا منها، أي القضية الفلسطينية، في هذا المنعطف التاريخي الخطير. فلا موقف أو ممارسة دون إدانة ومناهضة فضيحة التطبيع مع الكيان الصهيوني واستنكار جرائمه في حق الشعب الفلسطيني...